بعد قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، رفع الفائدة 200 نقطة أساس، الخميس قبل الماضي، أصدر بنكا الأهلي ومصر شهادة ادخار جديدة بعائد سنوي متناقص يبدأ من 22% في العام الأول، ثم 18% في السنة الثانية، و16% في السنة الثالثة. كما قرر البنكان إصدار شهادة جديدة ثابتة لمدة ثلاث سنوات بعائد 19% في محاولة حكومية جديدة لمواجهة التضخم الذي تجاوزت نسبته 31% بينما بلغ على أساس شهري 6.5%، وهو الأعلى منذ مارس 2007، وفق بيانات رسمية.
وفي سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، تراجعت عقود العملة لأجل 12 شهرا، هذا الأسبوع لتتجاوز 41 جنيها للدولار، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق، علما أن قيمة الجنيه انخفضت بنحو 50% منذ مارس من العام الماضي، ليتداول عند حدود 30.8 جنيه للدولار حتى يوم الثلاثاء.
وكان البنكان (الأهلي ومصر) قد جمعا أكثر من 1.2 تريليون جنيه من آخر إصدارين للشهادات، بنحو 750 مليار جنيه من إصدار شهادة لمدة سنة بعائد 18% في مارس 2022، ونحو 470 مليار جنيه من طرح شهادة لمدة سنة أيضا بعائد 25% في يناير الماضي.
وقد سعت الحكومة كذلك بهذا الإجراء إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لأدوات الدين الحكومي، بعد خروج حوالي 22 مليار دولار من السوق المصرية عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. عرضت مصر الاثنين الماضي سندات محلية بقيمة 3 مليارات جنيه للبيع بالمزاد؛ إلا أن عائدات البيع جاءت مخيبة للآمال إذ بلغت ما قيمته 1.09 مليون جنيه (35275 دولارا) بنسبة بلغت 0.04% فقط، بعد أن قبلت الحكومة عرضا واحدا فقط عند 21.7%، بعدما طالب المستثمرون -المتخوفون من أن يكون هناك خفض جديد لقيمة الجنيه المصري- بعائدات تصل إلى 28%.
وفي زيارة خاطفة إلى مدينة جدة السعودية، وصل الرئيس المصري يوم الأحد قبل الماضي، في دعوة على السحور من ولي العهد السعودي، جاءت الزيارة بعد فترة وجيزة من التوتر شاب العلاقات بين البلدين على خلفية التلاسن بين إعلاميين مقربين من دوائر السلطة في الدولتين.. وربما تدفع تلك الزيارة المياه “المتكدرة” إلى سابق مجاريها، ما سيكون له انعكاس إيجابي مباشر على الأزمة الاقتصادية المصرية، باعتبار المملكة أحد اقوى الداعمين الإقليمين لنظام الرئيس المصري سياسيا واقتصاديا، وإن كان البعض يرجّح أن المملكة لن تغير كثيرا من موقفها السابق، إلا في حال اعتماد خفض جديد للعملة المصرية، وتعيين مسئولين جدد لإدارة الاقتصاد، وتقليص دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، بحسب ما جاء بصحيفة وول ستريت جورنال. التي أضافت أن المسئولين المصريين ينتظرون من الصندوق السيادي توفير ما مقداره 2.7 مليار دولار، بحلول يونيو المقبل لتغطية الاحتياجات التمويلية الفورية للبلاد، وذلك من خلال حملة خصخصة تتضمن بيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة.
وفيما يتعلق بمنح القطاع الخاص دور أكبر، وهو ما اتفق عليه مستثمرو الخليج وصندوق النقد رصد “الشرق بلومبيرج” تراجعا واضحا لنشاط القطاع الخاص في مصر خلال شهر مارس الماضي متأثرا بضغوط التضخم والتحديات التي يواجهها القطاع غير النفطي لتوفير مستلزمات الإنتاج الواردة من الخارج في ظل تناقص الدولار.
فقد استمر القطاع الخاص غير النفطي في تسجيل تقلصات حادة في النشاط والطلبات الجديدة مع استمرار ضعف معدلات الطلب، وأدى تقلب سعر الصرف إلى تفاقم الزيادات الحادة في التكاليف وأسعار الإنتاج، في حين ظلت توقعات الإنتاج المستقبلي من بين أضعف التوقعات.
وأشارت إحدى الدراسات إلى انخفاض مستويات الإنتاج بمعدل ملحوظ، في ظل الصعوبات المستمرة في الحصول على مستلزمات الإنتاج الرئيسية، بسبب قيود الاستيراد والقيود المفروضة على العملة.
ومع ذلك.. انخفض معدل انكماش الإنتاج بشكل طفيف وسجل أضعف مستوى منذ خمسة أشهر.
انعكست هذ الصورة السلبية للقطاع الخاص على الرؤية المستقبلية، حيث أبدت الشركات القليل من التفاؤل بشأن المستقبل.
وعلى الرغم من ارتفاع توقعات النشاط للعام المقبل إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر، إلا أنها ظلت ضمن أضعف المعدلات منذ بدء تغطية البيانات في أوائل عام 2012. وفي هذا السياق، خفضت الشركات أعداد موظفيها للشهر الرابع على التوالي، وغالبا ما تركت الوظائف شاغرة بسبب نقص الأعمال الجديدة بحسب الدراسة ذاتها الصادرة عن “إس آند بي غلوبال”. وفق موقع الشرق الذي أضاف أن القطاع الخاص في مصر يواجه تكلفة تمويل مرتفعة، تحد من قدرته على التوسع، مع استمرار معدلات التضخم في الارتفاع على نحو غير مسبوق.
وفي سبيلها لتكثيف جهودها لزيادة الاستثمارات الموجهة إلى قطاع التعدين، طرحت الحكومة المصرية أول مزايدة عالمية لها للتنقيب عن الذهب خلال 2023 في خمس مناطق بالصحراء الشرقية، هي: “فطيري” و”البرامية” و”عقود” و”أم عود” و”حماطة”.. من خلال شركة “شلاتين للثروة المعدنية”.. وتستهدف تلك الجهود استثمار مليار دولار في قطاع التعدين بحلول عام 2030، وكانت مصر قد أرست مزايدة في يونيو الماضي على أربع شركات أجنبية ومحلية، للبحث عن الذهب واستكشافه في ثماني مناطق بالصحراء الشرقية.
وما زالت كافة المحاولات والجهود المبذولة غير كافية لإنقاذ الاقتصاد المصري من أزمته المستحكمة، فمع الانخفاض المتتالي لقيمة الجنية، والارتفاع الرهيب غير المسبوق في معدلات التضخم، ونقص السيولة في العملات الأجنبية، صار من الواضح أن الانفراجة المنتظرة ربما تتأخر إلى مطلع العام المقبل، في ظل أجواء اقتصادية لا تحمل كثيرا من الطمأنينة لقطاعات واسعة من الشعب المصري.