نقلًا عن الميادين
لا يمكن أن نصادف فلسطينياً إلا ويقول “راجعين على ديارنا والبلاد”، رغم مرور 75 عاماً من النكبة، فالجميع يترقّب وينتظر موعد اللقاء القريب، والعودة الحقيقة وتحرير البلاد من الاحتلال الإسرائيلي المغتصب.
عبر التاريخ، شكّلت النكبة أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرون، حيث شرّد أكثر من 957 ألف فلسطيني قسراً من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل الاحتلال الإسرائيلي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948، وتمّ إحلال اليهود مكانهم.
إلا أنّ المعادلة اليوم تغيّرت بفضل قدرات المقاومة، وغرق كيان الاحتلال في مستنقع المشاكل بدءاً من التخبّطات السياسية، وصولاً إلى الأزمات التي يعانيها “جيش” الاحتلال، إضافة إلى تفكّك عميق في المجتمع قد يؤدي إلى “حرب داخلية” محتملة، كما يحذر الإعلام الإسرائيلي، وصولاً مؤخراً إلى عجزه عن فرض معادلاته في أبرز المعارك التي خاضها مع المقاومة الفلسطينية، في معركتي “سيف القدس” 2021 و”ثأر الأحرار” 2023.
الخوف الإسرائيلي من الانقسامات الداخلية بدا واضحاً في التقييم السنوي لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية، بحيث تبدّلت التحذيرات الإسرائيلية عن السابق، وتحوّلت لتكون تحذيرات إسرائيلية-إسرائيلية. ولعل أبرز تصريح كان على لسان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي قال إنّ “إسرائيل تشهد انشقاقاً خطيراً يهدّد بتقويضها من الداخل”.
وقبل ذلك، أبدى رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، مخاوفه من قرب زوال “إسرائيل” قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهداً في ذلك بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 عاماً إلّا في فترتين استثنائيتين”.
أمّا اليوم وفي ذكرى “النكبة”، فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية تحذيرات من تنفيذ عمليات بطولية وعمليات إطلاق نار في الضفة الغربية، ووفق أور هيلر وهو مراسل شؤون عسكرية في القناة 13، فإنّ قائد “المنطقة الوسطى” يدرس إنشاء فرقة إضافية في الضفة الغربية، علماً أنّ “60% من “الجيش” وجميع كتائبه وفرقه العسكرية ودبّاباته موجودة في الضفة الغربية.
تعاظم قدرات المقاومة الفلسطينية.. “ثأر الأحرار” نموذجاً
قبل أيام من ذكرى النكبة، انتهت معركة قتالية مع الاحتلال سمّتها المقاومة “ثأر الأحرار”، خرجت فيها وسلاحها في يديها، ومقاتلوها في الميدان، جاهزون لمقارعة أيّ عدوان، وفق الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة.
في هذه المعركة بالتحديد، كشفت مصادر خاصة للميادين، أنّ “الصواريخ التي استهدفت تل أبيب وضواحيها هي ذات تقنيات جديدة مكّنتها من تجاوز القبة الحديدية”، مؤكّدةً أنّ “المعركة لم تنتهِ بعد”.
كما ذكر موقع “القناة الـ12” الإسرائيلية أنّ حركة الجهاد الإسلامي استخدمت، لأول مرة في هذه الجولة، صاروخاً يسمى “بدر 3” أطلقته في اتجاه الحقول المفتوحة في منطقة “عسقلان” الساحلية.
ولفت الإعلام الإسرائيلي إلى أنّ “استخدام صاروخ “بدر 3″، ذي المدى القصير، هو في الواقع جزء من بناء وسائل الحرب الجديدة، التي تحاول الجهاد وحماس وحزب الله تطويرها”.
وبهذا الخصوص، قال محلل الميادين للشؤون الأمنية والعسكري شارل أبي نادر في مقابلة سابقة مع الميادين إنّ “الجميع تكلّم عن نجاح الصواريخ في تجاوز منظومة الدفاع الجوي، وهذا هو لبّ أو نواة المعركة والمواجهة بين العدو والمقاومة”.
وأضاف: “عندما تستطيع أن تفرض صواريخ وقدرات تتجاوز، ولو بنسبة معقولة، منظومة الدفاع الجوي والقبة الحديدية تكون قد كسبت المعركة على الأقلّ في مستوى مرتفع من الردع”. أما في البعد الآخر، فأوضح شارل أبي نادر أنّ النقطة المهمة اليوم التي فرضتها المقاومة في “ثأر الأحرار” هي المساهمة المشتركة وغرفة عمليات مشتركة.
التكامل بين محور المقاومة
خلال هذه المعركة بدا التكامل واضحاً في محور المقاومة، ولعل رسالة قائد قوّة القدس في حرس الثورة الإسلامية في إيران، إسماعيل قآاني، يوم أمس إلى الشعب الفلسطيني وأهل غزة والفصائل الفلسطينية في الغرفة المشتركة، خير دليل على ذلك.
وفي الرسالة توجّه قآاني بالشكر والتقدير لأبطال حزب الله في لبنان، ولكل حركات المقاومة، ولجميع الشعوب الحرّة في المنطقة والعالم، على وقوفهم في وجه جرائم الاحتلال على أرض فلسطين المظلومة، وعلى دعمهم للشعب الفلسطيني الصابر ولرجال المقاومة الصامدين.
ومن اليمن، أكّد رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشّاط، تأييد بلاده قيادة وحكومة وشعباً، لكل الخيارات التي تتخذها قيادة المقاومة الفلسطينية لردع العدو الصهيوني،داعياً الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ مواقف مساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته المجاهدة ودعمها بالمال والسلاح ومقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية. كما أعلنت القبائل اليمنية تجهيزها 5 آلاف مقاتل للدفاع عن فلسطين.
أمّا في لبنان، فقال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إنّ “معركة غزة مهمة، وتأثيراتها لا تقتصر على القطاع، بل تطال عموم المنطقة. ونحن على اتصال دائم بقيادة المقاومة في غزة، ولن نتردد في تقديم المساعدة في أي وقت تُفرض المسؤولية”.
الاحتلال في مأزق
وبالتزامن مع الموقف الموحّد لمحور المقاومة الذي برهن مدى قوة وصمود المحور، ظهر الموقف الإسرائيلي المتآكل. وكان واضحاً مع كل رشقة صاروخية أنّ ردّ المقاومة لم تتوقّعه “إسرائيل”، فقد راهنت الأخيرة على ترسيخ معادلة الهدوء بالهدوء، لكنّ المقاومة كان لها رأيٌ آخر، فتجاوزت صواريخ “ثأر الأحرار” منظومة القبّة الحديدية.
اعترافات عديدة بالفشل برزت في الإعلام الإسرائيلي، منها “العملية في غزة عديمة الجدوى”، و”نحن أمام مأزق”، والبعض الآخر سأل “إذا كانت العمليات ضد غزة ناجحة.. فلماذا تتكرّر كلّ عام؟”.
ومن التقارير اللافتة كان ما نشره موقع “المونيتور” الأميركي لكاتب إسرائيلي، اعتبر فيه أنّ مواجهة غزة تعزّز قوة الجهاد الإسلامي وحماس وإيران، مشيراً إلى أنّ هذه المنظمة، “الصغيرة نسبياً”، تمكّنت من شلّ “إسرائيل” لمدة 4 أيام وإرسال آلاف الأشخاص إلى الملاجئ.
وأكّد المقال أنّ لدى “إسرائيل” أسباباً وجيهة للقلق من هذه المناوشة الأخيرة، لافتاً إلى أنّ هذه المنظّمة، تعمل داخل قطاع ضيق ومكتظ بالسكان، بتمويلٍ من إيران، ونجحت بدفع آلاف المستوطنين الإسرائيليين، على طول الحدود مع غزة، إلى الفرار من منازلهم وأرسلت آلافاً آخرين إلى الملاجئ، “مما أدى إلى بث الخوف وتعطيل جميع جوانب الحياة اليومية في قوة إقليمية”، وفق الكاتب.
خوف جديد يضاف إلى سجلات العدو
مع انتهاء جولة القتال، أشار استطلاع للرأي أجرته القناة “12” الإسرائيلية إلى عدم تغيّر “الردع الإسرائيلي” ضد غزة.
هذا وقال وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان إنّه “لا يمكن العيش بين جولة قتال وأخرى ولا يمكننا تحمّل حزب الله آخر في جناحنا الجنوبي”.
واعتبر ليبرمان أنّ “حماس ستكون حزب الله في الجنوب، إنهم يعملون على الدقة، ويعملون على الصواريخ التي تصل إلى الخضيرة، ولديهم سلاح أكثر فتكاً من الجهاد الإسلامي ولا أحد يجبي منهم أي ثمن”.
من جهته، تحدّث طال ليف رام محلل الشؤون العسكرية لمعاريف، عن مواجهات عسكرية مع حماس وحزب الله يُتوقّع أن تكون أكثر تعقيداً بكثير.
أما عاموس هرئِل محلل الشؤون العسكرية، فقال إنّ “إطلاق قذيفة صاروخية وحيدة نحو عسقلان أعطى تناسباً لكلام نتنياهو، الذي تفاخر بـ “كسر المعادلة” في القطاع.،لكنّ جدوى العملية الإسرائيلية سيكون محدوداً.
بينما صحيفة “إسرائيل هيوم” قالت “إذا كانت إسرائيل معنية بتغييرٍ استراتيجي في الساحة الفلسطينية، فعليها تخطيط عملية مع هدفٍ آخر، وعدم توسيع عملية محدودة في أعقاب إنجازات أو إخفاقات تكتيكية”.
وفي ذكرى النكبة التي تصادف اليوم، يظهر جلياً كيف تآكلت قوة الردع الإسرائيلية وسط تعاظم لافت لقدرات محور المقاومة، إذ يجد العدو نفسه أمام وحدة ساحات لطالما خشيها، وحاول من خلال حروبه المستمرة ع فصلها والتفتيت فيما بينها، فأصبح استهداف القدس يعني حرباً إقليمية.
وبعد مرور 75 عاماً على هذه الذكرى، برزت الضفة في السنوات الأخيرة، كدرع حامية للقدس، مع تزايد العمليات الفدائية بوجه الاحتلال، إضافة إلى الصمود الشعبي.
التكامل بين الضفة وغزة، ومحور المقاومة ككل، والتنسيق القائم فيما بينهم، وضع الاحتلال في استزاف شبه يومي، وأمام حقبة جديدة من التحديات، تدرك “إسرائيل” مدى صعوبتها وتأثيرها على أمن كيانها “الهش”.
