ترجمة: كريم سعد
خلال ثمانية أسابيع, سيتجه ما يقرب من مليون مشجع لكرة القدم إلى قطر؛ لحضور كأس العالم. كثير منهم سيسافرون عبر المدن المجاورة مثل دبي وأبو ظبي، وسوف يجدون خليجا في خضم طفرة طاقة تبلغ 3.5 تريليون دولار، بفضل حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا. مع إشادة الساسة الغربيين –الذين يواجهون أزمة تكاليف المعيشة مرة أخرى– بملكية اقتصاد الوقود الأحفوري. ومن المقرر أن يزور المستشار الألماني أولاف شولتس منطقة الخليج هذا الأسبوع.
إن هذه الطفرة الأحدث في مجال النفط والغاز تحدث جنبا إلى جنب مع اتجاهات أعمق مثل: إعادة هندسة تدفقات الطاقة العالمية استجابة للعقوبات الغربية وتغير المناخ، وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بينما تتكيف مع عالم متعدد الأقطاب لم تعد فيه أميركا ضامنا موثوقا للأمن. والنتيجة هي خليجية ذات مظهر جديد مقدر لها أن تظل محورية لعقود قادمة. ومع ذلك، فإن ما كان مقدرا له أن يكون مصدرا للاستقرار؛ صار أبعد ما يكون عن الوضوح.
تنتمي دول الخليج إلى منطقة مرت بعقدين مروعين. وفي خضم الحروب والانتفاضات، لقي مليون شخص حتفهم بعنف في الشرق الأوسط، وانخفضت حصته من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 4٪ في عام 2012، إلى 3٪.
وقد خفّضت أمريكا وجودها العسكري في أعقاب كوارث متلاحقة في العراق وأفغانستان، تاركة الحلفاء القدامى، بما في ذلك دول الخليج، مروعين من فراغ أمني ستملأه إيران ووكلاؤها.
إن مراكز الطاقة الخليجية الثلاثة: قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي دول استبدادية، تواجه انخفاضا طويل الأجل في الطلب العالمي على الوقود الأحفوري, حتى في الوقت الذي تعاني فيه من انخفاض هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ.
إنها نقطة انطلاق شاقة، ولكن هناك قوتان جديدتان تلعبان دورهما. الأول هو التغيرات في أسواق الطاقة.. وبالأسعار الحالية يمكن لدول الخليج الست – والأخرى هي البحرين والكويت وعمان– أن تكسب 3.5 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتعيد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا توجيه كيفية تداول الطاقة في جميع أنحاء العالم. ومع تدفق الإنتاج الروسي إلى الشرق، من المتوقع أن يصبح الخليج موردا أكبر للغرب.
واستجابة لأسواق الطاقة الضيقة، تكثف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الاستثمار الرأسمالي في النفط بهدف طويل الأجل يتمثل في أن تكونا آخر الرجال الذين يقفون في هذه الصناعة، ويتمتعون بأقل التكاليف وأقل الاستخراج قذارة. وتهدف الدولتان معا إلى رفع الإنتاج من 13 مليون برميل يوميا العام الماضي إلى 16 مليون برميل يوميا على المدى المتوسط. وسوف ترتفع حصتهما في السوق مع تضييق الحكومات في جميع أنحاء العالم الخناق على الانبعاثات وانخفاض الطلب العالمي على النفط. مع توسع قطر في مشروع حقل الشمال في السنوات القليلة المقبلة، سيصل إنتاجها للغاز الطبيعي المسال ما يعادل 33٪ من جميع الغاز الطبيعي المسال المتداول في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي. ومن وجهة نظرها، لا يمكن أن يكون التوقيت، وسط ضغط عالمي على الغاز، أفضل من ذلك.
وحتى في الوقت الذي تثري فيه الطاقة الخليج -وتضيف إلى العبء الثقيل المتمثل في استقرار مناخ العالم- فإن القوة الثانية في العمل هي مواءمة جديدة للقوة في الشرق الأوسط. فعلى مدى العقد الماضي، أنشأت إيران منطقة نفوذ عبر حزام شمالي يشمل العراق ولبنان وسوريا. وهناك رد فعل على قدم وساق مع تقارب معظم دول الخليج ومصر وإسرائيل وغيرها. وينعكس ذلك في اتفاقات إبراهيم، التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين عام 2020، بهدف تسريع وتيرة التطبيع في المنطقة.
وتتعلق هذه الكتلة الوليدة جزئيا بتطوير دفاعات مشتركة ضد الصواريخ والطائرات الإيرانية بدون طيار، ربما باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية. وهناك رهان أيضا على أن التجارة يمكن أن تجعل هذه البلدان أكثر ثراء في منطقة ذات روابط ضئيلة عبر الحدود. وبالفعل، فقد نفذ الإسرائيليون أكثر من نصف مليون رحلة إلى الإمارات العربية المتحدة، في حين استثمرت دول الخليج 22 مليار دولار في مصر هذا العام. وقد تنضم المملكة العربية السعودية والأردن يوما ما إلى اتفاقات إبراهيم، خاصة إذا نجحت إسرائيل في ضم الفلسطينيين، ما سيخلق منطقة تجارية متجاورة. وستأمل هذه الكتلة أيضا في زيادة روابطها مع بقية العالم.
وكانت الإمارات قد وقعت اتفاقا تجاريا مع الهند في فبراير شباط الماضي.. وذلك نظرا لأن لندن وهونغ كونغ تتوقفان كمراكز مالية، فقد سعت دبي إلى أن تصبح آخر منشأة في العالم، يمكن منها إجراء أعمال تجارية مع أي شخص.
ومن الآثار الواضحة أن الخليج من المرجح أن يظل مهمًا في الشئون العالمية في العقود المقبلة، كما كان في القرن العشرين، على الرغم من آمال بعض الاستراتيجيين الأمريكيين في أن تتلاشى أهميته.
وفي مجال النفط والغاز، يمكن أن ترتفع حصة دول الخليج من واردات أوروبا من أقل من 10٪ اليوم إلى أكثر من 20٪. إذ بلغ الثقل الاقتصادي لدول الخليج في الشرق الأوسط أعلى مستوياته منذ عام 1981، حوالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، وسوف يرتفع أكثر. وفي مجال التمويل، ستنمو الأصول الاحتياطية والسيادية الخليجية البالغة 3 تريليونات دولار، ما سيؤدي إلى المزيد من الاستثمارات في الخارج، مثل حصة قطر في طرح “بورشه” الأسبوع المقبل.. ومن المتوقع أن تستعرض الإمارات العربية المتحدة عضلاتها الدبلوماسية بشكل أكبر خارج منطقتها المباشرة إذ أصبحت بالفعل قوة في القرن الأفريقي.
ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي قد لا يجلبه العصر الجديد هو الاستقرار، لأن القوى ذاتها الكامنة وراء هذه الفرص تخلق أيضا التقلبات. إن السعي إلى ترتيب أمني يعتمد بشكل أقل على أميركا قد يأتي بنتائج عكسية. فقد يمكن أن يؤدي عدوان إيران إلى سباق تسلح إقليمي تغذيه عائدات الطاقة, تماما كما شهدت طفرات النفط في 1970، انفجار الإنفاق العسكري. إذا حصلت إيران على سلاح نووي، فقد ترغب دول مثل المملكة العربية السعودية وتركيا في امتلاك قنبلة خاصة بها. والواقع أن الفصل الأخير من عصر الوقود الأحفوري من الممكن أن يجذب الصين والهند إلى عمق المنطقة.
ومع ذلك، فإن أكبر مصدر محتمل لعدم الاستقرار يكمن في الداخل. إذ تحاول دول الخليج الآن اتباع مسار اقتصادي مذهل. وهم يخططون لتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري لمدة 20 عاما أو نحو ذلك ثم خفضه بعد عام 2045، ومن الممكن أن نرى كيف يمكن أن يعمل هذا من الناحية النظرية: فالإيجارات الضخمة ستحتاج إلى إعادة استثمارها بسرعة في اقتصاد عالي التقنية الذي يعتمد على أنظمة الطاقة المتجددة والهيدروجين وتحلية المياه، والتي تتمتع بديناميكية كافية لخلق ملايين الوظائف لمجموعة كبيرة من الشباب. في الممارسة العملية المهمة ضخمة. وحتى لو نجحت، فإنها ستضع أهداف المناخ التي حددتها اتفاقية باريس بعيدا عن متناول اليد.
ويعتقد المستبدون في الخليج أن لديهم منظورا طويل الأجل لإدارة هذا التحول. لكنهم عرضة لتبعات القمع والمحسوبية ومشاريع الغرور. هناك خليج جديد آخذ في الظهور، لكن بعض الأمور لا تزال كما هي. ستظل متقلبة – ومن المستحيل على العالم تجاهلها.