رؤى

صراع الميليشيات.. وضعف حكومات الغرب الليبي

إلى أين تتوجه الأزمة في ليبيا؟.. هذا هو التساؤل الذي يتبادر إلى ذهن المتابع المهتم بما يحدث على الساحة الليبية عموما، والتطورات العسكرية والسياسية الحاصلة هناك بشكل خاص؛ بل وبكافة التفاعلات على هذه الساحة، سواء من جانب القوى الدولية، أو القوى الإقليمية ودول الجوار الجغرافي للدولة الليبية.

إذ رغم أن الأزمة تتفاعل، ليس بسبب عوامل داخلية فقط؛ ولكن -إضافة إلى ذلك- تتعقد خيوطها وتتشابك كنتيجة لأسباب أخرى تتعلق بالتدخل الخارجي.. رغم ذلك تظل “الميليشيات المسلحة وفوضى السلاح” هي النقطة المركزية في هذه الأزمة؛ خاصة وأنها تؤشر إلى الضعف الذي تتسم به حكومات الغرب الليبي، سواء حكومة السراج السابقة، أو حكومة الدبيبة الحالية.

رغم مرور أكثر من عامين ونصف، على تولي عبد الحميد الدبيبة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية؛ ورغم سلسلة الوعود التي سبقت هذه الفترة الزمنية، والتي تمكن من خلالها من السيطرة على السلطة وماجريات الأمور، في غرب ليبيا.. إلا أن الواقع العيني يشي بأن لا شيء من تلك الوعود قد تحقق.

فقد فشلت حكومة “الوحدة” في معظم الملفات التي تبنتها، تقريبًا، خاصة الملف الأمني؛ الذي انهار بشكل كامل بفضل سياسة الاعتماد على الميليشيات المسلحة، التي تزايدت أعدادها في غرب ليبيا، إلى الدرجة التي أصبح التنافس في ما بينها سببًا في الاحتكاكات، والصراعات، المسلحة بين الحين والآخر.

وبقدر ما تحمل هذه الصراعات من مؤشرات على التدهور الأمني، وتنافسية القوى خاصة في غرب ليبيا؛ بقدر ما تُنبئ عن أبعاد لها “دلالات متعددة”، سواء بخصوص محاولة السيطرة على العاصمة طرابلس، أو بعض الرسائل من حكومة الوحدة إلى أنصار النظام السابق؛ هذا، فضلا عن الخلاف الذي بدأ يتصاعد بين ميليشيات مصراتة، وبين إصرار الدبيبة على الاستمرار في السلطة.

كما يبدو، وإضافة إلى هذا الخلاف المتصاعد، فإن المعارك الأخيرة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس بوصفها جزءا من الصراع على السلطة، بين قوات الردع الخاصة، واللواء 444 قتال، لها أكثر من دلالة.. لعل أهمها هي التالية:

أولًا: مساعي السيطرة على العاصمة طرابلس؛ ولعل ذلك ما يتضح عبر التناحر العسكري، الذي حدث بين اللواء 444 قتال، وقوات الردع الخاصة التي يقودها عبد الرؤوف كارة، بعدما اعتقل قائد اللواء محمود حمزة، بحضور عبد الحميد الدبيبة، في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، أثناء توجه الأخير إلى مدينة مصراتة لحضور عرض عسكري.

والملاحظ، أن عبد الرؤوف كارة أراد توجيه رسالة إلى الدبيبة، رئيس الحكومة المنتهية الولاية، بأنه على علم بمساعيه لتشكيل قوة عسكرية كبيرة يُمكنها السيطرة على العاصمة طرابلس، وإنهاء أي عقبة أمام حكومته لإحكام هذه السيطرة، عبر مقاتلي اللواء 444. ومن ثم، كان اعتقال محمود حمزة بمثابة التأكيد على أن قوات الردع الخاصة، التابعة للمجلس الرئاسي الليبي، ستظل مُسيطرة على المطار الوحيد في العاصمة، وجزء كبير من طرابلس.

بهذا، تبدو الدلالة الرئيسة في أن حكومة الدبيبة لا تحاول، فقط، السيطرة على العاصمة طرابلس؛ ولكن أيضا أنها ليست معنية بأي حل سياسي يُساهم في حلحلة الأزمة الليبية، بقدر اهتمامها بالبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

ثانيًا: الاستقرار الهش والتنافس بين الميليشيات؛ إذ يُثير القتال الأخير في طرابلس، خاصة أنه امتد إلى العديد من مناطق العاصمة، تساؤلات حول الدرجة التي يؤثر بها عدم الاستقرار في عموم الغرب الليبي. فهذا القتال يعكس حالة “الاستقرار الهش” في العاصمة، التي تُسيطر عليها ميليشيات مسلحة متنافسة، في ظل العجز الواضح للسلطات التنفيذية عن ضبط الأمن داخلها.

ولعل ضعف الاستقرار هذا، يتأكد عبر ملاحظة التنامي الكبير لأعداد الميليشيات المسلحة، وتنافسها على السلطة والنفوذ في غرب ليبيا. وهنا يكفي أن نشير إلى تقرير خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا، الذي كان قد نُشِر قبل أكثر من عامين في مارس 2021، والذي أكد على أن عدد الميليشيات “المجموعات المسلحة التي تعمل خارج إطار القانون” في المنطقة الغربية، وتحديدًا في طرابلس ومصراتة، يصل إلى 50 ميليشيا، ويصل عدد أفرادها ما بين 120 – 200 ألف مقاتل.

وأشار التقرير الذي ورد في 555 صفحة، إلى بعض من هذه الميليشيات، مثل: كتيبة النواصي، والأمن المركزي، وعبد الغني الككلي الشهير بـ”غنيوة” الذي يقود جهاز ما يسمى “دعم الاستقرار”، كذلك قوات “الردع الخاصة” بقيادة عبد الرؤوف كارة؛ مؤكدًا على أن نفاذ هذه الميليشيات المسلحة داخل مؤسسات الدولة، أكسبها شرعية غير مستحقة، وحصلت من خلالها على مناصب حكومية نافذة.

ثالثًا: رسائل حكومية إلى أنصار النظام السابق؛ رغم الهدوء النسبي والترقب الحذر، الذي ساد مناطق مُتعددة من طرابلس، بعد الإعلان عن تسليم محمود حمزة إلى جهة أمنية محايدة؛ إلا أن الاعتقال كان يستهدف ما هو أبعد من توجيه رسالة إلى الدبيبة وحكومته.

فمن حيث ما يتردد عن قُرب عبد الرؤوف كارة، قائد قوات الردع الخاصة، من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعول عليه في مكافحة الإرهاب؛ فقد  كان الاعتقال نابعًا من مخاوف حول إمكانية إجراء اتصالات بين قائد اللواء 444 قتال، وأطراف مُقربة من سيف الإسلام القذافي وروسيا؛ خاصة أن تلك المخاوف ترتكز على سفر محمود حمزة، في مرات عديدة خارج البلاد، وتواصله مع عددٍ من الشخصيات المحسوبة على النظام السابق.

وعبر هذه الرسائل المتواصلة، والصراعات بين الميليشيات المسلحة، في إطار اختلاف توجهاتها اقترابًا من القوى الدولية الكبرى، المتنافسة على الساحة؛ لا يمكن استبعاد أن تكون الصراعات الأخيرة يقف ورائها إيعاز من هذه القوة الدولية أو تلك.

في هذا السياق، يمكن القول بأن الاشتباكات المتكررة التي تشهدها العاصمة الليبية، طرابلس، بين الحين والآخر، يُظهر مدى الضعف الذي تبدو عليه السلطة التنفيذية، المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة. بل إن هذا الضعف، أمام الميليشيات المسلحة التي تنامى عددها، واكتسبت قوة ونفوذا، خلال الأعوام السابقة، يتواكب مع محاولات الدبيبة نفسه الاحتماء بهذه الميليشيات، لأجل الاستمرار في السلطة لأطول فترة ممكنة.

ولعل مما له دلالة، بهذا الخصوص، ذلك الاحتمال الذي مؤداه أن المواجهات المسلحة الأخيرة، التي شهدتها طرابلس، يمكن أن يكون قد  أعدّ لها من جانب الدبيبة وفريقه؛ بهدف محاولة تبيان أن ليبيا ما تزال غير جاهزة لأي تغيير سياسي وأي استحقاقات انتخابية؛ ومحاولة إثبات أنه من الأفضل إعطاء فرصة لحكومته لإيجاد الحلول الملائمة، على الأقل في مواجهة ما تشهده دول الجوار الجغرافي الليبي من تغييرات كبرى.

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock