خلال النصف الأول من العام الجاري تراجعت صادرات السلع المصرية غير النفطية بنسبة 17% محققة نحوا من 16 مليار دولار، في مقابل 19.3مليار دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي.. الذي حقق إجماليا، حصيلة قدرها 35.61 مليار دولار.. بزيادة تصل نسبتها إلى 12% عن العام قبل الماضي2021.
يرجع البعض ذلك التراجع إلى عجز الحكومة عن توفير السيولة الدولارية لاستيراد بعض المواد الخام ومستلزمات العملية الانتاجية في عدد من الصناعات؛ بالإضافة إلى تداعيات عديدة للأزمة الاقتصادية المستحكمة منذ فترة.
كانت لجنة السياسات النقدية قد رفعت أسعار الفائدة الخميس قبل الماضي بمقدار 100 نقطة أساس.. ما أسهم على نحو مباشر في زيادة أعباء العديد من الشركات، ومضاعفة عجزها عن توفير السيولة اللازمة لاستمرار استثماراتها في اكثر من مجال.
وحسب موقع اقتصاد الشرق أفاد معنيون أن “التأثير السلبي لرفع أسعار الفائدة على القطاع الإنتاجي أصبح أكثر عمقا وألما”. يتعلق الأمر بطول المدة التي شهدت رفع سعر الفائدة منذ مارس 2022، (قرابة عام ونصف) بإجمالي وصل إلى 1100 نقطة اساس، وهو أمر من شأنه الإضرار بالقدرات الاستثمارية للشركات المصرية.. كما أن التعافي من آثاره ربما يحتاج إلى سنوات.
وتعتمد معظم الشركات المصرية على نظام “السحب على المكشوف” في الحصول على احتياجاتها التمويلية من البنوك، وهو ما يعني مع الارتفاع المتكرر لسعر الفائدة؛ المزيد من زيادة تكلفة الإنتاج؛ وتضاؤل فرص الدخول في أي استثمارات جديدة لتضاعف الأعباء والالتزامات المالية عن الاقتراض.
الآثار الإيجابية لقرار المركزي برفع سعر الفائدة في الحد من التضخم – لم تتحقق حتى الآن، فما زال معدل التضخم في تصاعد مستمر، إذ بلغت نسبته 41% نهاية شهر يونيو الماضي على أساس سنوي.
ويبدو أن لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي لا ترى أسبابا لارتفاع معدلات التضخم؛ سوى زيادة السيولة النقدية، وهو أمر محل تشكك كبير؛ لأن الأسباب الحقيقية للتضخم الرهيب تكمن في ارتفاع تكلفة الاستيراد، في ظل الشح الدولاري المتزايد، مع عدم توافر البدائل المحلية، واتساع رقعة التلاعب ومحاولات التربح، وسعي البعض للاستفادة القصوى من اضطراب الوضع الاقتصادي، والثغرات الموجودة في بعض النظم المصرفية، وحالة التخبط الشديدة الناجمة عن غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة.
ويعزو البعض إصرار لجنة السياسات النقدية على رفع سعر الفائدة إلى الارتباط الكبير بين قرارات الفيدرالي الأميركي، والقرارات النقدية المصرية؛ بزعم أن ذلك من شأنه، زيادة جاذبية الاستثمار في أدوات الدين المحلي المصرية، بعد خروج ما يزيد عن 22 مليار دولار من الأموال الساخنة من مصر عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وحسب موقع اقتصاد الشرق.. يرى محمد عبد الحكيم، محلل الاقتصاد الكلي “أن رفع أسعار الفائدة له ثلاثة أضرار أساسية على الاقتصاد، أولها زيادة الدين الحكومي، باعتبار الحكومة هي أكبر مستدين من الجهاز المصري، ومع زيادة تكلفة خدمة الدين، تزيد الضغوط على الإنفاق الحكومي أحد أهم محركات النمو الاقتصادي.
أما الضرر الثاني فهو سحب جزء كبير من السيولة المحلية، وبالتالي تقليل الإنفاق الاستهلاكي، أما الأثر السلبي الأهم فهو ابتعاد الشركات عن خيار الاقتراض الاستثماري، واكتفاؤها بتحمل المصروفات الجارية، وهو عامل مثبط لمعدلات النمو الاقتصادي، الآن وفي المستقبل”.
زيادة الأعباء على الشركات سيدفعها دفعا إلى المزيد من تحميل المستهلك كل تكلفة إضافية، وهو ما يعني تراجع الطلب الفعال على العديد من السلع؛ وفي هذه الحالة لن يكون أمام الشركات سوى الالتجاء إلى التقليل من الإنفاق بكل وسيلة ممكنة، وليس من المستبعد أن تتجه بعض الشركات إلى تقليص أعداد العاملين بها.. ما سيؤدي بالتبعية إلى ارتفاع نسبة البطالة، بالإضافة إلى التباطؤ الواضح في النمو الاقتصادي الذي تعددت أسبابه، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما سيؤدي حتما إلى الدخول في مرحلة، يطلق عليها الاقتصاديون مرحلة الركود التضخمي.
ويؤكد كثير من المحللين أن الإصرار على رفع سعر الفائدة، كان أحد أهم أسباب زيادة تكلفة الدين العام وتفاقم عجز الموازنة، وكذا ارتفاع التكلفة على تعاملات الشركات، التي ستحاول بدورها تمرير أي زيادة ليتحملها المستهلك وحده؛ ما سيكون من شأنه زيادة حدة ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم.. ومن ثم المزيد من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.. لكن يبدو أن البنك المركزي سيمضي قُدما في تنفيذ سياسة التشديد النقدي التي يتبعها، بغض النظر عن خطورة العواقب.
فهل تتجه مصر نحو المزيد من التأزم الاقتصادي، في ظل غياب الرغبة الحقيقية في الخروج من هذا الوضع الاقتصادي الخطر؛ ارتكازا إلى رؤية تحيل كل أسباب التردي إلى عوامل خارجية؛ دون أدنى قدرة على المراجعة للعديد من السياسات والممارسات التي ساهمت بشكل كبير في ما وصلت إليه الأزمة من وضع بالغ الحرج؟
لن تعدم مصر أبدا الوسائل الناجعة للنهوض من كبوتها الاقتصادية؛ فمازال لديها الكثير من العقول القادرة على طرح الرؤى الواقعية والحلول الإبداعية والبدائل الجيدة.. لكن مصر الراهنة ربما تفتقر إلى الإرادة اللازمة لتحقيق تلك الخطوة الضرورية.