رؤى

الاستعمار.. والأقليات في المغرب العربي الكبير

مع الرغبة في اللعب بورقة الأقليات، خاصة مع بداية عهد الاستعمار، وتزايد النظر إلى البربر على أنهم أقلية مختلفة عن العرب، بدأت التوترات تظهر بينهم وبين العرب شركاء الحكم والنضال والإصلاح في الماضي.. ليصل الأمر إلى ما أصبح يُعرف باسم “القضية الأمازيغية في المغرب العربي”.

وربما يُكَوِّن البربر أكبر الجماعات اللغوية غير العربية في منطقة المغرب العربي.. إلا أن اللغة البربرية، أو كما يُسميها أصحابها “اللغة الأمازيغية”، ليست لغة واحدة، بل تتضمن لهجات مُتعددة، تصل إلى حوالي ثلاثمائة لهجة أمازيغية. وهذه اللغة لغة شفهية لم تُكتب على مدى التاريخ، وإن كانت هناك محاولات لكتابتها بالاستعانة بأبجدية الطوارق (التيفناغ)، والتي يُعتقد أنها مأخوذة من الفينيقية أو الليبية القديمة.

ورغم أن التعريب لم يشمل إلا بعض البربر، إلا أن عملية الأسلمة قد شملتهم جميعًا؛ حيث اعتنقوا الإسلام في أعقاب الفتح العربي الإسلامي مباشرة؛ بل إنهم حملوا لواء دعوته وأصبحوا جنودا بواسل للجيوش الإسلامية، ومنهم طارق بن زياد.

وليس ابن زياد هو المثال الوحيد.. إذ يُمكن أن نُشير أيضا إلى مثال آخر؛ وهو عبد الكريم الخطابي، الذي كان من البربر، وقاد ثورة ضد الاستعمار الفرنسي، بعد احتلال الجزائر عام 1830، وتونس 1882، وفرض فرنسا الوصاية على المغرب، بموجب اتفاقية فاس 1912. فقد واجه الفرنسيون مقاومة شرسة من جانب البربر في المناطق الجبلية والريفية، وكادت ثورة عبد الكريم الخطابي، في عشرينات القرن الماضي، أن تُتَوج بالانتصار، لولا أن تكالب عليه الفرنسيون والأسبان ليهزموه عام 1926.

أما من حيث التنظيم الاجتماعي للبربر، فإنه لا يختلف كثيرا عن مثيله بين العرب؛ فهو يتمحور حول القبيلة والعشيرة، ويكفي أن نُشير إلى أن أكبر التجمعات البربرية التي تجوب الصحراء الكبرى، هي قبائل الطوارق، التي تشمل منطقة ترحالها جنوب الجزائر وليبيا والنيجر ومالي.

وبالاقتراب من مطالب البربر، نجد أن من أهمها: ضرورة الاعتراف الحكومي بهم، أو الاعتراف الدستوري والمؤسسي باللغة الأمازيغية، لغة رسمية وقومية، كما في الجزائر؛ فضلا عن المطالب المجتمعية العامة، مثل: احترام حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والحق في الاختلاف… إلخ.

وإذا ما نظرنا إلى طبيعة البربر بوصفهم أقلية، نجد أنها من أقل الأقليات إثارة للقلاقل والاضطرابات؛ ومن ثم فإن تهديدها للاستقرار السياسي يُعد محدودًا مُقارنة بأقليات أخرى عديدة. إلا أن عدم تفهم الأمور الدينية والإنسانية للبربر؛ يؤدي إلى اتساع الهوة بين المسلمين العرب، والمسلمين غير العرب من تلك الأقلية.

والأهم، أن عدم المراعاة هذه، تبدو كافية لتسلل المشروعات التقسيمية الخطيرة التي يُعاني منها كل المسلمين وكل العرب في هذا الجزء من العالم.

ويكفي أن نلاحظ هنا، أن أهم أبعاد تلك المشروعات هو ضرب التعايش الإسلامي القائم في ظل الانتماء العربي الواحد.. ولا نُغالي إذا قلنا: إن مشروعات التقسيم تتمركز حول المجموعتين الأهم والأكبر، وهما الأكراد والبربر؛ وتأتي تحت فكرة اللغوية غير العربية. وبالتالي، فإن التلكؤ في الاستجابة أو التعاطف مع المطالب الخاصة بهذه الأقليات، ونقصد هنا البربر، يُمكن أن يؤدي إلى تصعيد  النزعات الانفصالية بين أبنائها، خاصة إذا وجدت دعما أو تشجيعا من قوى أجنبية.

فالتحدي الإثني هو أحد المداخل السهلة للاختراق الأجنبي لبنية المجتمع والدولة في هذه المنطقة العربية. ولاشك أن ذلك يُمكن تجنبه، إذا ما اتخذت السياسات الكفيلة بدمج الأقليات دمجا قوميا في إطار مفهوم “الوطن الواحد”، وذلك بتحقيق أعلى درجة ممكنة من المساواة وعدم التمييز.

ولعل هذا يتوقف على مدى ما يتوافر لدى الدولة من قدرات، ومدى ما تملكه من آليات لتوزيع هذه القدرات وغيرها من الموارد، ومدى ما تشعر به كافة الأقليات من مساواة مع غيرها، من جماعات المجتمع المختلفة.

في هذا السياق، لابد من الاعتراف بأن مفهوم الأقليات يظهر كواقع مُتحرك، ويرتبط بنظرة الهويات إلى نفسها؛ وهو حكم سياسي مستند إلى الديني والأخلاقي. وبالتالي، فإن مُعالجته لابد أن تعتمد على المنظور القانوني.. لأن خطأ العرب الكبير، أنهم كثيرا ما يستمدون القانوني الذي ينظم حياتهم من السياسي، ويُخضِعون هذا السياسي نفسه إلى منظورهم الأخلاقي.

يعني هذا، ضرورة التعامل مع الأصول العرقية أو العقائدية على أنها أصول متساوية وغير متفاضلة، لكون جميع الناس لهم منشأ واحد.. والأهم هو تفكيك التمركز على العرق أو العقيدة، لأنه أهم الأمراض التي جلبت على العرب الويلات، وكان وراء نشأة الأفكار العنصرية والشوفينية.

وكما قال الحق سبحانه وتعالى: “يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات: 13].

 

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock