بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري
نقلًا عن موقع عروبة 22
لقراءة الجزء الأول: الرابحون والخاسرون من ممر “البهارات والتطبيع” (2/1)
القضية الفلسطينية
هذا الاتفاق كما استهدف فوزًا تاريخيًا لإسرائيل استهدف أيضًا هزيمة القضية الفلسطينية هزيمة تاريخية وإحالتها إلى متحف التاريخ. فهو من الناحية العملية ينقل الشرق الأوسط كلّه إلى فصل جديد تمامًا، فإذا كان هدف “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”وادي عربة” – أمريكيًا وإسرائيليًا – هو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، فإنّ اتفاق التطبيع بين الخليج وإسرائيل بساتر أو “ساري” هندي يهدف إلى الانتقال لإدماج إسرائيل بشكل تام في المنطقة دون المرور ببوابة الدولة الفلسطينية و”حلّ الدولتين” الذي أصبح في هذا التصوّر أمرًا من الماضي.
يقول الإسرائيليون بصلافة إنّ الاتفاق يثبت صحة وجهة نظرهم أنّ العلاقات التجارية والاقتصادية والتحالف الأمني مع العرب السنّة ضد إيران كافٍ لإقامة شرق أوسط مزدهر ومستقر، وأنّ القضية الفلسطينية لم تعد أولوية متقدّمة أو أولوية من أيّ نوع لدى الدول العربية.
من الناحية المقابلة هذه هزيمة كاملة للسردية الفلسطينية والعربية حتى في حدود النظام الرسمي العربي وليس الموقف الشعبي، وهي السردية التي تعبّر عنها المبادرة العربية التي تقول إنّ دمج إسرائيل في المنطقة مرهون بانسحابها من الضفة الغربية وقيام دولة فلسطينية مستقلة تضمّ الضفة وغزة وتكون القدس الشرقية عاصمتها.
إذا أضفنا إلى ذلك مقترحًا أمريكيًا بمدّ الخط الحديدي الإسرائيلي في ممر بهارات إلى أراضي السلطة الفلسطينية لعرفنا أنّ ذلك سيحقق هدف إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية برفع الصفة السياسية الوجودية عنها وتحويلها إلى معالجة للمعيشة اليومية للفلسطينيين “المساكين!!”، كما يمكنها من مسعاها تحويل السلطة إلى مؤسسة إدارية تابعة للاقتصاد الإسرائيلي تحيا به وتموت من غيره، بالتوازي مع مسعاها جعلها أداة أمنية عازلة بين المقاومة وبين الجيش والشرطة.
والمسعى الأخير شهد نشاطًا أمريكيًا وإسرائيليًا مثيرًا للشبهات، إذ تشير مصادر إسرائيلية إلى موافقة نتنياهو – بعد أن أقنعته إدارة بايدن أنّ ذلك سيساعد في تسهيل خطوات التطبيع الإقليمي- على نقل مركبات مدرعة وأسلحة متطورة ومعدات تنصّت وحرب إلكترونية من الأراضي الأردنية إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي معدات وفّرتها إدارة بايدن إلى السلطة الفلسطينية بهدف زيادة قدرتها على كبح عمليات المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في جنين ونابلس وطولكرم.. إلخ.
بعبارة أخرى، في مناخات الممر الجديد وخطواته الموازية عى المسار الفلسطيني، قد تدفع عسكرة السلطة إلى حافة حرب أهلية فلسطينية تصبح معها حرب انفصال غزة المريرة ٢٠٠٧ نزهة رياضية.
الخسارة الفلسطينية الأفدح هي ما يبدو أنّ قدرة الفلسطينيين حتى على مجرد رفض خطوات التطبيع مع إسرائيل قبل حلّ قضيتهم كما فعلوا منذ “كامب ديفيد” مرورًا بصفقة القرن وصولًا لاتفاقات إبراهام لم تعد موجودة. وتنقل مصادر متعددة أنّ السلطة الفلسطينية أبلغت أطرافًا عربية أنها لن تهاجم تطبيع الممر الجديد أو حتى إعلان تطبيع كامل للرياض مع تل أبيب لاحتياجها للسعودية ماليًا وسياسيًا كأكبر قوة عربية حاليًا.
بعبارة أخرى يحق لليمين العنصري الحاكم في إسرائيل أن يتباهى بتحقّق مقولاته من أن “الفلسطينيين لم يعد لهم حق الاعتراض على علاقات تنشئها الدول العربية مع إسرائيل، وإنّ القضية الفلسطينية لم تعد تمنع الدول العربية من إقامة علاقات دبلوماسية وعلاقات مصالح مشتركة مع اسرائيل”.
إيران
خاسر كبير آخر من هذا التطور، ليس فقط بالمعنى الاستراتيجي العام باعتبارها عضوًا أصيلًا في المحور الصيني الروسي الساعي لنظام متعدّد القطبية فتخسر عندما يخسر حلفاؤها، ولكن بصفة خاصة ومباشرة.
فالاتفاق حول ممر بهارات بما يعيده من حرارة في علاقات واشنطن الرياض يهدّد المكسب الاستراتيجي الذي حققته طهران من توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع السعودية في مارس من هنا العام، وهو فكّ الطوق الذي أحاطته بها واشنطن وتل أبيب في العقد ونصف العقد الماضيين وعزلتها به عن محيطها الإقليمي في الخليج والعالم العربي بتحويل طهران إلى الخطر الذي يهدّد استقرار المنطقة وأنّ استعادة الاستقرار لن يتمّ إلا بتحالف (عربي سنّي/ إسرائيلي) يواجه إيران الفارسية الشيعية.
العلاقات الاقتصادية والعسكرية الجيّدة بين الهند وإيران، بما في ذلك ممر تجاري هندي برّي تحت الإنشاء يمر عبر إيران لوسط آسيا قد يتهدّدها أيضًا التطوّر الجديد مع احتمالات أن تتراجع الهند عنه أو على الأقلّ تعطي أولوية للممر الجديد مع الضفة الأخرى للخليج.
الصين
هي الخاسر الأكبر من النقلة الأمريكية الاستراتيجية في قمة العشرين سواء ممر الهند – الخليج – إسرائيل أو ممر ليبوتو – الأطلسي في أفريقيا الجنوبية، كما تمت الإشارة في المكاسب الأمريكية. فالنفوذ الشرق أوسطي والأوراسي والأفريقي الذي حازته بكين بصبر ودأب واستثمارات هائلة في العقد الأخير بات مهددًا، وتجمّعات بريكس وشنغهاي التي تعوّل عليها قد تضرب من الداخل بحصان طروادة هندي أو عربي أو أفريقي أو آسيوي.. لا أحد يعرف من أين ستأتي الضربة.
لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه بكين هو ما أثبتته الخطوات الأمريكية الأخيرة من فارق كبير في الميكيافيلية والجرأة الشديدة والقدرة على أخذ المخاطرة التي يتميّز بهما المخطّط الأمريكي عند مقارنته بالحذر والتردّد وتعقّد الحسابات عند المخطّط الصيني.
خذ عندك تنازل الولايات المتحدة الميكافيلي عن دعوة زيلينسكي للقمة وهي التي كانت قد أصرّت على حضوره في القمة السابقة، وخذ عندك تنازلها عن أن يدين البيان الختامي للقمة روسيا في شنّها الحرب على أوكرانيا كما أصرت على ذلك في بيان قمة العشرين السابقة.
قدّمت واشنطن هذه التنازلات – مؤقتًا – في قضية حيوية لديها حتى تستطيع تمرير اتفاقية الممر الاستراتيجي الذي يدفع بكين في المكانة الدولية للوراء ويعيد المنافسة العالمية على القيادة لصالح الولايات المتحدة ومجدها الامبراطوري.
الاستعادة النسبية لثقة دول الخليج العربية والثقة لدى بعض الأفارقة بممر “لوبيتو” وقبول مطلب دول الجنوب المزمن بإعادة النظر في شروط القروض وطريقة عمل البنك الدولي الذي يكرهه الأفارقة، هي مكاسب خاطر الأمريكيون في قمة نيودلهي في مقابلها بتنحية الأولوية الأوكرانية المهيمنة منذ نحو سنتين على جدول الأعمال الأمريكي.
فهل يخاطر المخطط الصيني ويعمل على كشف أنّ أمريكا وحلفاءها لم يرصدوا المبالغ الكافية الهائلة المطلوبة لإنجازهم مشاريع غربية عديدة للتنمية في أفريقيا، خصوصًا تلك التي تمّ الوعد بها ولم تتمّ فعليًا وكانت عملية دعائية فحسب؟. هل يغامر الصينيون بضخّ مبالغ أكبر وإنجاز مشروعات الحزام والطريق بصورة أسرع مع دول الجنوب فتكون فوائد التحالف معهم واضحة وضوح الشمس للقادة والشعوب في أفريقيا وآسيا؟.