فن

فيلم 11:11 دائما هناك فرصة أخرى لنغير الحياة

تشير لغة الأرقام إلى أن الرقم 11 يرمز إلى عدة صفات منها الشجاعة وقوة الإرادة ورهافة الحس والوعي والحذر والتناقض.. ويعتبر البعض الرقم 11 مصدرا للتفاؤل، وكلما تعدد الرقم 11 في الزمن زادت قوة تأثيره الإيجابية في الأمور العاطفية والروحية.. بحيث من الممكن أن تكون تلك الساعة فرصة كونية لإدراك فوات أمر ما أو انتهاز فرصة قلما تسنح أو التراجع عن خطأ فادح يحدث معه تغيير إيجابي عميق الأثر.. وتلمح بعض الدراسات إلى أن أناسا يربطون أنفسهم بالرقم المذكور؛ اتسموا بالطموح والقدرة على تحقيق الحلم والابتكار، ويرتبط لديهم الإبداع بالغريزة فيسارعون إلى نيل المكاسب؛ لكنهم كثيرا ما يصابون بالإجهاد ويعانون من القلق.

في فيلم 11:11 الذي أخرجه كريم أبوزيد وكتبه ياسر عبد الباسط، وشارك في بطولته إياد نصار (سعيد) وإنجي المقدم (نرمين) وغادة عادل (عاليا) وعمر الشناوي (طارق) ومحمد الشرنوبي (زين) ومعتز هشام (راضي) ونور إيهاب (مي) وهند عبد الحليم (هند) يستلهم صناع الفيلم خصوصية الرقم 11 في حبكة فنية غير معتادة تعتمد على تكرار الحدث الواحد عدة مرات مع إضافة تفاصيل جديدة في كل مرة تساعد المشاهد على ربط الأحداث وإدراك العلاقات التي تربط -عبر خيط خفي- بين شخصيات العمل.

سعيد محامٍ تضطره الظروف للزواج من ابنة أستاذه المحامي الشهير؛ ظنا منه أنه بذلك سيهرب من الفقر ويحقق قدرا من السعادة.. لكنه يشعر بتعالي الزوجة نرمين عليه، ما يجعله -ربما بدافع الانتقام منها- يقدم على خيانتها مع زميلة دراسته ندى التي ألحقها بالعمل معه في مكتب المحاماة الشهير الذي آل إليه بعد وفاة والد زوجته.. سنعرف أن ندى هي حب سعيد الضائع الذي ضحى به من أجل المال، تكتشف الزوجة الخيانة وتواجه بها العشيقين. عنما يلحق سعيد بزوجته في المنزل، تستمر المعركة الكلامية بينهما، ما يتسبب في حدوث كارثة كادت تودي بحياة طفلهما الوحيد.. ما سيدفع سعيد إلى الإقدام على الانتحار.

لحظة انتحار سعيد هي اللحظة التي يتسع فيها الكادر ليضم معه ثلاث شخصيات أخرى تعاني صراعا نفسيا شديدا يصل إلى درجة التمزق.. الشخصية الأولى هي شخصية عاليا الزوجة التي أجرت خمس عمليات حقن مجهري دون جدوى، وتعاني أشد المعاناة لشعورها بالذنب تجاه زوجها الذي يتعذب بسبب رغبته الشديدة في أن يكون أبا، مع ضغط والدته عليه للارتباط بابنة خالته المطلقة.. ستحسم عاليا هذا الصراع بالتضحية بحبها لزوجها والانسحاب من حياته، ليتزوج من ابنة خالته ليصبح أبا.

الشخصية الثانية هي شخصية زين الابن الذي تعاني أمه من مرض “إلزهايمر” وتطلب منه زوجته بإلحاح إيداع الأم دارا للمسنين.. لكنه يرفض الفكرة باستمرار؛ رغم إحساسه بمعاناة الزوجة، ما يجعل حياته الزوجية مهددة بالانهيار بعد أن تقرر هند ترك المنزل والعودة إلى أهلها في انتظار أن يحسم زين الأمر.

فيلم 11:11

الشخصية الثالثة هي راضي طالب الهندسة المجتهد الذي يرتبط عاطفيا بزميلته في الدراسة، ولكنه يرفض ترك والده الذي يملك كشكا بسيطا؛ ليلتحق بالعمل بأحد المكاتب الهندسية الشهيرة.. ما يعكر صفو العلاقة بين الحبيبين.

حينما يحاول سعيد الانتحار داخل سيارته تصطدم إحدى السيارات بسيارته من الخلف، لتخرج الرصاصة دون إرادته وتطيش لتتجه حيث يقف الأشخاص الثلاثة؛ مهددة واحدا منهم بالموت المؤكد.

تصل شخصيات العمل جميعا في نفس الوقت إلى مفترق طرق يفرض الاختيار بين أمرين كلاهما صعب.. تتغلب في داخل كل شخصية النزعة الأقوى التي تجعله ينتصر للاختيار الأكثر أخلاقية.. فيقرر سعيد العودة لزوجته وطفله وقطع صلته تماما بالعشيقة، بينما تنتصر عاليا على أنانيتها وتترك زوجها ليصبح أبا، بينما يفضل زين البقاء مع أمه المريضة على الإبقاء على زوجته رغم قسوة ذلك على نفسه، أما راضي فيستعيد حبيبته دون التفكير في التخلي عن والده.

ينفتح الفيلم على كثير من الدلالات التي تلهمنا رسائل كثيرة تتعلق بالأمل والمراجعة الدائمة للنفس وإمكانية العودة واستدراك الأخطاء.. وأننا مازلنا أقوياء قادرين على الوقوف في مواجهة القبح والأنانية والتخلي عن أقرب الناس.. يحمل الفيلم تلك الروح الإيجابية رغم القتامة الواضحة في أجوائه، ولعلها مقصودة من صناع العمل.. فلا يولد الفجر إلا من الظلمة الحالكة.

إن تمسك زين بأمه وتعلق راضي بأبيه لا يمنحنا رسالة مباشرة عن بر الوالدين، بقدر ما يحيلنا إلى أن النجاة في التمسك بهويتنا وليس في التخلي عنها.. حتى لو خلقت لحظة الأزمة مواجهة غير عادلة بين هذا الرباط العتيق الذي انجدلت خيوطه عبر سنوات العمر، وتلك الرابطة القلبية مع من نحب ونهوى.. في ساحة معركة لا تمنح أبدا أية ظروف مواتية لحل الموقف المتأزم.. ويبدو اعتزاز الابنين بنفسيهما وعدم تصورهما أن يصدر فعل التخلي عن الأم والأب عنهما دليلا واضحا على حسن التربية القديمة التي تتهم دائما بأنها كانت أميل إلى القسوة؛ لكن الإنصاف يقتضي القول أنها صنعت رجالا قادرين على الحسم والمواجهة.

فيلم 11:11

الرقم 11 المكون من عددين متماثلين عندما يتكرر ليصير 11:11 فهذا ربما يعني أن ذواتنا في تلك الحالة الصراعية توشك على التشظي لولا أن تدركنا رحمة القدير، ففي قصة زين سنرى زين الابن مع أمه في مواجهة زين الزوج مع شريكة حياته، وفي قصة سعيد كذلك نرى الزوج الخائن مع عشيقته في مواجهة الزوج مجروح الكرامة مع زوجته المتعالية، وفي قصة راضي المحب الطموح مع فتاته في مواجهة الابن البار مع أبيه، وكذلك عاليا التي تتمزق بين صورتي الزوجة المحبة التي تحاول الإبقاء على زوجها في مواجهة العاقر المضحية بسعادتها من أجل سعادة زوجها.. بالتأكيد ستحيلنا رؤية العمل إلى أكثر من تفسير نستطيع من خلاله إدراك خطورة تلك الثنائية التي نصطلي بنارها.. وليس إلى حسم من سبيل.

في النهاية تجدر الإشارة إلى تميز جميع المشاركين في العمل في الأداء التمثيلي، ولو أن إياد نصار لم يبتعد كثيرا عن أدوار سابقة له تتشابه بشكل كبير مع شخصية سعيد.. تقريبا هي نفس شخصية أكرم في مسلسل “هذا المساء” وربما كان عليه أن يكون أهدأ قليلا في بعض المشاهد.. بينما كانت إنجي المقدم في دور الزوجة المخدوعة نرمين؛ مقنعة لأبعد الحدود، كما جاء أداء محمد الشرنوبي لشخصية زين بالغ الروعة دون أدنى قدر من التكلف؛ ليثبت الشرنوبي أنه موهبة حقيقية بلا شك.. كما تفوقت غادة عادل على نفسها بأداء سلس وهادئ؛ لكنه ينبئ بصدق عن الصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصية.. أما الشاب معتز هشام فقد كان حضوره على نحو ممتاز ومعه نور إيهاب في دور مي.. كما أدت هند عبد الحليم دورها بتوازن واضح حتى أن المشاهد يقف منها موقفا محايدا مع رغبتها في إيداع والدة زوجها دارا للعجزة.. ولم تتح مساحة الدور الصغيرة جدا لعمر الشناوي أي فرصة للإعلان عن موهبته.. بقي أن نشير إلى الرائعة حنان يوسف في دور الأم التي تعاني من إلزهايمر؛ إذ كانت مبهرة كعادتها.. إذن لا جديد.

فيلم 11:11 فيلم أكثر من جيد، وهو من أفضل الأفلام التي أنتجت هذا العام، لاختلافه عن موجة الأفلام السائدة التي تعتمد إما كوميديا رديئة لا تضحك أحدا، أو عنف غير مبرر لا يقنع..  ويًعد فيلم 11:11 باكورة الإنتاج السينمائي لشركة سيلفر جرين التي سبق لها إنتاج عمل تليفزيوني واحد هو مسلسل “أنصاف مجانين” وهذا العمل يجعلنا ننتظر منها المزيد من الأعمال الجادة.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock