مختارات

مذكرات بديع خيري (نادرة الوجود) بين يديّ.. بديع يتذكر (4)

بقلم: طارق يوسف، نقلا عن صفحته على على فيس بوك

في العام عام 1959، صدر عن دار الهلال مذكرات نجيب الريحاني.. وفي مقدمته، بدأ الريحاني بهذه الكلمات..

قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الأمر كثيرًا، لا لشيء إلا لأنني خلقت صريحًا، لا أخشى اللوم في الحق، ولا أميل إلى المواربة والمداراة. فهل يا ترى أظل فيما أكتب متحليًا بهذه الخليقة؟ أم يدفعني ما درج الناس عليه من مجاملة إلى المواجهة والتهرب؟

ثم استطرد..

ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفًا واحدًا. أما وقد ارتضيت، فقد آليت على نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، وأسجل الحقائق مهما كان فيها من ألم ينالني قبل أن ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة، وربطتني بهم أقل رابطة..

ويستمر…

مضيت في مذكراتي على هذه الوتيرة، فإذا بي أشعر في دخيلة نفسي أنني أؤدي واجبًا مفروضًا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء الأفاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالإقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة في هذه الآونة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هادئ البلبال.

على أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن أحدًا لا يستطيع أن يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول أن يفعل، وقفت الحقائق حائلاً بينه وبين ما يريد.

ولعل بعض من تحدثت عنهن قد يسوءهن أن أكشف عن حقيقة رابطتهن الأولى بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة. وقد سبق لهن أن تحدثن إلى الصحف كثيرًا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرًا، ودبجن المقالات كثيرًا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل أمام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته … وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها ــ ولو من باب تقرير الواقع (وبلاش المجاملة حتى) ــ شيئًا عن كيف تقف على المسرح، وكيف تنطق أبجديته؟ أبدًا … وكأنه من العار عليها إذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني … (وبلاش) مبتدئات يا سيدي!!

وتأتي مذكرات نجيب الريحاني (نجيب إلياس ريحانة)، في 168 صفحة، فعلاوة على المقدمتين (مقدمة صاحب المذكرات، ومقدمة بديع خيري)، نجد انها مقسمة إلى 11 فصلاً، على النحو التالي:

١- نجيب الريحاني كما عرفته

٢- أوَّل الطريق

٣- ثروة أضعتها

٤- في المسرح الكوميدي

٥- كشكش بك

٦- في خدمة الوطن

٧- كشكش تقليد

٨- في أمريكا الجنوبية

٩- عودة إلى: كشكش بك

١٠ – إلى الأقطار الشقيقة

١١ – بين المسرح والسينما

في الفصل الأول، يفتتح الريحاني مذكراته بذكرى أول غرام علق به قلبه، فيقول (وهنا أنقل عن المذكرات كما جاء بها نصًا دون تدخل):

“كنا نجلس في قهوة إسكندر فرح المجاورة لمسرحه بشارع عبد العزيز (موضع سينما أولمبيا الآن) وكان بين الممثلين من زبائن هذه القهوة الممثل القديم علي أفندي يوسف الذي أصبح بعد ذلك من عتاة متعهدي الحفلات. وكان لعلي «قطقوطة» من بين الممثلات ما تزال إلى اليوم في عنفوان “الشيخوخة” تحتل أحد أركان قهوة الفن، كما كانت في الماضي تأوي إلى مثل هذا الموضع من قهوة إسكندر فرح، وتلك «القطقوطة» هي السيدة (ص. ق). كان علي يوسف يعتز بصداقة هذه الفتاة “باعتبار ما كان”، فلما كنت أذهب لأشاركهما في الحديث، كانت نظرة فابتسامة فمش عارف إيه … فشبكان!!

وظلت أواصر الصداقة تنمو بيني وبين فتاة علي يوسف هذه، بينما كانت تتراخى بينها وبين صديقها، دون أن يعلم الرجل من أمرنا شيئا!!

وأخيرًا “لعب الفار في عبه”.. وقاتل الله الفيران كلها من أجل خاطر هذا الذي لعب في عب أبي يوسف. أقول إن الشك بدأ يساوره، لكنه كان علي جانب كبير من اللؤم، فلم يبد لنا شيئا مما في نفسه، وعمل على مراقبتنا من حيث لا نشعر!!”

ويستمر في سرد المقالب التي كانت بينه وبين أبي يوسف ــ مرة ينتصر هو، ومرة ينتصر أبو يوسف ــ في أسلوب ضاحك ساخر..

ثم يعرج على حكايته مع التمثيل، فيذكر:

“لم أكن في هذا الوقت أميل للكوميدي، بل كانت كل هوايتي منصبة على الدرام وحده. وكم كنت أستظهر قصائد هيجو وأشعار المتنبي ولزوميات أبي العلاء المعري، ثم أخلو بنفسي في المنزل، وهات يا إلقاء، وخذ يا تمثيل، حتى ضجت والدتي وكاد “يهج” من البيت إخوتي. ومع ذلك فإنني لم أكن أعبأ بمثل هذه العراقيل، وما دمت أرضي هوايتي، فبعدها الطوفان. وفي سنة 1908 استقال الأستاذ عزيز عيد من عمله في البنك وألف فرقته التمثيلية الأولى، مشتركًا مع الممثل القديم سليمان الحداد. وقد احتلت هذه الفرقة مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز. وكانت رواياتها تترجم عن الفرنسية وكلها من نوع الفودفيل، وقد كنت بحكم ارتباطي برابطة الزمالة مع الأستاذ عزيز في البنك عضوًا في الفرقة، وكانت تسند لي في هذه الروايات أدوار ثانوية صغيرة. ولم يكن هذا ليضيرني لأني ــ كما قلت ــ لم أكن أميل لهذا النوع إطلاقًا (الكوميدي).

ويستمر…

اتخذت من قهوة الفن إياها ــ بعد فصلي من البنك ــ محلاً مختارًا. وبعد أيام صادفني فيها الأستاذ أمين عطا الله فعرض علي أن أسافر معه إلى الإسكندرية بدال اللطعة اللي أنا ملطوعها، لأن أخاه الأكبر المرحوم سليم عطا الله ألف فرقة هناك هي محل عطف البلدية التي تساعدها بإعانة مالية. وقبلت بالطبع هذا العرض ولاسيما أن المرتب كان مغريًا جدًا.. أربعة جنيهات مصرية في الشهر! وهو أول مرتب ذي قيمة تناولته من التمثيل.

ويسرد الريحاني ما كان في العرض الأول له مع الفرقة، ومدى النجاح الذي أحرزه، وتشجيع الجمهور له باعتباره ممثلاً “ما جابتوش ولادة”، ولكن ينتهي اليوم بهذه العبارة من صاحب الفرقة أمين عطا الله: “أنا متأسف جدًا يا نجيب أفندي لأن الفرقة استغنت عنك “…!

وهكذا ــ بلغة شديدة السخرية مغلفة بالفكاهة ــ يحكي ما كان بعد حادثة استغناء فرقة عط الله عن خدماته، بعد أول ليلة عرض ناجحة.. لقد عاش حياة شديدة القسوة واضطر الى العودة للوظيفة متخليًا عن حلمه (التمثيل)، ثم طرده من الوظيفة، ووصل الأمر إلى الطرد من منزل الأسرة.. حتى وصل به الحال إلى الجوع لمدة 48 ساعة، بدون طعام..

يستمر الفصل الأول من المذكرات، وفيه يسرد الريحاني سلسلة المآسي التي لحقت به في تلك لفترة من الزمن..

لن استطيع بالتأكيد أن استمر في عرض كل ما جاء بالفصول الإحدى عشر للمذكرات.. ولذا سأضع رابطًا لنسخة PDF في التعليق الأول، لمن يرغب في مطالعة وقراءة المذكرات كاملة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock