بمجرد عودته للقلعة الحمراء.. وجد رفعت مكانه في التشكيلة الأساسية، في مركز الظهير الأيمن، وأحيانا في وسط الملعب في مركز صانع الألعاب، لكن ذلك لم يحل بينه وممارسة هوايته المفضلة، وهي إحراز الأهداف.. ليكون عبر مسيرته أحد هدافي الأهلي الكبار، محتلا مكانة متميزة برصيد كبير منها ستة أهداف في شباك الغريم التقليدي.. الذي لعب أمامه رفعت مباراة العمر في ختام دوري 1962، حين التقى الفريقان في ملعب الزمالك المكتمل الصفوف؛ بينما غاب عن الأهلي ستة من لاعبيه الأساسيين أبرزهم: صالح سليم وطه اسماعيل وميمي الشربيني والجوهري، وطارق سليم.
خاض الفناجيلي المباراة بمجموعة من لاعبي فريق الشباب، على رأسهم السايس وريعو وعلوي مطر.. ورغم أن الأهلي كان يكفيه التعادل للفوز باللقب إلا أن الفناجيلي لعب مباراة هجومية منذ البداية وصنع هدفين وأحرز الثالث على يسار ألدو ستيلا في نهاية المباراة كما وعد د. نادر سويلم وعضو مجلس إدارة النادي الذي منحه مكافأة خاصة قدرها 15 جنيه.. وفاز الأهلي بالمباراة بثلاثية نظيفة، ليحصد بطولة الدوري.
كان رفعت الفناجيلي قائدا بالفطرة.. لديه رؤية عميقة في قراءة المباراة بعد دقائق من بدايتها.. لا يخشى توجيه زملائه كبارا وصغارا، فيما يجب عمله لتعديل النتيجة أو لإيقاف خطورة لاعب، أو لاستغلال ثغرة ما، أو ضعف مهارة لدى أحد لاعبي الفريق المنافس.. ما يراه على الفور يترجمه عقله الذكي اللمّاح إلى خطة يطلب من زملائه تنفيذها.. ربما ضايق هذا الأسلوب بعض اللاعبين أو أعضاء الجهاز الفني.. لكن النتائج على الأرض كانت تثبت عبقرية الفناجيلي، ونجاعة آرائه، وعمق فهمه لمجريات اللعب.. لذلك استحق الفناجيلي لقب مهندس الكرة المصرية الأول والأخير.
شارك الفناجيلي مع الأهلي بداية من عام 1954، حتى عام اعتزاله النهائي1970، وتشير إحدى الإحصائيات إلى أن نجمنا لعب مع الأهلي خلال تلك الفترة نحوًا من 650 مباراة، سجل خلالها حوالي مئة هدف، وصنع من الأهداف لزملائه ما يجل عن الحصر.. بينما خاض مع المنتخبين القومي والعسكري 150 مباراة أحرز خلالها 40 هدفا، كما صنع الكثير من الأهداف لزملائه في كلا المنتخبين.. ولا حرج أن تكون هذه الإحصائيات غير دقيقة؛ لتعذُّر التسجيل الدقيق للمباريات والأهداف آن ذاك.
لم تكن تلك السنوات التي قضاها اللاعب الفنان في الأهلي أيام عسل كلها.. فكثيرا ما نشبت الخلافات بينه ومسئولي النادي العريق.. كان الفناجيلي يرى أنه لا يحصل على التقدير المادي والأدبي المناسب لما يقدمه للفريق.. بينما كان مسئولو النادي يرون أن الفناجيلي يتطلع دائما نحو الحصول على مزيد من الامتيازات؛ برغم أن إدارة النادي سعت منذ اليوم الأول لرفعت في القلعة الحمراء- لتأمين مستقبله فرشحته ضمن آخرين من لاعبي الأندية للالتحاق بالقوات الجوية، وهو ما حدث بالفعل.. وعُين الفناجيلي بالفعل في القوات الجوية برتبة ملازم، ورقي مرتين حتى وصل إلى رتبة نقيب؛ قبل أن تضطر هزيمة الخامس من يونيو القيادة العسكرية الجديدة إلى تسريح الضباط من لاعبي كرة القدم، وكانوا عددا لا بأس به نذكر منهم: رأفت عطية ويكن حسين وعبده نصحي ومحمد رفاعي.. ورضا وشحته لاعبي الإسماعيلي.
لكن رواية أخرى تؤكد أن التعيين في القوات الجوية جاء مكافأة للفناجيلي بسبب تألقه غير العادي في مباراة مصر وإيطاليا في روما ضمن بطولة العالم العسكرية عام 1957،.. وقد انتهت المباراة بفوز الفريق المصري بهدفين دون رد.
