ثقافة

في رواية الفخراني “بار ليالينا” الكومبارس يطارد حلمه المستحيل

رغم أنهم يرون أنفسهم الأبطال الحقيقيين لمئات الأفلام والمسلسلات؛ فإنهم يشعرون دوما بتلك الغصة المريرة في حلقوهم؛ فالأضواء في كل زمان ومكان تظل حكرا على النجوم وحدهم، أما هم فرغم كل ما يقدمونه يظلون مجرد كومبارس.. قابعين في الظل لا يشعر بهم أحد.

يرى كل كومبارس في نفسه نجما سينمائيا، ينتظر أن يتحقق يوما ما حلمه المستحيل، في أن يصبح بطلا يوضع اسمه على التتر مسبوقا بوصف البطولة.. فيما تتصدر صورته الأفيش الذي ظل حكرا على غيره، منذ وضع قدمه على الدرجة الأولى من سلم الفن، التي لم يستطع حتى الآن تجاوزها.. في ظل الطبقية التي تحكم المشهد الفني والتي جعلته مقسما بين أبطال وكومبارس.

في رواية “بار ليالينا” يغوص أحمد الفخراني في قالب سردي متقن، في أعماق دولة الكومبارس من خلال شخصية الكومبارس “نوح الرحيمي” الذي راودته رغبة قوية في أن يصبح عضوا في بار “ليالينا” والذي كان مقصورا على الشعراء والقصاصين والموسيقيين وأساتذة الجامعات والحقوقيين.

هوس “الرحيمي” بالسينما بدأ منذ وقت مبكر، وتحديدا في مغارة سينما “الكورسال” التي قضى داخلها ساعات طويلة، حيث أصوات العشاق والباعة الجائلين والضحك والشجار والحركة التي لا تهدأ، أحب أفلام “بروس لي” و”أميتاب باتشان”.. تدريجيا صار حلمه أن يكون يوما نجما سينمائيا، في بداية الطريق وجد ضالته في مقهى “بعرة” حيث يجتمع الكومبارس والممثلون.

على المقهى استغل قدرته على البقاء لفترة طويلة كشيء غير ملحوظ– في أن يراقب الكومبارس؛ حتى تجرأ يوما وسار خلف مجموعة منهم إلى أن وصلوا إلى مكتب “ريجسير” يوزّع  الأدوار.. وهكذا نال دوره الأول كأحد أفراد المجاميع في فيلم “دموع الشياطين”، شارك بعد ذلك في أكثر من 300 فيلم؛ لكنه ظل كومبارس.. ولم يقترب أبدا من سلم البطولة الذي رسمه لنفسه.

لم يستسلم “الرحيمي” لقدره لمعت في ذهنه طريقة سحرية كي يحقق العدالة الفنية على طريقته الخاصة.. فيلم روائي يقوم هو فيه بدور البطولة وجميع المشاركين فيه من زملائه من الكومبارسات، إنه اللحظة التي ينال فيها المهمشون حقوقهم بعد طول انتظار.

لم يبذل جهدا كبيرا حتى تمكّن من إقناع زملائه بفكرة الخلاص الفني، وافقوا على أن يشاركوه في تمويل الفيلم الذي قرروا أن يكون فيلما صامتا كوميديا مرتجلا على طريقة أفلام شارلي شابلن، لم تعجبه الفكرة في البداية لكن راهن على أصالتها ومناسبتها لإمكانياتهم.

أسس “الرحيمي” بالتعاون مع زملائه شركة إنتاج “الصمت الرهيب”، التي جاءت أخيرا من أجل أن يري الجميع الكومبارس أبطالا، وليسوا مادة للغرابة، مضى زمن تمنح البطل فيه خدك الأيمن والأيسر بمحبة من أجل لقمة العيش.

صور “الرحيمي” أفلامه وكان يشرف على الإخراج، أنتجت شركة “الصمت الرهيب” أكثر من 40 فيلما لا تزيد مدة الواحد منها عن عشر دقائق ورأى الكومبارسات أن الوقت قد حان كي ترى النور وطاف “الرحيمي” معهم على عدد من المنتجين مقترحا أن تعرض أفلامه قبل عروض السينمات أو على الأقل في فواصل الاستراحة، ولكن اقتراحه قوبل بالرفض؛ بل أعدت قائمة سوداء بأسماء “الكومبارسات” الذين اشتركوا في هذه المهزلة.

كان “الرحيمي” في قرارة نفسه راغبا في كسر الظلم المتسبب في إهدار عرق مليارات “الكومبارسات” في العالم لصالح سيادة الأبطال.

ذات مساء وهو جالس على مقهى بعرة وجد ضالته في شخص أحسه مختلفا عن أقرانه. “نديم” الذي جاء يبحث عن ممثلين لخداع المشاهدين في أحد برامج الكاميرا الخفية؛ حتى يبدو الأمر وكأنه طبيعيا قرر “الرحيمي” أن يمنحه شرف مشاهدة أفلامه، ولكن صدى ضحكاته الهستيرية أجهز على آخر أمل لدى الكومبارس الحالم.

قرر “الرحيمي” أن ينتقم على طريقته الخاصة، وأن يثبت لنديم الذي استخف به، براعته الفنية ونجح في خطته نجاحا مذهلا، حيث تقمص عدة أدوار ولم يستطيع غريمه أن يكتشف حقيقته في أي منها.. اختار أن يكون بار “ليالينا” الذي يتردد عليه نديم بانتظام مسرحا لأول أدوار البطولة في حياته، قدم نفسه كثري أجبره حب الفن على قبول بعض الأدوار الصغيرة وعبر عدة أدوار استطاع الكومبارس أن يتلاعب بشلة المثقفين في البار، وأن يثبت لهم بالدليل العملي موهبته الفنية قبل أن يكشف لهم في النهاية عن حقيقة شخصيته، وأنه هو ذلك الكومبارس الذي سخر منه أحدهم يوما ما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock