لم يمر جلوس مصر وليبيا إلى طاولة واحدة مع جبهة البوليساريو بالجزائر، في إطار الاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في آلية “قدرة إقليم شمال أفريقيا”، التي تتبع الاتحاد الأفريقي، والحادي عشر للجنة رؤساء الأركان – دون أن يسيل مداد الجدل السياسي حول مواقف المشاركين من ملف الصحراء الغربية، وحول موقف تونس وموريتانيا، المتغيبين عن الاجتماع، من الآلية ومن الملف.
ويندرج الاجتماع، الذي عُقد السبت 6 مايو الجاري، في إطار مناقشة مسألة التعاون الإقليمي، في مجال مكافحة الإرهاب وفض النزاعات وعمليات إحلال السلام. لكن، وإن كان اللقاء قد عدَّه البعض عاديًا، باعتبار أن جبهة البوليساريو عضو في الاتحاد الأفريقي، وأن الهدف منه هو “التبادل المعلوماتي” بخصوص الملف الأمني في شمال أفريقيا؛ إلا أنه، في إطار أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها بحضور مصري ليبي، فضلًا عن غياب تونس وموريتانيا، يُثير تساؤلات متعددة حول الآلية، وحول دلالات هذا الاجتماع الأمني؛ إضافة إلى التداعيات السياسية المحتملة له.
قدرة الإقليم
يأتي الاجتماع في إطار اللقاءات الاعتيادية لآلية “قدرة إقليم شمال أفريقيا”؛ وهي آلية جاء إنشاؤها بقرار من الاتحاد الأفريقي عام 2005، تحت دعم وضغط دوليين، وذلك لتشكيل “قوة أفريقية جاهزة” تكون آلية قارية لإدارة الأزمات والتدخل السريع لفض النزاعات التي تقع في القارة بين الفينة والأخرى، بديلًا عن انتظار تدخلات دولية.
وقد تأسست هذه الآلية، بحسب موقع المنظمة “NARC”، كأحد الآليات الإقليمية لتلك “القوة الأفريقية”، التابعة لمجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي، لمواجهة التحديات والصعوبات التي تواجه السلم والأمن في القارة. وتضم “قدرة شمال أفريقيا” في عضويتها كل من مصر وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، إضافة إلى جبهة البوليساريو. إلا أن الملاحظ، أن هذه الآلية قد أسست قبل عودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الأفريقي، في 30 يناير 2017، بعد قطيعة دامت 32 عامًا.
دلالات أمنية
عبر الاجتماع العاشر لآلية قدرة إقليم شمال أفريقيا، يتبدى عديد من الدلالات الأمنية.. لعل أهمها الثلاثة التالية:
من جانب، التنسيق الأمني بين دول الشمال الأفريقي؛ ففي ظل الظروف التي تمر بها منطقة الشمال الأفريقي، ومنطقة جوارها في الساحل الأفريقي، وما يحدث في السودان من صراع عسكري، وإن توقف مؤقتًا بفعل “اتفاق جدة”، في 21 مايو الجاري، يأتي الاجتماع العسكري لـ”الآلية” بهدف التنسيق الأمني. وبحسب بيان وزارة الدفاع الجزائرية، 6 مايو الجاري، فإن الاجتماع استهدف “تبني مُقاربة أفريقية جديدة، ترتكز على محاربة الجماعات المسلحة، والوقاية من كل أشكال التطرف”.
وفي إطار تطورات الوضع في السودان، وحالة السيولة الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي، والتي تشكل كل منهما خطرًا على الدول المشاركة في اجتماع الجزائر الرباعي، فقد كان الهدف أمني محض، وهو تبادل المعلومات الأمنية والعسكرية مع بعض دول الجوار، بشأن المجموعات الإرهابية التي تنشط على الحدود، الحدود المصرية الليبية، والجزائرية الليبية، خاصة أن هذه المجموعات تتمدد من الساحل الأفريقي في غرب أفريقيا، إلى الساحل في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
من جانب آخر، بحث انعكاسات الوضع في السودان على الإقليم؛ إذ، إن الصراع في السودان سوف يخلق بيئة مثالية لوجود التنظيمات المتطرفة ولنشاطها أيضًا؛ وبالتالي، فإن هذه الأزمة يمكن أن تتسبب في تدفقات المجموعات الإرهابية. وهنا، سوف يصبح السودان، في حال لم يتوصل إلى حل للأزمة، مرتكزًا لجماعات العنف والتطرف بحيث تأتيه هذه التنظيمات من العواصم الأفريقية في مناطق الساحل والصحراء والقرن الأفريقي؛ بل، وسوف تنزح منها لتهديد أمن دول جواره الجغرافي، خاصة مصر وليبيا.
كما أن الحدود المشتركة للسودان مع كل منهما، ومع تشاد، سوف تُساعد كثيرا في تعزيز تواجد مثل هذه التنظيمات؛ فضلا عن أن ثمة مقاتلين مرتزقة سودانيين، موجودون في عدد من الدول التي تشهد صراعات مسلحة مثل ليبيا، حيث يُقدر عددهم بحوالي تسعة آلاف مقاتل، سوف يكونون نقطة التقاء، بما يُمثل خطرًا مضافًا على دول الجوار الجغرافي للسودان.
من جانب أخير، التوافق مع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب؛ حيث يتبدى الحضور المصري في أعمال اجتماع آلية “قدرة شمال أفريقيا”، كجزء من الدور الأمني في القارة الأفريقية، بعد أن تسلمت الرئاسة المشتركة لأعمال المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، مع الاتحاد الأوروبي من المغرب. إذ، إن اتفاقًا مصريًا مع الاتحاد على أن تكون مكافحة الإرهاب في أفريقيا “أولوية أساسية” خلال فترة رئاسة القاهرة للمنتدى.
وبالتالي، لا يحق لمصر، بحكم مقعدها الرئاسي في المنتدى، أن تستبعد طرفًا من الحوار، أو المشاركة، في مكافحة الإرهاب لمجرد أنها تختلف معه سياسيًا، أو لا تعترف بشرعيته ـ في ما يخص جبهة البوليساريو ـ من حيث إنها تتعامل بوضعيتها الدولية، والمهمة المكلفة بها في هذا المجال في أفريقيا، وتحديدًا منطقة الساحل والصحراء التي أصبحت ساحة لاحتضان المتطرفين والتيارات المتشددة.
تداعيات سياسية
رغم هذه الدلالات الأمنية التي يمكن استنتاجها من اجتماع آلية قدرة شمال أفريقيا؛ إلا أن عددًا من التداعيات السياسية، سوف يتمخض عن مثل هذا الاجتماع.. لعل أهمها الثلاثة التالية:
من جهة، تباين التأويلات بخصوص رد الفعل المغربي؛ إذ، إن تأثيرات الاجتماع المحتملة تختلف وتتباين، بين من يرى فيه مناسبة لتنسيق المواقف في ظل اشتعال الوضع في السودان، وبين من يرى أن مثل هذا الاجتماع يُغضب المغرب الذي تعود على اتخاذ مواقف متصلبة، في السنوات الأخيرة، تجاه أية دولة تتقارب مع جبهة البوليساريو.
لكن، من الواضح، أن الاجتماع يبدو عاديًا، من منظور أن هذه الآلية قد تأسست قبل عودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الأفريقي، وأن الصحراء الغربية دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، وتشارك في اجتماعاته جنبًا إلى جنب مع كل الدول الأعضاء، حتى تلك التي تميل إلى الطرح المغربي في كيفية حلحلة مشكلة الصحراء.
من جهة أخرى، محاولة الجزائر في حشد الدعم للبوليساريو؛ حيث تواجه البوليساريو، التي بدأت الصراع مع المغرب حول الصحراء الغربية، وضعًا صعبًا عبر الإعلانات الدولية التي تسارعت، خلال السنوات الأخيرة، بدعم الرباط ورؤيتها لحل مشكلة الصحراء. وقد حاولت الجزائر، التي تُعد الداعم الرئيس لجبهة البوليساريو، من خلال هذا الاجتماع إظهار مشاركة كل من مصر وليبيا، على طاولة واحدة مع الجبهة، وكأنه دعم سياسي لهذه الأخيرة.
إلا أن غياب تونس وموريتانيا قد لفت الأنظار إلى المحاولة الجزائرية، ما دفع الأطراف المشاركة إلى تبرير الحضور في هذا الاجتماع بأنه يأتي في إطار آلية تابعة لمجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي، التي تعتبر الصحراء الغربية عضوًا ضمن أعضائه، الفاعلين في مؤسساته المختلفة.
من جهة أخيرة، استمرار المواقف السياسية للأطراف المشاركة.. فقد تبدّى بوضوح أن مواقف الدول المشاركة في اجتماع الآلية في الجزائر، لم يتغير؛ بل ولم يصدر عن القاهرة أو طرابلس ما يُفيد بتغير الموقف السياسي من نزاع الصحراء الغربية؛ فقد كان آخر تعليق للقاهرة حول قضية الصحراء في عام 2022، عندما أعلنت دعمها للوحدة الترابية المغربية، لافتة وقتذاك إلى التزامها “الحل الأممي” لهذه القضية.
أما على الجانب الليبي، ورغم التقارب بين حكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها الدبيبة، والجزائر التي دعمتها بقوة منذ البداية، فإنه يبقى من الصعب أن تجازف بانفتاح تام على الموقف الجزائري من البوليساريو، على حساب العلاقة مع الرباط التي تدخلت أكثر من مرة، للوساطة بين الأطراف الليبية، لدفع هذه الأطراف للتوصل إلى تفاهمات في ما بينها.
خطوة استباقية
في هذا السياق، يُمكن القول بأن اجتماع الجزائر الرباعي، يأتي كـ”خطوة استباقية” عبر اتخاذ الترتيبات التي تتسق مع تطورات الأوضاع في السودان، وتداعياتها على دول الجوار الجغرافي له، ومنطقة الساحل الأفريقي عمومًا؛ وذلك من حيث إن الوضع السياسي والأمني في ليبيا، خاصة في الجنوب الليبي، يرتبط بشكل ما بالحال الميدانية في السودان. هذا، فضلًا عن مصر التي ترى أن حدودها المباشرة، سواء الجنوبية مع السودان، أو الغربية مع ليبيا، يحتاج إلى تنسيق مع كافة الأطراف، لمتابعة التطورات وآثارها المباشرة على الأمن الحدودي لها.