رؤى

تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (2 – 2): أفغانستان ساحة المعركة الجديدة

أنطونيو جيوستوزي-  كينجز كوليدج

ترجمة وعرض:أحمد بركات

يواصل أنطونيو جيوستوزي، الأستاذ الزائر بكلية كينجز كوليدج في لندن والخبير في الحركات الإسلامية، سبر أغوار طبيعة «تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان» وأهدافه واستراتيجياته وتطوره، ويكشف عن علاقته بعدد من الحكومات في النطاقين المحلي والإقليمي وتفاعلاته مع الجماعات والحركات الفاعلة الأخرى، في بيئة تشهد صراعا محموما بين العديد من الكيانات المحلية والأجنبية، وذلك عبر كتابه The Islamic State in Khorasan: Afghanistan, Pakistan and the New Central Asian Jihad (الدولة الإسلامية في خراسان: أفغانستان وباكستان والجهاد الجديد في آسيا الوسطى)، الصادر عن مطابع هيرست اللندنية (2018).

 

اقرأ أيضا:

تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (1 – 2).. كيف يتمدد داعش على حساب طالبان؟

مصادر التمويل

يعرض الفصلان السادس والسابع من هذا  الكتاب لتمدد «تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان» ومصادر تمويله، ويدعم الكاتب هذا العرض بخرائط ورسومات بيانية وتوضيحية. كما يُضَمن معلومات شديدة التدقيق عن الفصائل الجهادية المحلية التي أعلنت ولاءها للتنظيم، بما في ذلك الجماعات غير الأفغانية وغير الباكستانية، مثل الجماعات التي تنتمي إلى البلوش الإيرانيين وجماعات محلية في دول آسيا الوسطى والصين. ويوضح الكاتب أيضا أن النسبة الأكبر من التمويلات التي تلقاها  تنظيم الدولة في خراسان كانت تأتيه من شبه الجزيرة العربية وباكستان، كما يفصل كيف دخل المنافسون الإقليميون إلى المشهد المعقد إلى جانب كثير من الجهات المانحة العربية، سواء حكومية أو خاصة، كجزء من حرب بالوكالة ضد إيران. وبصورة إجمالية، بلغ حجم التمويلات الخارجية التي حصل عليها تنظيم الدولة في خراسان في عام 2016 حوالي 238 مليون دولار.

ويقدم الفصلان الثامن والتاسع (الأخيران) بعض الأفكار حول تأثير وجود هذا التنظيم على المشهد الجهادي العام في أفغانستان. فقد رأى رجل الشارع الأفغاني تنظيم الدولة أكثر قمعا على المستويين السياسي والاجتماعي من نظيره الطالباني، وبعبارة أخرى، كما كتب جيوستوزي «كان تطبيق طالبان للشريعة أكثر تسامحا بكثير مما فعله تنظيم الدولة». والأهم من ذلك أن الشعب الأفغاني بدا معارضا للتوجه السلفي الذي تبناه تنظيم الدولة، ونظر إليه باعتباره مناقضا للإسلام الحقيقي. وفي نهاية الفصل التاسع يرصد جيوستوزي محاولات تنظيم الدولة تصدير أعمال العنف والمقاومة مدعوما بالبيئة التنافسية المحمومة التي تضم العديد من القوى الإقليمية. 

مشهد معقد ولاعبون كثر

 وبينما يمثل التركيز على التفاصيل أحد أبرز ملامح هذا الكتاب، فإنه في الوقت نفسه يعد أحد أبرز عيوبه. فتعقد الأوضاع وتغيرها المستمر على مدى عامين فقط، إضافة إلى تعدد القوى الفاعلة في المنطقة – الذي يؤدي إلى استخدام عدد لا حصر له من الاسماء المختصرة والتسميات بالحروف الأولى – يجعل من الصعب على القارئ فهم ديناميكيات السياق الأكبر. كما تبقى الدوافع الكامنة خلف الوجود الأمريكي المستمر في الأراضي الأفغانية، والحرب التي تشنها حكومتا أفغانستان وباكستان على تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، واضطلاع دول شرق أوسطية بتمويل التنظيم بسخاء، والعوامل الهيكلية التي مكنت لتمدد التنظيم، وغيرها من القضايا المركزية المرتبطة بالقضية الرئيسية غير مستوفاة. 

 ومن الواضح أيضا أن جيوستوزي قلما يعمد إلى ذكر قوات الأمن الوطنية الأفغانية أو الحكومة الأفغانية، فالخصوم الحقيقيون لتنظيم الدولة في خراسان ليسوا في واقع الأمر قوات عسكرية نظامية تابعة للدولة، وإنما «مجموعات مسلحة أخرى تتبع – في الغالب – حركة طالبان». وبهذه الطريقة – رغم أن الكتاب لا يناقش ذلك بوضوح – يكشف الكتاب عن غياب كامل للدولة في أفغانستان، ويؤكد أن الحرب المستمرة التي لا يُنتظر أن تضع أوزارها  في هذه البلاد، هي من يمًكن تنظيم الدولة من تجذير أقدامه في التربة الأفغانية. وبعد أن يوضح الكاتب كيف يقوم تنظيم الدولة في خراسان بتجنيد آلاف العناصر، وفرض سلطته، وحتى جمع الضرائب «بأريحية كاملة»، يصبح من الواضح أن غياب الدولة هو السبب الرئيس في نجاح التنظيم.

تمدد في غياب الدولة الأفغانية

وبرغم النهاية المتشائمة، يذكر الكاتب أن السلام يعتمد بالأساس على قدرة الدولة على فرض النظام وتوفير الخدمات. لقد ولد «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» من رحم فراغ السلطة وغياب الدولة في العراق بسبب غزو أراضيه واحتلالها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما في عام 2003، وهو ما تمخض عنه أيضا فوضى الحرب الأهلية التي طال أمدها في سوريا. و يشير هذا بجلاء إلى أن حضور تنظيم الدولة الإسلامية في آسيا الوسطى، يرجع بالأساس إلى ملمح إقليمي بارز، إضافة إلى استفادته القصوى من الفوضى التي تعاني منها أفغانستان وغرب باكستان. وبالقياس نفسه، فإن احتمالات تمدد التنظيم في بعض الدول المجاورة، بما فيها طاجيكستان، تصبح غير مرجحة. لكن جيوستوزي سرعان ما يشير إلى أن تنظيم الدولة في خراسان قد أعلن مرارا أنه يمتلك عناصر موالية داخل مؤسسات الحكومة الطاجيكية، سواء بسبب سهولة دفع رشاوي للمسئولين في هذه المؤسسات، أو بسبب تعاطفهم مع قضيته. ويعتبر انضمام جول مراد حليموف، الضابط رفيع المستوى السابق في الأمن الطاجيكي، إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بطريقة صادمة في عام 2015 مثالا صارخا على ذلك. وإضافة إلى هذا، ففي يوليو 2018، قام متعاطفون مع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان بمهاجمة فوج سياحي أثناء قيامه بجولة بالدراجات في جنوب طاجيكستان، مما أودى بحياة أربعة منهم وجرح ثلاثة. وقد أعلن تنظيم الدولة في العراق والشام مسئوليته عن الهجوم، وهو ما قد يشير إلى محاولته تأكيد وجوده في منطقة آسيا الوسطى. لكن العناصر المنتمية لدول آسيا الوسطى كانت برغم ذلك – كما يؤكد الكاتب – أكثر نشاطا في سوريا والعراق منها في بلدانهم.

ربما تكون هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الشام، وخسارته تقريبا جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها، وانتقال الآلاف من عناصره من الشرق الأوسط إلى خراسان تغيرا مهما في قواعد اللعبة. وفي هذا السياق يعتقد بعض المراقبين أن التفكك الجغرافي لدولة الخلافة لا يعني بحال نهاية هذه الدولة، وإنما قد يلجأ التنظيم العسكري فقط إلى إعادة تركيز جهوده في ساحة قتالية أخرى. ويوضح كتاب جيوستوزي أن أفغانستان هي بامتياز ساحة المعركة الجديدة.

ربما تؤدي المفاوضات التي تضم كلا من الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان إلى التوصل إلى اتفاق سلام، وهو ما يمكن أن يقوض تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان. لكن، في الوقت نفسه، من المرجح أن يمنح اتفاق السلام التنظيم مزيدا من الذخيرة الخطابية الشعبوية التي تقوم على اتهام طالبان بالتعاون مع الأعداء. في هذا السياق كتب جيوستوزي «كان أمل تنظيم الدولة في خراسان دائما هو أن تقوم قيادة التنظيمات الجهادية المنافسة بتوقيع اتفاق سلام مع كابول».

وفي ضوء عدم إمكانية تحقيق أي شكل من أشكال الاستقرار أو الرخاء في أفغانستان على المدى القريب أو حتى المتوسط، يستطيع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، بدعم من ممولين أجانب راديكاليين، مواصلة الاستفادة من حالة الإحباط المحلية، وضمان استمرار حالة الحرب في البلاد إلى ما لا نهاية.  

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock