سجال قديم متجدد يثور بين الحين والآخر بين فريقين، أحدهما يري أن نظام الخلافة أصل من أصول الحكم في الإسلام، ويذهب إلى حد أن هذا النظام واجب، أما الفريق الآخر فيرى -على النقيض من ذلك- أن الشريعة الإسلامية لا تصلح أساسا للتشريع بشكل عام، وللتشريع الدستوري على وجه الخصوص.
في كتابه “الإسلام والخلافة في العصر الحديث” يرصد الدكتور حازم عبد المتعال الصعيدي، الامتداد التاريخي لهذا السجال قبل أن يصل في النهاية -عبر فصول دراسته القيمة- إلى الحقيقة التي غُيِّبت عن أذهان الكثيرين لزمن طويل، في ظل رغبة سيطرت على كل طرف؛ أن تكون حجته هي العليا.
يذكر الصعيدي أن “الوضع الصحيح للمسألة، يكون بتحديد ما إذا كان الإسلام قد تضمن تنظيما لبعض الأسس العامة للتنظيم السياسي، ولو أن المسألة وضعت في هذه الصورة، لما كان ثمة موضع للجدل، ولانهار من أساسه هذا الدليل، الذي يستند إليه أصحاب الرأي القائل بعدم صلاحية الشريعة كمصدر أساسي للتشريع”.
ويضيف “لاشك أن الإسلام قد تضمّن بعض المبادئ العامة، التي تحكم التنظيم السياسي في كل زمان ومكان، مثل مبادئ الشورى والحرية والمساواة والعدالة والتكافل الاجتماعي، فهذه مبادئ قررتها نصوص صريحة في القرآن والسنة، وهى بطبيعتها صالحة لكل الأزمنة والأمكنة وتتخذ صورا مختلفة في التطبيق، أما مقولة أن الإسلام جاء بصورة معينة من صور الحكم أو قرر شكلا محددا للتنظيم السياسي فهذه هي التي لا تستند إلى أساس سليم”.
ويقول الصعيدي “الأدلة المستمدة من الكتاب والسنة التي يستند إليها أصحاب الرأي القائل بوجوب الخلافة – على جانب كبير من الضعف، والحقيقة أننا لم نستطيع أن نفهم لماذا يصر كثير من علماء الشريعة والدين وقادة الفكر السياسي الإسلامي على التمسك بنظام معين من أنظمة الحكم، وهو نظام الخلافة وفي ذلك أقصى درجات الخطأ والخطر”.
ويكمل الصعيدي “إن مثل هذا الاتجاه يؤدي إلى تجميد الأحكام الشرعية المتعلقة بالشئون الدستورية أو بنظام الحكم، وإلى إظهارها عاجزة عن الملاءمة مع مختلف ظروف الأزمنة والأمكنة، وفي ذلك أشد وأقصى ما يمكن أن يوجه إلى تلك الأحكام من الاتهام، وأقسى ما يمكن أن يسدد إليها من السهام، ومما يدعو إلى العجب والأسف معا؛ أن نجد مثل هذه الجناية عليها، كثيرا ما تصدر من رجالها وحماتها لا من أعدائها”.
وبعبارة صريحة يقول الصعيدي “إن قيام الخلافة بالصورة التي يرسمها علماء الفقه الإسلامي وبالشروط التي يشترطونها هو أمر يعد في عصرنا هذا ضربا من ضروب المحال فالجمع في فرد واحد بين المؤهلات والصفات ذات الصبغة الدينية وبين المؤهلات والصفات ذات الصبغة السياسية التي تتطلبها مهام الحكم في هذا العصر من ضروب المحال، هذا فضلا عن أن الخلافة لدى علماء المسلمين ليست مجرد رئاسة ذات صبغة دينية وسياسية لقطر من الأقطار بل هي رئاسة عامة لجميع المسلمين في كافة الأقطار”.
ويقول “وفي رأينا أن الإسلام إنما جاء في ميدان الشئون الدستورية بمبادئ دستورية عامة تصلح للتطبيق في مختلف الأزمنة والأمكنة كمبادئ الشوري والعدالة والمساواة والحرية والتعاون فهو لم يأت بنظام معين من أنظمة الحكم يطلق عليه الخلافة، إن فرض نظام معين للحكم كنظام الخلافة أو غيره في كافة العصور وكافة الأقطار إن لم يكن ضربا من المحال فهو يؤدي على الأقل إلى الحرج الذي رفعه الإسلام عن المسلمين”.
ويشدد الدكتور حازم عبد المتعال الصعيدي على أن الإسلام لم يضع لنظام الحكم شكلا معينا، ولم يكن ليضع هذا الشكل وقت ظهور الإسلام، فأحوال الجماعة الإنسانية في تغير مستمر، وما يصلح في زمان ما قد لا يصلح في زمان أخر.
ويرى الصعيدي أن كل شعب “إسلامي” له مطلق الحرية في نظام الحكم الذي يصلح له ويكفل مصالحه ويقول “مبدأ الشورى يقتضي هذا الذي نقرره؛ فلكل شعب حرية اختيار نظام الحكم في دولته سواء أكان نظاما جمهوريا أو نظاما أخر”.