مختارات

خيارات إسرائيل محدودة وخسائرها قد تفوق احتمال شعبها

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عمان

حسين عبد الغني

في الحملة المتطابقة والمنسقة استراتيجيا على قطاع غزة حدد القائدان السياسيان الأعلى للبلدين المشاركين فيها وهما الرئيس جو بايدن ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الهدف الاستراتيجي للحرب (باستعادة قوة الردع الإسرائيلية وهيبة جيشها واستخباراتها التي دمرتها تماما عملية طوفان الأقصى صباح السابع من أكتوبر الحالي).

وقد تمت ترجمة هذا الهدف في الخطاب العسكري الإسرائيلي إلى هدف عملياتي واضح هو إنهاء وجود حماس في غزة كتهديد عسكري مقاوم للاحتلال الاستيطاني، وبالتالي لاحقا إنهاء حكم حماس السياسي لقطاع غزة منذ ٢٠٠٧ واستبداله بحكومة يمكن التعامل معها مثلما هو الحال مع السلطة الفلسطينية في رام الله. وتحدث بايدن عن ضرورة أن يكون الرد حاسما وقاسيا حتى يحقق هدفه أو توجيهه الاستراتيجي.

يظهر هذا السياق الاستراتيجي وطموحه العملياتي الكبير أن كل الخيارات مفتوحة ومطلقة بلا سقف أو حدود أمام الجيش الأسرائيلي المدعوم بإمداد أسلحة يومية من الجيش الأمريكي وبمشاركة في التخطيط وتوجيه العمليات من قبل القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط. وتشمل هذه الخيارات حرب برية وربما إعادة احتلال القطاع الذي انسحبت منه إسرائيل ٢٠٠٥ من جانب واحد لعدم قدرة جيشها -في عهد شارون- علي تحمل نزيف خسائره اليومية في البشر والاسلحة.

الحقيقة تقول أن خيارات إسرائيل غير مطلقة بل وهي خيارات محدودة تكلفتها ستكون فادحة.

حرب برية شاملة على قطاع غزة معناه حرب طويلة للغاية خسائر إسرائيلية بشرية باهظة قد لا تقل في أعدادها فداحة عما خسرته فعلا من نحو ١٢٠٠ قتيلا والثلاثة آلاف ونيف من المصابين التي فقدتهم في هجوم السبت الماضي. هذه الخسارة التي تترتب حتما في مواجهة مقاومة وشعب فلسطيني ليس لديه ما يخسره وتزغرد امهاته عندما يسمعون خبر إستشهاد أبنائهم.. روح معززة بنحو أربعين إلي خمسين ألف مقاتل من حماس والجهاد والشعبية يعرفون أرضهم نفقا نفقا وبيتا بيتا ولديهم بنية صاروخية وقوة نيران وتدريب نخبة عالي المستوى وبالتالي قدرتهم علي إلحاق أذى بالغ بأي جيش نظامي ليس مستبعدا. يكفي فقط أن نتذكر معركة مدينة الفلوجة العراقية ٢٠٠٤ التي انسحب فيها أقوى جيش في العالم تحت ضربات مقاومين أقل تسليحا بكثير من حماس والجهاد بعد خسارته مائة قتيل.

غزة

إطالة الحرب تعني أيضا مشكلتين جوهرتين لإسرائيل والولايات المتحدة:

الأولى هي أن تقوم المقاومة بقتل ما يزيد عن ١٥٠ أسيرا أسرتهم قوات حماس وبشكل أقل الجهاد -فيهم ما لا يقل عن عشرين أمريكيا- وهذا ثمن بشري وسياسي مرتفع للغاية قد لا يستطيع الرئيس -أي رئيس أمريكي – تحمله وهو مقدم على عام الانتخابات الرئاسية لأنها بمثابة بوليصة تأمين نجاح لخصمه أيا كان هذا الخصم وخصوصا لو كان دونالد ترامب الزعيم السياسي في الولايات المتحدة. ونفس الأمر بل بصورة أفدح بالنسبة لنتنياهو المهزوز سياسيا إذ أن التقاليد اليهودية تجعل لإعادة الأسرى اليهود من يد (العبيد الأغيار) أولوية مطلقة وإعادة الموتى من الأسرى أو المقتولين في الحرب لتوفير دفن بالطريقة اليهودية.. هي مسألة شرف يهودي ديني.

المشكلة الثانية هي إنهاء الوحدة الحالية في الموقف السياسي الإسرائيلي الداخلي والموقف الأمريكي الداخلي والتي تتجمع حاليا حول فكرة الثأر واستعادة هيبة إسرائيل وهيبة السلاح الأمريكي الذي يحارب به الجيش الإسرائيلي مهما كان الثمن. هذه الوحدة السياسية قد تتفتت بسبب مقتل الأسرى الإسرائيليين والامريكيين سواء بسبب الهجوم البري الإسرائيلي نفسه والذي لا يميز بين هدف مدني وهدف عسكري أو لاحتمال قيام حماس والجهاد بإعدامهم ردا على حرب الإبادة لشعبهم الفلسطيني.

المعنى الوحيد لانتهاء موقف الوحدة بين الجمهور الإسرائيلي والأمريكي حول الثأر مهما كان الثمن يؤدي لاشتعال الانقسام القائم منذ البداية ولكن الخافت حاليا في صفوفهم.

ففي إسرائيل وأمريكا هناك من يرى أن تحرير الرهائن سالمين يجب أن يكون أولوية أي عمل عسكري أو سياسي ولاشك أن مقتل الأسرى المختطفين الآن ومزيد من القتلى من عملية برية شاملة سيؤدي لصراع سياسي وحزبي وتصاعد التيار الشعبي وصول الموت وحزنه القاتل لأعداد أكبر من البيوت والأسر الإسرائيلية. المدهش أن الانقسام مرشح للتصاعد تدريجيا مما يفقد الحرب على غزة ما يسمى “بالإرادة السياسية الموحدة ” و هو شرط حياة أو موت لابد من توافره لأي جيش من الجيوش لتحقيق أهداف العملية العسكرية. قبيل وصول وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن لإسرائيل والمنطقة صرح المتحدث باسم وزارته أن الهدف الرئيس لواشنطن هو إنقاذ (المحتجزين الأمريكيين) وأنهم طلبوا ممن لهم علاقة بحماس رسالة واضحة بضرورة قيامها بإطلاق سراح الرهائن. ويدعو اليوم عدد وازن من المعلقين الإسرائيليين البارزين حكومة نتنياهو لتخفيف الأعمال العدائية من ناحية و تمكين الوسطاء المصريين والقطريين والألمان أصحاب الخبرة السابقة في عمليات تبادل أسرى سابقة مع حماس (من بين أشهرها عملية جلعاد شاليط) من العمل على إنجاح جهودهم التي بدأت فعلا بالموافقة على ممر آمن يتم فيه أولا تبادل النساء والأطفال وكبار السن من الجانبين. هذا الشرخ قد يتسع مع وفاة كل أسير اسرائيلي أو أمريكي ويؤدي إلي إختلاط الهدف الاستراتيجي من الحرب وبالتالي إلى هزيمة محدودة معنوية أو عملياتية. أما السيناريو الآخر المتداول عن عمليات كوماندوس لتحرير الرهائن من قبضة حماس والجهاد فهي لا تقل صعوبة أو تكلفة عن العملية البرية لأسباب عديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock