رؤى

مبادرة “الحوار الوطني”.. وإشكالية الانتخابات في ليبيا

في محاولة لإيجاد توافق وطني حول القوانين الانتخابية، يسعى المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، لطرح مُبادرة جديدة؛ تتعلق بدعوة الأطراف السياسية الرئيسية إلى طاولة حوار جديد، لحل الخلافات قبل إجراء الانتخابات؛ خاصة تلك الأطراف المُعترف بها دوليًا، والتي تتمثل في المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، وقيادة الجيش الوطني، وحكومة الوحدة الوطنية، ومجلس الدولة الاستشاري.

إلا أن محاولة باتيلي، قد اصطدمت بعدد من العقبات، التي ربما تؤدي إلى إجهاضها قبل بدايتها؛ من بينها تباين مواقف الفرقاء الليبيين بين رفض وقبول، وحتى التشكيك في المبادرة والدعوة إلى الحوار؛ إضافة إلى تحفظ مجلس النواب على الدعوة، لكونها استبعدت حكومة “الاستقرار”، برئاسة أسامة حماد، المُكلفة من قِبل البرلمان.

تتعدد الإشكاليات التي يمكن أن تؤدي إلى تعثر مبادرة باتيلي، ودعوته للحوار في ليبيا.. تلك التي تأتي أهمها كما يلي:

رفض مجلس النواب المشاركة في الحوار؛ إذ أعلن البرلمان الليبي رفضه لدعوة باتيلي، ورفضه القاطع للمشاركة في طاولة الحوار. ولم يتوقف الأمر عند حدود الرفض، ولكن المجلس -في بيان له- اتهم البعثة الأممية بـ”عدم الحياد والانحياز لأطراف معينة، وعمله على ترسيخ الانقسام والتشظي بين الليبيين”.

وانتقد مجلس النواب، في بيانه، موقف باتيلي من حكومة الاستقرار، المُكلفة من جانب المجلس، و”عدم دعوتها لهذا الحوار، رغم حصولها على الثقة، مقابل دعوة حكومة الوحدة الوطنية، رغم انتهاء مدتها القانونية”؛ بما يعني أن موقف مجلس النواب المُعلن برفض الدعوة إلى الحوار غير قابل للتغير، إلا إذا قام المبعوث الأممي بتوجيه الدعوة إلى حكومة أسامة حماد المُكلفة من جانب المجلس.

من جهة أخرى، هناك الخلافات بين مجلسي النواب والدولة؛ فقد جاءت دعوة باتيلي استنادًا إلى الاختلاف حول مُخرجات لجنة “6+6″، التي كانت قد شُكِلت من المجلسين، لأجل إعداد القوانين التي ستُجرى على أساسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولاسيما بعد اعتماد مجلس النواب، مطلع أكتوبر الماضي، نسخة معدلة من القوانين الانتخابية.

ورغم أن القوانين الانتخابية قد صدرت، عن مجلس النواب الليبي، وفق ما نص عليه التعديل الدستوري رقم “13”، المتوافق عليه مع المجلس الأعلى للدولة، وعن طريق لجنة “6+6” المشتركة بين المجلسين، ومن ثم لا يحق لأي كان رفضها؛ رغم ذلك، يأتي الخلاف عبر إصرار مجلس النواب على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تتولى إدارة الانتخابات؛ في حين يتمسك مجلس الدولة بالنسخة غير المعدلة من القوانين، التي أنجزت من جانب اللجنة، مطلع يونيو الماضي، بعد اجتماعات مدينة بوزنيقة المغربية؛ فضلا عن رفضه لبعض القوانين التي تبناها مجلس الدولة، خاصة تلك المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة.

من جهة أخيرة، يبدو تباين المواقف من دعوة باتيلي للحوار؛ حيث قوبلت الدعوة لما أُطلق عليه “الخمسة الكبار” للحوار، بمواقف متحفظة عليها، وأُخرى تتضمن القبول الضمني، في حين رفضها البعض من الأطراف السياسية على الساحة الليبية، خاصة من يمثلون الجنوب الليبي.

فقد استبق أعضاء مجلسي النواب والدولة عن المنطقة الجنوبية، دعوة المبعوث الأممي بإصدار بيان مشترك يتضمن رفض الدعوة، من منظور أن باتيلي قد حصر الحل السياسي في ليبيا، في هؤلاء الخمسة الذين لا يوجد من بينهم من يُمثل الجنوب الليبي.

أيضا أعربت الحكومة المُكلفة من مجلس النواب، حكومة الاستقرار، عن استنكارها “إقحام حكومة منتهية الولاية”، في إشارة إلى حكومة الوحدة الوطنية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة؛ مُعلنة الرفض القاطع لإشراك كل من حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي في الحوار.

ثم هناك إضافة إلى ماسبق، ما يتعلق بانتقادات الداخل الليبي للمبعوث الأممي؛ إذ يواجه عبد الله باتيلي انتقادات متعددة في الداخل الليبي، تعود إلى بعض من تحركاته وتصريحاته الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بالقوانين الانتخابية؛ حيث إنه، في الإحاطة الأخيرة له أمام مجلس الأمن الدولي، كان قد أعلن عن تحفظه على قوانين الانتخابات التي صادق عليها البرلمان، ووضعتها لجنة “6+6”.

هذا، إضافة إلى الاتهامات الخاصة بتجاوز باتيلي لصلاحياته، والتدخل في الشأن الليبي، من جانب البعض من البرلمانيين والسياسيين الليبيين؛ وذلك بناءً على عدم أحقيته التدخل في القوانين الانتخابية، سواء بالموافقة أو الرفض. وأيضًا، ما يحاول البعض اتهام باتيلي به، وفي مقدمتهم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الذي اتهم باتيلي، في تصريحات لقنوات إعلامية محلية، بمحاولة “التدخل في التشريعات، وهو ما يعني أن النظام القانوني في ليبيا سيكون خاضعا لتأثيرات خارجية”.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن ما يحاول المبعوث الأممي طرحه، ليس مبادرة جديدة بقدر ما هي إعادة لما سبق أن أعلنه من ضرورة “إنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى، لإعداد الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات”؛ تلك المؤجلة منذ عام 2021. واللافت، أن باتيلي، بعد عام من مهمته الأممية، يحاول من جديد طرق أبواب ساسة البلاد المتصارعين في ما بينهم حول السلطة.

رغم ذلك، فالملاحظ هو تباين مواقف هؤلاء الساسة، التي تعود إلى “أزمة ثقة” حول كيفية إجراء الانتخابات؛ وهي الأزمة التي تدفع إلى إمكانية أن يُدخِلْ باتيلي تغيرات في الاستراتيجية المستقبلية للتعامل مع الأزمة الليبية؛ إلا أن هذه التغيرات سوف تكون محكومة، في قادم الأيام، بالمتغيرات الدولية، بما يعني أن الانتخابات الليبية لن تتم إلا عبر الاتفاق بين الدول المتدخلة في ليبيا.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock