مختارات

مذكرات بديع خيري (نادرة الوجود) بين يديّ.. بديع يتذكر “سيد درويش” (5)

بقلم: طارق يوسف، نقلا عن صفحته على فيس بوك

لحَّنَ سيد درويش الكثير من الألحان التي تتغنى بحب الوطن، فقد كان مخلصا لوطنه وشعبه وبلاده، شأنه في ذلك شأن بديع خيري، فقد كانا متقاربين ليس فقط بحكم العمل الفني الذي جمع بينهما، وإنما كان لانشغالهما بالشأن العام، الذي كان له أكبر الأثر في ارتباطهما وتقاربهما، الذي وصل حد انتقال سيد درويش للعيش بالشقة المواجهة لشقة بديع خيري..

يستعرض بديع. في مذكراته الملابسات والظروف التي أدت إلى لقائه بسيد درويش، فيقول: “كان المتبع في الألحان التي تتخلل الاستعراضات المسرحية أن تقاس على القالب الموسيقى للحن شعبي شائع.. فكنت مثلا اكتب لفرقة نجيب الريحاني كلاما على مقاس، (أو على قد) اللحن الشعبي الذي كان شائعا في ذلك الوقت (يا عزيز عيني.. أنا بدى أروّح بلدي).. وكنا نستعين بملحن اسمه كميل شمبير يصلح في القدود نوعا ما، ويضيف عليها شيئا من الزخارف.. وكنا مع ذلك نحس أنا والريحاني بنقص جوهري يتمثل في اللحن الأصيل الذي تصنعه وقائع المسرحية، ويكون متماشيا مع لونها وصياغتها وحبكتها.. وكانت جميع الفرق المسرحية الأخرى تتبع نفس النظام”.

وبينما هما (بديع والريحاني) في هذه الورطة، التي لا يعرفان كيف الخلاص منها، زارهما بالمسرح صديقهما أحمد شفيق المصري، الذي قال في معرض حديثه معهما: “أنا امبارح شفت في مسرح جورج أبيض رواية فيروز شاه، وكأني شربت 100 كاس ويسكي، روحوا شوفوها واعملوا حاجة زيها”..

ففي هذه الأثناء كان سيد درويش قد جاء من الإسكندرية إلى القاهرة، بدعوة من جورج ابيض، وألحقه بمسرحه، وكانت مسرحية “فيروز شاه” باكورة أعمال سيد درويش لفرقة جورج أبيض، ورغم أن هذه المسرحية لم تحقق النجاح المنشود لسيد درويش، إلا أنها كانت فاتحة خير لكل من سيد درويش وللمسرح الغنائي، وكانت أهم ثمارها لقاء سيد درويش ببديع خيري، ذلك اللقاء الذي كانت المسرحية السبب المباشر لحدوثه.

يقول بديع خيري: “ذهبت في الليلة التالية، فإذا بها عمل غنائي مسرحي رائع، ولم أتمالك نفسي قبل أن أنصرف من اقتحام باب الممثلين، وأوقفني البواب، فقلت له الشيخ سيد درويش فين؟.. أنا عاوز أقابل سيد درويش.. رد البواب: “أهو.. اللي واقف هناك ده”.

وسوف نذكر ما جاء على لسان بديع من حوار بينه وبين سيد درويش نصًا كما ورد بالمذكرات:

– أنت سيد درويش؟

أنا بشحمه ولحمه.. أيتها خدمة؟

احنا ما نعرفش بعض.. بس أنا جاي أتعرّف بيك

أهلاً وسهلاً

أنا اسمي بديع خيرى

أنت؟!!

أنت تعرفني!

إلا أعرفك.. تعالى.. بالحضن.. بالحضن يا راجل.. ده أنا أعرفك، وأعرفك كويس كمان

تعرفني منين؟! إحنا سبق اتقابلنا قبل كده؟

أيوه اتقابلنا.. أعرفك من كتاباتك

أنهي فيهم؟

الحاجات الحلوة اللي بتنشرها في مجلة “السيف والمسامير”

يا سيدي العفو.. ده بس من كرم أخلاقك

إحنا يا بديع متصلين بالروح والقلب.. عارف الكلام اللي أنت قلته عن وحدة مصر والسودان..

قصدك زجل “دنجي دنجي”؟

أنا لما قريته في المجلة لقيت ما فيش أحسن من كده كلام.. ماكدبتش خبر، ورحت ملحنه على طول، وبأغنيه في القهوة في إسكندرية

كده؟.. والله ده شيء يسعدني يا شيخ سيد

اسمع انا لازم أسمعك اللحن ده الليلة.. ماتعرفش حد عنده بيانو وبيضرب عليه كويس؟

فيه.. الست إحسان كامل الممثلة عندنا في فرقة نجيب الريحاني، عندها بيانو في بيتها في الزتون.

عال.. استنى لما أخلّص الرواية، وأقلع هدوم التمثيل، وطيران سوا على بيت الست إحسان”.

ومنذ ذلك اليوم لم يفترقا.. فأصبح اسم بديع خيري مرتبطًا باسم سيد درويش طوال الفترة القصيرة التي عاشها فنان الشعب بعد ذلك.. ولم تكن العلاقة بينهما مجرد علاقة فنية فحسب، بل تحولت سريعا إلى علاقة إنسانية عميقة الأواصر..

ففي مذكراته يقول بديع: “وأصبحتُ لا أفترق عن سيد درويش، وتوطدت بيننا الألفة والصداقة، بل والأخوة، فبعد لقائي الأول به؛ نقل سكنه إلى جانبي، فاستأجر وسكن الشقة المجاورة لشقتي في جزيرة بدران بشبرا.. وتوطدت صلة والدته بوالدتي، وأصبح بيتانا بيتا واحدا.. وكان “يُطُب” عليَّ في أي ساعة، وربما في الفجر، ويوقظني من النوم ويقول لي، قوم نشتغل.. قوم يا بديع كفاياك نوم”.

لقد كان نتاج هذا الارتباط الفني والإنساني بين سيد درويش وبديع خيري العديد من أجمل ما أبدع فنان الشعب من إنتاجٍ خالدٍ، وعلى وجه الخصوص للمسرح الغنائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock