فن

أغاني الصباح القديمة.. تراث خالد وفن يبعث الأمل (4-4)

“طلعت يا مـــــحلا نورها شــمس الشموســة.. يالا بنـــا نمـــــلا ونحلب لبـــن الجاموســــة، قــاعد ع الســـاقية يا خِلِّى أســــــمر وحليــوة.. عـوج الطــــــاقية وقاللى غني لى غنيــــــوة، قلتلـــو يا محــمد حبـــــك لخفنلي عــقلى.. مِيتا النـار تبرد واعرف راسى من رجــلى”.

تلك هي كلمات الأغنية الشهيرة “طلعت يا محلا نورها”، إحدى أغاني التراث الريفي المصري التي كتبها ولحنها وغناها الشيخ سيد درويش [1892-1923]، ثم تغنت بها المطربة شافية أحمد [1923-1983]، كما سمعناها بصوت الفنانة القديرة فيروز مع بعض التغيير في كلماتها، وهي من أكثر الأغنيات التي أداها عدد كبير من المطربين والمطربات حتى يومنا هذا.

والأغنية الأخرى الشهيرة والخالدة لفنان الشعب سيد درويش –بالرغم من أنه قد مضى عليها ما يقرب من مئة عام وربما أكثر– هي أغنية “الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية”، وهي من ألحانه وكلمات بديع خيري. وتتميز هذه الأغنية بأنها من أغاني التراث التي كانت تعبّر عن ضيق حال الفلاح والعامل المصري؛ ومن ثم فقد كانت تنطق بنبض الإنسان البسيط، وتُعبّر عن معاناة الكادحين آنذاك، ولكنها مع ذلك كانت تدعو إلى التمسك بالأمل، وإلى السعي والكد وعدم الاستسلام للأمر الواقع.

“الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية، والديك بيــدن كوكو كوكو فى الفجـرية، يالا بنا على باب الله يا صـنايعية، يجعل صباحك صبح الخير يا اسطى عطية. طلع الصباح فتاح يا عليم والجيـب مافهشى ولا مليــم، مين فى اليومين دول شاف تلطيـم زي الصـنايعية المظاليـم. ده الصبر أمره طال وايش بعد وقف الحال، ياللي معاك المال، برضه الفقيـر له رب كريم. ما تشد حيلك يابو صلاح اضربها صرمة تعيش مرتاح، خلى تكالك ع الفتاح. يالا بنا يالا الوقت اهو راح. الشمس طلعــت والمــــــلك لله، اجرى لرزقك خليها على الله .. قوم شيل قَدومك والعِدَّة ويالَّا”.

أما من أقدم ما كُتِب بالعامية المصرية عن الصباح فهو موشح قديم بعنوان “الصباح لاح ونوَّر” من ألحان داود حسني [1870-1937]، الذي لحَّن العديد من الأدوار والموشحات والأغنيات الشعبية، وغنى ذلك الموشح الشيخ سيد الصفتي [1867-1939] الذي كان قارئًا في الموالد ومادحًا للرسول النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ثم انقطع عن قراءة القرآن الكريم، وعن إلقاء القصائد النبوية؛ ليتفرغ لغناء الموشحات والأدوار مع تخته الموسيقي.

ومن أغنيات الصباح القديمة والنادرة أغنية “الفجر لاح والطير غنَّى” للمطرب عبده السروجي [1911-1978] من كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحمن وألحان حسين جنيد، وتقول كلماتها: “الفجر لاح والطير غنَّى.. اصحى يا نايم وقوم اتهنى.. الفجر لاح والطير غنَّى. شاهد جمال الوجود واملا العيون منه، وعيش يومك سعيد ده الورد فوق غصنه بيقول لك اتهنى واقطف من الجنة. شوف فرحة الأزهار بطلعته الحلوة واسمع لُغا الأطيار وكلها نجوى بتقول لك اتهنى واقطف من الجنة. هب النسيم العليل وقال صباح النور.. يجعل صباحك جميل.. كله هنا وسرور.. وتعيش وتتهنى وتنول ما تتمنى.. الفجر لاح والطير غنَّى”.

https://www.youtube.com/watch?v=LzXACwZVvoU

أما المطرب والملحن والممثل المصري عباس البليدي [1912-1996] فله أغنية عن الصباح بعنوان “غنِّي يا طير” تقول كلماتها: غني وغني وغني يا طير.. غني وقول يا صباح الخير.. غني وغني لحن يهني، غني يا طير وحياتك غنوة اوصف فيها الدنيا الحلوة. وهي من كلمات الشاعر حسن يوسف وألحان فهمي فرج.

وللمطربة والممثلة المصرية التي توفيت في ريعان شبابها “برلنتي حسن” [1932-1959م] أكثر من أغنية عن الصباح منها “يا فُل صبَّح عالياسمين”، وأغنية “أجمل صباح في الوجود صباحك إنت يا ورد”من كلمات محمد حلاوة وألحان حسين جنيد، وأغنية “الصبح هلِّت أنواره” كلمات محمد فتحي مهدي وألحان محمد إسماعيل، وأغنية “للصباح غني كل يوم غنوة” كلمات إبراهيم رجب علي وألحان محمد قاسم.

هذا ولم تكن تلك الطاقة الإيجابية الصباحية العامرة بالأمل، والتي تتخللها الدعوة إلى تأمل الطبيعة وإلى العمل- قاصرة على الأغاني فقط؛ بل كانت هناك أيضا الأوبريتات الإذاعية الغنائية ومنها أوبريت قديم عن الصباح بعنوان “مَوْلد الصباح” من غناء كل من: إبراهيم حموده، وهيام عبد العزيز، وسوسن فؤاد، ومن نظم حسن عبد الوهاب وألحان شفيق السيد، والتوزيع الموسيقي لكل من: إبراهيم حجاج وفؤاد الظاهري، وإخراج أنور المشري.

وبعد أن استعرضنا بعضا من أغاني الصباح بالعامية المصرية، والتي أنتجت مصر منها الكثير على مدار قرن مضى، في حقبة كانت حافلة بالأحداث السياسية وزاخرة بالإبداع على كافة المستويات، نتساءل الآن بمنتهى الأسى.. لماذا تقلص وتضاءل في الآونة الأخيرة إنتاج تلك النوعية من أغنيات الصباح حتى كادت أن تنقرض؟! فأين هي الأغنيات الجديدة التي تبعث الأمل في النفوس المتعبة، والتي تحفز على العمل والتمسك بالحُلم، والتي تدعو إلى تأمل الطبيعة والاستمتاع بجمال زهورها وبديع تغريد طيورها، والتي تنمي الشعور بالامتنان للخالق عز وجل على وافر نعمه وجميل عطاياه؟! بل أين هو إبداع مصر الفني الذي كان دومًا يميزها، وأين هي ريادتها الفنية والفكرية والثقافية التي كانت تضيء سماء العالم العربي بقوة؛ منبعثة من تمسكها بحريتها واستقلالها، ومن نضالها الجسور لإعلاء راية الحق والعدل والفضيلة؟!

نيفين عبد الجواد

كاتبة وباحثة مصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock