رؤى

أحداث “الزاوية”.. وإشكاليات المرتزقة في ليبيا

تكشف أزمة مدينة الزاوية في غرب ليبيا، التي شهدت احتجاجات اجتماعية، على خلفية رفض ناشطين وزعامات اجتماعية، ما احتوته مقاطع مصوّرة -جرى تسريبها- بقيام مرتزقة أفارقة بتعذيب شُبّان ليبيين من أبناء المدينة.. تكشف الأزمة، عن استمرار المعوقات الرئيسة التي يمكنها إحباط العملية السياسية في ليبيا؛ حيث لا يزال نفوذ المرتزقة، والميليشيات المسلحة، متغلغلًا في بؤر عديدة في هذا البلد. 

وتتبدى الإشكالية بملاحظة أن تواجد الميليشيات المسلحة، يأتي في مقابل خارطة لقوى مبعثرة ومتنافسة، فيما تنشغل النخب السياسية بالبحث عن الفرص في الانتخابات المقبلة. إنها الإشكالية التي تتفاعل، ليس بسبب عوامل داخلية فقط؛ ولكن إضافة إلى ذلك، تتعقد خيوطها وتتشابك كنتيجة لأسباب أخرى تتعلق بالتدخل الخارجي. رغم ذلك، تظل “الميليشيات المسلحة وفوضى السلاح”، هي النقطة المركزية في الأزمة الليبية.

فوضى السلاح

ففي ظل هشاشة النظام الأمني، وانقسام أجهزة الدولة، تعد قضية الميليشيات المسلحة وفوضى السلاح في عموم ليبيا من المشكلات التي تعوق الحلول السلمية هناك. صحيح أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن حجم انتشار السلاح في هذا البلد، إلا أن الأمم المتحدة قد أحصت ما لا يقل عن عشرين مليون قطعة سلاح، خلال السنوات القليلة الماضية.

وبالرغم من المبادرات الوطنية والدولية، لتفكيك الميليشيات المسلحة.. إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه يدور حول الإمكانية؛ بمعنى: هل تستطيع حكومة الدبيبة، التي أقيلت من جانب البرلمان الليبي، أو حكومة فتحي باشأغا، التي لم تستطع دخول طرابلس العاصمة، لممارسة مهامها، أن تنجح في تنفيذ أي من تلك المبادرات؟

هذا التساؤل يكتسب أهمية، بملاحظة أن عدد الميليشيات في المنطقة الغربية، وتحديدا في طرابلس ومصراتة، يصل إلى خمسين ميليشيا، ويصل عدد أفراداها ما بين مئة وعشرين إلى مئتي ألف مقاتل. وهنا، يكفي أن نشير إلى تقرير خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا، الذي نُشِر منذ أكثر من عامين، في مارس 2021، والذي أكد على أن الميليشيات المسلحة، خلال ولاية حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، اكتسبت شرعية غير مستحقة، وحصلت على مناصب حكومية نافذة.

وهكذا، تُمثل الميليشيات المسلحة التحدي الرئيس أمام أية محاولة لإرساء الاستقرار، والانتقال نحو الخروج الآمن من الأزمة التي تعصف بهذا البلد على امتداد السنوات الماضية؛ حيث اعتادت تلك الميليشيات استخدام السلاح كورقة ضغط، للحصول على امتيازات ومبالغ مالية طائلة، كما أن لها شبكات للمصالح في مؤسسات الدولة، وتلجأ إلى القوة للحصول عليها، وتتصارع على هذه الامتيازات.

والأهم، أن الحكومة المنتهية الولاية لم تؤدِ دورها المنوط بها في تدعيم المؤسسات الرسمية في البلاد، ومحاولة استعادتها وهيكلتها، كما كان يُفترض بها؛ بل على العكس، قوّت الميليشيات، ودعمتها واستقوت بها.. وما الاشتباكات التي دارت بين أنصار الدبيبة، وداعمي باشأغا، عندما حاول الأخير دخول العاصمة طرابلس لممارسة حكومته -التي حصلت على تكليف من البرلمان- لمهامها.. إلا مجرد مثال.

لقد فشلت حكومة الدبيبة، في أهم الملفات التي كانت ملقاة على عاتقها، ملف تفكيك الميليشيات المسلحة وإعادة دمجها في المؤسسات الرسمية للدولة. ورغم المحاولة من جانبها في الإعلان عن “المبادرة الوطنية” لتفكيك الميليشيات وتسريح أفرادها، ودمجهم في مؤسسات الدولة، وفي سوق العمل.. إلا أن نسبة نجاح هذه المبادرة ضئيلة للغاية، بل تكاد أن تكون معدومة.

صعوبات وقيود

خلاصة القول، أن الميليشيات المسلحة لا تزال، وسوف تظل، عائقًا كبيرًا أمام الانتقال، أو العبور الآمن للدولة الليبية نحو الاستقرار، والسيادة على الموارد التي تتمتع بها ليبيا؛ حيث إن الدبيبة ظل في موقعه فترة كافية من أجل أن يجد حلولًا  ناجزة للملفات الشائكة في الأزمة الليبية، وعلى رأسها تفكيك الميليشيات المسلحة، ولكنه لم يوفق في ذلك.

هنا، يتبدى عدد من الصعوبات في نجاح عملية تفكيك الميليشيات المسلحة.. 

من بينها: عدم تسليم الدبيبة السلطة إلى الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي؛ فبدلًا من أن يلتزم الدبيبة بتكليف البرلمان لحكومة جديدة، حكومة باشأغا، في فبراير 2022- تحدى قرار مجلس النواب، وتحصن بالميليشيات في العاصمة طرابلس، في إصرار على عدم تسليم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات!

ومن بينها أيضًا عدم إمكانية التدخل الخارجي لتفكيك الميليشيات؛ إذ إن نزع السلاح وتفكيك الميليشيات يحتاجان إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، قرار “واضح ومباشر” في هذا الشأن، وإقرار مباشر بتشكيل بعثة دولية أمنية تتولى تنفيذ هذا الأمر.

إن الأمم المتحدة هي وحدها من يمتلك إدارة حفظ السلام، وهي الجهة الوحيدة في العالم التي تمتلك التوصيف الوظيفي والمسئولية القانونية، والخبرات والإمكانيات البشرية والمادية، لتنفيذ عملية نزع سلاح الميليشيات، وتفكيكها وتسريح أفرادها. ولكن، لأن الأزمة الليبية قد دخلت فعليًا على خطوط التماس لاستراتيجيات الدول الكبرى الخاصة بهذه المنطقة من العالم، لذا تبدو إمكانية استصدار قرار من مجلس الأمن، غاية في الصعوبة.

وهكذا.. 

فإن المأزق السياسي الذي تتعرض له الساحة الليبية، يتمثل في إمكانية “ضبط الأمن”؛ من حيث إن العملية السياسية تظل رهن فرض الحد الأدنى الممكن من الاستقرار لإجراء العملية الانتخابية التي يترقبها الليبيون.

لكن، على الجانب الآخر، فإن إمكانية تقويض ظاهرة المرتزقة، وفوضى السلاح، ربما انطلاقًا من أحداث الزاوية، قد تُشكل فرصة للقوى السياسية والأمنية في ليبيا؛ إذ، يمكنها أن تشكل “عامل ضغط” على معالجة الثغرات في هيكل الأجهزة الأمنية، و”عامل ضغط” آخر على القوى الدولية، للتحرك من أجل تقديم الدعم لهذه الأجهزة، والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي.. المنتظر.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock