بموجب مرسوم رئاسي، نُشر في العدد الأخير من “الجريدة الرسمية” الصادر بتاريخ 6 أبريل 2023، أنهى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مهام خمسة مبعوثين خاصين، في وزارة الشئون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج. وكان هؤلاء المبعوثون الخاصون، قد عينوا من جانب الرئيس في سبتمبر 2021، إلا أن الأمانة العامة لوزارة الخارجية أبلغتهم، بعد حوالي عشرين شهرا فقط من تعيينهم، بإنهاء مهامهم، عبر رسائل إلكترونية، دون استقبالهم من قبل الأمين العام للخارجية عمار بلاني، أو الوزير أحمد عطاف.
واللافت، أن هذا الإجراء يأتي بعد أيام قليلة من تعديل حكومي، في منتصف مارس الماضي، شمل إحدى عشرة حقيبة وزارية؛ كان أبرزها حقيبة وزارة الخارجية، حيث استبعد رمطان لعمامرة؛ بما يُشير حسب بعض المراقبين، بأن إنهاء مهام المبعوثين الخاصين، يبدو كأنه “تصفية” لتركة لعمامرة وزير الخارجية السابق، الذي كان وراء اقتراح استحداث هذه المناصب، لمساعدة الرئيس في مهامه الخارجية، وكان أيضا وراء اختيار الأسماء التي عيّنها بمرسوم رئاسي.
مبعوث خاص
كانت الرئاسة الجزائرية قد ذكرت في سبتمبر 2021، أن قرار استحداث مناصب مبعوثين خاصين للجزائر، يهدف إلى شحذ الجهاز الدبلوماسي الجزائري، وتعزيز قدرته على التفاعل والتأثير، وكذا مضاعفة حضور الجزائر، على الساحتين الإقليمية والدولية. وأكدت أن المبعوثين سيكلفون بقيادة العمل الدولي للجزائر حول سبعة محاور، تتعلق بجهود أساسية تعكس مصالح الجزائر وأولوياتها، وذلك تحت السلطة المباشرة لوزير الشئون الخارجية حينذاك، رمطان لعمامرة.
وكان هذا القرار بتعيين المبعوثين الخاصين “السبعة”، قد جاء في سياق المصادقة على مخطط عمل الحكومة، خلال انعقاد مجلس الوزراء، في 30 أغسطس الماضي؛ وكان المقصود أن يُغطي هؤلاء أغلب المناطق الحيوية للجزائر، مثل قضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي، وقضايا الأمن الدولي، والقضايا الأفريقية خصوصا المسائل الجيواستراتيجية في منطقة الساحل والصحراء، فضلًا عن رئاسة لجنة متابعة اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر. هذا، بالإضافة إلى المحاور الأخرى، المتعلقة بالدبلوماسية الاقتصادية، وملف الجالية الوطنية المقيمة بالخارج، وملف الدول العربية، وملف الشراكات الدولية الكبرى.
إلا أن الرئيس عبد المجيد تبون، أقال خمسة مسئولين من المبعوثين الخاصين السبعة، الذين عيّنوا من قبل؛ في خطوة أثارت كثيرًا من الجدل، خاصة أنها جاءت بعد أسابيع ثلاثة فقط من الإطاحة بوزير الخارجية السابق، رمطان لعمامرة.
أسباب متعددة
ولعل أهم الأسباب وراء هذا الإجراء تتلخص فيما يلي:
أولًا، توتر العلاقة بين لعمامرة والرئيس تبون؛ إذ بعد أن قضى بها عامًا وثمانية أشهر، أبعد لعمامرة عن وزارة الخارجية الجزائرية؛ في التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس تبون، في 16 مارس الماضي.. ويعود هذا التوتر إلى إعلان الأخير نيته في الترشح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، المُقرر تنظيمها في العام القادم 2024.
وقد بدا هذا التوتر في العلاقة بين الرئيس ووزير خارجيته بوضوح، عبر تغييب الأخير عن واجهة الأحداث الدبلوماسية؛ حيث غاب لعمامرة عن الدورة العادية رقم 159، لمجلس جامعة الدول العربية، على مستوى وزراء الخارجية، الذي احتضنته القاهرة، في 8 مارس الماضي؛ كما غاب أيضا عن استقبال مسئول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، خلال زيارته للجزائر، 12 مارس الماضي.
وبالتالي، فقد جاءت إقالة المبعوثين الخاصين كأنها “تصفية” لتركة رمطان لعمامرة، خاصة أنه كان وراء استحداث هذه المناصب، وكان أيضًا وراء اختيار الأسماء التي عُيّنت من قبل الرئيس، هذا فضلًا عن التقارير التي تؤكد أن لعمامرة معروف بقربه من أجهزة الاستخبارات، في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما يُثير مخاوف بعض جنرالات الجيش المؤيدين لتبون.
ثانيًا، تراجع الدبلوماسية الجزائرية في ملف الصحراء؛ حيث يسعى الرئيس الجزائري لتنشيط الدبلوماسية الجزائرية في أكثر من منطقة، خاصة في أفريقيا، بعد أن فقدت في السنوات الأخيرة تأثيرها؛ بينما حققت الدبلوماسية المغربية اختراقات مهمة في العديد من الملفات المستعصية، وساهمت بشكل كبير في تعزيز الوجود المغربي في العمق الأفريقي، بصفة الشريك المؤثر في قضايا مثل الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب، إلى جانب شراكات اقتصادية واسعة.
كما نجحت الدبلوماسية المغربية، وهذا هو الأهم بالنسبة إلى الجزائريين، في تعزيز عزلة جبهة البوليساريو وتفكيك أحزمة دعم أفريقية؛ وهو ما تجلى من خلال توالي الاعترافات بمغربية الصحراء، وافتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وفي المقابل، تكابد الدبلوماسية الجزائرية من أجل إيجاد موطئ قدم قوي لها في أفريقيا، فيما يبدو حضورها وتأثيرها محدودًا، وهو ما يُضعف جهودها في دعم البوليساريو وانتزاع مواقف مؤيدة للموقف الجزائري؛ ويأتي هذا ليُمثل سببًا مُضافا لأسباب انزعاج تبون من لعمامرة، ورجاله.
ثالثًا، إعادة تنشيط الجهاز الدبلوماسي الجزائري؛ وهو ما تبدّى بوضوح في حركة التغيير الواسعة، التي أجراها الرئيس الجزائري، الخميس 23 فبراير الماضي، قبل التعديل الحكومي الأخير بأيام قليلة، في السلك الدبلوماسي والقنصلي؛ مُصادقًا على اللائحة التي اقترحها الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، المُقرب من دوائر القرار الفعلية، في الوقت الذي أبعد فيه جُلَّ الدبلوماسيين المُقربين من رمطان لعمامرة.
وبحسب بيان صدر عن وزارة الشئون الخارجية الجزائرية في 23 فبراير الماضي، فإن حركة التغيير هذه تأتي “في إطار إعادة الانتشار الدبلوماسي، وطالت 24 سفيرا و15 قنصلًا عاما و9 قناصل”، وذلك بهدف “جعل الجهاز الدبلوماسي للبلاد يتماشى مع انشغالات الجالية الوطنية بالخارج، وكذا مصالح الجزائر على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية”.
رابعًا، أزمة القنصل العام للجزائر في مونتريال؛ فقد شكلت هذه الأزمة تهديدًا لصورة الدبلوماسية الجزائرية في الخارج؛ وذلك بعد توجيه اتهامات خطيرة من قبل خادمتين، ضد القنصل العام وزوجته، بـ”إساءة استخدام السلطة، والشتائم، والتمييز على أساس الجنس”. ورغم أن فصول القضية كانت قد اندلعت قبل عامين، إلا أنها عادت إلى الواجهة وظهرت على السطح، في فبراير الماضي، عبر صفحات جريدة “دي مونتريال” المحلية الكندية، التي تناولتها في عددها الصادر في 28 من فبراير.
وإزاء هذه الأزمة، أو “الفضيحة” كما أطلقت عليها وسائل إعلامية جزائرية، التي أساءت لخارجية الجزائر؛ إضافة إلى فشله في العديد من الملفات السياسية في القضايا الإقليمية والقارية؛ أطيح بوزير الخارجية، كما أقيل المبعوثين الخاصين المنتمين إليه، والذين اختارهم ليعيّنهم تبون.
تصفية نفوذ
في هذا السياق، يُمكن القول بأن إقالة خمسة من المبعوثين الخاصين السبعة، في خارجية الجزائر، إنما يأتي ضمن إطار مصطلح “التغيير السياسي”، خاصة أنه حدث بعد أيام قليلة من الإطاحة برمطان لعمامرة؛ وهو التغيير الذي يُمثل “تصفية نفوذ” لأحد رجالات الدولة العميقة في الجزائر. ولعل الدليل على ذلك، أن تعيين وزير الخارجية القديم، أحمد عطاف، لا يُعبر عن قفزة نوعية لصالح الدبلوماسية الجزائرية؛ إذ إنه لم يُحدث من قبل أي تحول نوعي في خريطة السياسة الخارجية، سواء أيام كان وزيرا للخارجية الجزائرية، بين عامي 1996-1999، أي قبل وصول الرئيس الراحل بوتفليقة إلى الحكم، أو أيام كان سفيرا للجزائر لدى بريطانيا.
المصدر: الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 26، 25 رمضان 1444 هـ، 16 أبريل 2023.