كثيرا ما كان الفناجيلي يغضب بسبب تصرف ما من أحد أعضاء الجهاز الفني أو إدارة النادي؛ فكان يجمع متعلقاته وينطلق إلى دمياط ليختلي بنفسه أياما في رأس البر.. والحقيقة أن صالح سليم منافسه العتيد في الفريق.. كان هو من يحرص على استرضائه وإعادته للفريق، حتى لو اضطر للسفر بنفسه من القاهرة إلى دمياط.
في إحدى تلك المرات التي احتدم فيها الخلاف، ترك الفناجيلي النادي وذهب إلى مقر القوات الجوية، وتقدم بطلب إعارة إلى القوات الجوية العراقية، إسوة بإعارة حامد فوزي حارس القوات الجوية العراقية للعمل بالقاهرة في زمن الوحدة، وقد حرس فوزي مرمي نادي الطيران بالفعل.. لم توافق القيادة الجوية على طلب رفعت، ولكنها أصدرت قرارا بتعيينه مدربا لفريق الطيران بنفس الراتب الذي كان يتقاضاه من النادي الأهلي.. وعندما ذهب مسئولو الأهلي لاسترضائه كان رده: “أنا مش بتاع فلوس أنا بتاع الكلمة الحلوة”.. والحقيقة أن الفناجيلي كان صادقا جدا في قوله.. فلقد كانت حاجته للمال نابعة من كثرة التزاماته المالية تجاه أهله (والديه وأخواته البنات، وشقيقه الوحيد يحيى) وقد أنفق عليهم مما رزقه الله؛ حتى صاروا في أحسن حال.. كذلك التزامه تجاه أسرته الصغيرة (زوجته وبناته الثلاث) قبل أن يرزقه الله بابنيه، وقد وفر لهم حياة كريمة في حياته، وبعد انتقاله للرفيق الأعلى.
حصد الفناجيلي مع الأهلي سبع بطولات للدوري العام، وست بطولات لكأس مصر.. كما فاز مع المنتخب القومي ببطولتين من بطولات كأس الأمم الإفريقية الخمس التي شارك فيها.. كما شارك الفناجيلي مع المنتخب المصري في دورتين أوليمبيتين عام 1960، بإيطاليا وحصل الفناجيلي خلالها على لقب أحسن مدافع في العالم، كما شارك في دورة 1964، بطوكيو وهى البطولة التي حصلت فيها مصر على المركز الرابع.. وكان الفريق المصري لكرة القدم، قد تأهل لدورة ملبورن الأوليمبية بأستراليا عام 1956، ولكن مصر لم تشارك في الدورة بسبب العدوان الثلاثي.
اضطر الفناجيلي ونجوم الكرة المصرية للاعتزال بعد هزيمة 1967، وتعليق النشاط الرياضي.. لكن الفناجيلي عاد للعب مجددا إلى أن اغتزل عام 1970، بعد حادثة تحتاج إلى المزيد من التوثيق.. كانت آخر مباراة للمهندس مع الأهلي ضد النصر الليبي في ليبيا في إطار عدد من المباريات الودية التي ذهب الأهلي لأدائها في البلد الشقيق.. وهناك روايتان لتفسير قرار رفعت النهائي بالاعتزال.. الرواية الأولى تؤكد إصابته في إحدى قدميه إصابة كبيرة إثر كرة خشنة مع أحد اللاعبين الليبيين، أما الرواية الأخرى فتقول أن القرار أتخذ بسبب حالة الغضب العارمة التي انتابت نجمنا حينما أمر المدرب عبده صالح الوحش باستبداله؛ ليحل محله اللاعب الناشئ آنذاك أنور سلامة.. لا ندري أي الروايتين أوثق؛ لكن المؤكد أن غصة ما ظلت باقية في قلب الفناجيلي -ربما حتى وفاته- من معاملة بعض لاعبي ومدربي وإداري النادي العريق له على نحو لم يكن يرتضيه، وهو الذي يعرف جيدا قيمة موهبته، وما قدمه للأهلي من عطاء كبير.
عاد رفعت فور اعتزاله إلى مدينته الأثيرة.. وخاض عدة تجارب غير موفقة لتدريب فريقها، واجهت عقبة ضعف الإمكانات.. إلى أن قرر الانصراف عن التدريب؛ لإدارة عمله الخاص.. حتى وافته المنية في الثالث والعشرين من يونيو2004، بعد حياة حافلة بالأمجاد.. رفعت الفتى الدمياطي الموهوب إلى ذروة شامخة.. ربما لم يصل إليه إلا القليل جدا من اللاعبين المصريين.. رحم الله الفناجيلي وغفر له.
رحم الله الموهوب ابن دمياط رفعت الفناجيلي واحد من جيل العظماء في جميع المجالات