مختارات

السلطات الفرنسية تلاحق تمويلات “الإخوان المسلمون” في فرنسا … وتجمد 25 مليون يورو من أموالها

نقلا عن مونت كارلو

تحقيق واسع النطاق تقوم به السلطات الأمنية المختلفة حول مصادر تمويل جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وكشفت صحيفة الفيغارو الفرنسية، عن بعض تفاصيله نقلا عن مصادر أمنية لم تعلن عن هويتها.

وكانت الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسية قد تعرفت على حوالي 20 صندوق هبات خاص اعتبرت أنها تقوم بنشاطات تمويل مشبوهة، وقام وزير الداخلية جيرالد دارمانا بإطلاق التحقيق على نطاق واسع حول هذه الصناديق منذ خريف 2021، بعد صدور قانون مكافحة الانفصالية الذي ينص على احترام مبادئ الجمهورية.

وكشفت التسريبات الخاصة بالتحقيق أن هذه الصناديق أنشأت منذ عام 2008 بجمع تمويلات خاصة نظرا لأن صناديق الهبات لم تكن موضع رقابة دقيقة من السلطات، وقام الإسلام السياسي باستغلالها لتمويل نشاطاته المختلفة بعيدا عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة.

صناديق الهبات:

أدى التحقيق المعمق إلى رصد حوالي 20 صندوق هبات، وتم منع 8 منها، ومن بينهم 4 صناديق صدر بحقها شكاوى قضائية، ومن بينها “الصندوق الأوروبي للنساء المسلمات”، “صندوق الكندي” وصندوق “Apogée” أو “الأوج”.

وتمت مطالبة 5 صناديق أخرى بالإجابة على أسئلة السلطات وتقديم تفسيرات لطبيعة عملها وآلياته مثل صندوق “الوقف” وصندوق “التنوع للتربية والثقافة”، بينما قام المسئولون عن صندوقين آخرين بإلغائهما فور تعرضهما للتحقيق.

وقامت السلطات، حتى الآن، بتجميد حوالي 25 مليون يورو من أموال هذه الصناديق المختلفة.

آلية التمويل:

وكشف التحقيق أن آلية التمويل تقوم على ارتباط صناديق الهبات هذه بمجموعة من الجمعيات المدنية المنشأة وفقا لقانون 1901، أي أنها جمعيات غير ربحية تنشط في مجالات الخدمات الثقافية والاجتماعية، كما ترتبط الصناديق من جانب آخر بمجموعة من الشركات العقارية لتشكل هذه المجموعات الثلاثة حلقة مغلقة، تقوم بموجبها الشركات العقارية بصب الأموال في صناديق الهبات، التي توزعها بصورة غير قانونية على الجمعيات المدنية المرتبطة بجماعة “الإخوان المسلمون”، وهي جمعيات تتولى رعاية المساجد التي تسيطر عليها الجماعة، وجمعيات تقوم بأنشطة اجتماعية وتربوية من خلال الإشراف على مدارس دينية وقرآنية، وتقديم نوعا من الرعاية الاجتماعية والصحية.

مجتمع موازي ومغلق:

رصد التحقيق حوالي عشر شبكات تسيطر عليها جماعة “الإخوان المسلمون” وتمتد من مدينة ليل في الشمال وحتى مدينة مارسيليا في الجنوب، مرورا بالمنطقة الباريسية ومنطقة بوردو.

وتقوم هذه الشبكات بتقديم مختلف أنواع الرعاية للتابعين لها، بدء من توفير فرص عمل في شركات تسمح بارتداء الحجاب والتغيب لأداء صلاة الجمعة، ومرورا بتوفير معونات اجتماعية وصحية، وإقامة مدارس دينية وحتى إقامة ورعاية المساجد، فيما يشابه مجتمعا متكاملا، مغلقا على أفراده وموازيا للمجتمع الفرنسي.

مظاهرة لدعم الإخوان المسلمين في باريس أغسطس/آب 2013
مظاهرة لدعم الإخوان المسلمين في باريس أغسطس 2013

وأبدى المحققون مخاوفهم من نمو مظاهر التطرف، وفي مرحلة تاليه أعمال العنف، في إطار هذا المجتمع المغلق، حيث يسود حديث ديني متشدد يرفض قواعد العيش في ظل الجمهورية الفرنسية، وأشار مسؤولون أمنيون إلى منظمات أخرى مثل “التجمع الفرنسي للدفاع عن الديمقراطية في مصر” والذي يضم بضع مئات، لم يتجاوزوا القانون في نشاطاتهم التي اقتصرت على المظاهرات وممارسة أنشطة ضغط في صفوف النواب الفرنسيين والأوروبيين، ولكنه – وفقا للتحقيق – تجمع قريب من تيار الشباب الأكثر راديكالية في جماعة “الإخوان المسلمون”، كما يقول التحقيق أن الجماعة تتحرك على المستوى الأوروبي مع “مجلس مسلمي أوروبا” الذي يضم عددا كبيرا من فرنسا وألمانيا ويعقد جمعيته العمومية في تركيا.

وتحديدا، يبدي المحققون مخاوف كبيرة من تدخلات أجنبية في السياسة الفرنسية الداخلية، ضاربين المثال بالمحاولات التركية للقيام بذلك، عبر الجمعيات الخاصة بالجالية التركية وأيضا عبر الجمعيات التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون

وماذا بعد؟:

يرى بعض المراقبين أن هذا التحقيق والطريقة التي نشر بها يدخل في إطار الدعاية السياسية لوزير الداخلية جيرالد دارمانا الذي ينشط منذ فترة من الزمان، ما يشير إلى طموحاته السياسية التي تتجاوز مقعد الوزير وتذهب، ربما، حتى مقعد الرئاسة في الانتخابات المقبلة، ويرى هؤلاء أن المعنيين بالأمر قد يطرح على القضاء لكي تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد عام أو عامين، خصوصا وأن مبلغ 25 مليون يورو الذي تم تجميده لا يشكل مبلغا كبيرا بالنظر لما هو معروف عن أموال الإخوان المسلمين على المستوى الدولي.

ولكن مراقبين آخرون يؤكدون على تغييرات جذرية حلت بالمجتمع الفرنسي وبالرأي العام بعد موجات الاعتداءات الإرهابية، وخصوصا قطع رأس المدرس صامويل باتي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وانتشار مظاهر التطرف في شوارع المدن الفرنسية وفي صفوف تلاميذ المدارس الثانوية والتي تمنع أحيانا من تناول مواد يرفضونها في المناهج الدراسية، وهي الأمور التي يربطها رجل الشارع الفرنسي فورا بالإسلام السياسي، بل وبالإسلام عموما في بعض الأحيان، مما يطلق يد السلطات، التي أصبحت تتمتع بسلاح قانون مكافحة الانفصالية الجديد، لمكافحة وتقليص حجم الإسلام السياسي في فرنسا قبل أن يتضخم ويصبح أكثر تأثيرا.

لم يتم، حتى الآن، تصنيف حركة “الإخوان المسلمون” كحركة إرهابية في فرنسا وأوروبا، إلا أن ما يتردد في الكواليس يوحي بتفكير جدي في اتخاذ هذه الخطوة على المستوى الأوروبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock