رؤى

عوامل وأسباب التغيير الحكومي.. في الجزائر

بعد نحو شهر واحد من عرضه حصيلة أعمال الحكومة، التي تُغطي مدة عام، أمام البرلمان كما ينص الدستور الجزائري؛ ورغم التفاؤل الذي أبداه بالنتائج التي تحققت، خاصة رقم 7 مليارات دولار من الصادرات خارج نطاق قطاع المحروقات- استبدل أو بالأحرى أقيل، الوزير الأول في الحكومة الجزائرية أيمن بن عبد الرحمن، منذ أسبوعين، هذا رغم أنه حصل على تزكية نواب البرلمان، بعد عرضه بيان السياسة العامة للحكومة.

ووفق بيان الرئاسة الجزائرية، فقد أنهيت مهام عمل بن عبد الرحمن، وعيّن نذير العرباوي، مدير الديوان لدى الرئاسة، بديلًا عنه في منصب الوزير الأول؛ فيما لم ترد في بيان الرئاسة أي أسباب عن هذه الإقالة، التي جاءت بشكل فردي وليس في إطار حكومي موسع.

تتعدد الأسباب الدافعة إلى إقالة أيمن بن عبد الرحمن من منصب “الوزير الأول” في الحكومة الجزائرية.. لعل أهمها ما يلي:

من جانب، يبدو عدم رضاء الرئيس الجزائري عن أداء الحكومة؛ إذ رغم عدم ذكر بيان الرئاسة الجزائرية، أي أسباب تقف وراء الإقالة المُفاجئة للوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، إلا أن الرئيس تبون كان قد سبق أن صرح لوسائل إعلام بأن حكومته “فيها وعليها”، بما يعني أنه غير راضٍ عنها، وعن أداء الوزير الأول، الذي شهد طاقمه أربعة تغييرات جزئية منذ توليه قيادتها.

واللافت، أن هذه الإقالة قد جاءت بعد عدة انتقادات، عبّر عنها الرئيس حول “كيفية التعامل مع المشاكل المرتبطة بتوفير المواد الغذائية، وتنفيذ بعض القرارات الرئاسية”. ولم يطل انتظار الرئيس كثيرًا؛ حيث أقيل بن عبد الرحمن بعد أقل من أربعة أسابيع على إلقاء كلمته أمام البرلمان الجزائري، والتي اعترف فيها هو أيضًا، بوجود أزمة غذاء في الجزائر، وبفشل السياسة الزراعية على مستوى المساحات المنزرعة.

من جانب آخر، يمكن ملاحظة التراجع في ملفات الدبلوماسية الجزائرية؛ فقد شهد الأداء الدبلوماسي للحكومة الجزائرية تراجعًا واضحًا، في عدد من الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية؛ من أهمها عدم الحصول على عضوية منظمة بريكس، رغم انضمام دول عربية إليها، مثل مصر والإمارات والسعودية؛ بما يعنيه ذلك من فشل الحكومة في توفير الأداء اللازم، للانضمام إلى المجموعة.

أيضًا، التراجع الجزائري في الملف الأكثر صعوبة، من حيث التنافس مع المغرب، وهو ملف الصحراء الغربية، حيث نجحت الدبلوماسية المغربية، وهذا هو الأهم بالنسبة إلى الجزائريين، في تعزيز عزلة جبهة البوليساريو، التي تدعمها الجزائر، وتفكيك أحزمة دعم أفريقية لها. وبالتالي، يبدو اختيار نذير العرباوي، الدبلوماسي الجزائري المخضرم كـ”وزير أول” في الحكومة الجزائرية، دال في هذا الإطار.

من جانب أخير، تجاوز مديونية الجزائر الحدود المعقولة؛ حيث تبدو المفارقة هنا، في أن الجزائر التي تزخر بموارد طبيعية هائلة، إلا أنها “لم تستطع بعد الخروج من دائرة الدول الفقيرة” ففي تقرير لصندوق النقد الدولي، في نهاية يونيو الماضي، جاءت الجزائر في المرتبة الرابعة، من بين 10 دول عربية هي الأكثر مديونية، للعام 2022؛ إذ، وصلت المديونية الجزائرية إلى ما قيمته حوالي 109.6 مليار دولار.

تتعدد العوامل الدافعة إلى إجراء تغيير في منصب “الوزير الأول” في الحكومة الجزائرية.. لعل أهمها ما يلي:

من جهة، محاولة إعادة تنشيط الأداء الدبلوماسي للحكومة؛ إذ يخلف بن عبد الرحمن في منصب الوزير الأول، نذير العرباوي صاحب التجربة الطويلة في قطاع الشئون الخارجية الجزائرية؛ فقد جاء به الرئيس تبون مباشرة من نيويورك حيث كان رئيسًا للبعثة الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة؛ فضلا عن أنه كان سفيرا لبلاده لدى جامعة الدول العربية.

ومن الواضح، أن إعادة تنشيط الأداء الدبلوماسي للحكومة، كان الشغل الشاغل للرئيس الجزائري، وهو ما تبدى بوضوح في حركة التغيير الواسعة، التي أجراها الرئيس الجزائري، الخميس 23 فبراير الماضي، في السلك الدبلوماسي والقنصلي؛ مُصادقًا على اللائحة التي اقترحها الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، المُقرب من دوائر القرار الفعلية، في الوقت الذي أبعد فيه جل الدبلوماسيين المُقربين من وزير الخارجية، حينذاك، رمطان لعمامرة.

من جهة أخرى، حاجة الجزائر المُلِحة إلى دبلوماسية اقتصادية؛ وهو ما يبدو عبر محاولة، واحتياج، الجزائر لاستقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية، في آسيا وأوروبا؛ بما يعني الحاجة إلى ديناميكية دبلوماسية جديدة، وهي ما يتوافر لدى الوزير الأول الجديد، عبر خبرته الكبيرة في الشأن الدبلوماسي. ومن ثم، يبدو أن الرئيس الجزائري يحاول البناء على ما شهدته المرحلة الماضية، من مسار الاصلاحات القانونية والتشريعية، التي استهدفت “إعادة هيكلة الاقتصاد”، واستقطاب الاستثمار وفق متطلبات السوق الوطنية.

من جهة أخيرة، ضرورة تجديد الوجوه قبل انتخابات الرئاسة؛ حيث يأتي اختيار العرباوي ليكون رقم “اثنين” في ترتيب السلطة التنفيذية الجزائرية، في إطار التحضير للانتخابات الرئاسية، المقررة في العام المقبل. وبالتالي، فإن الرئيس الذي من المحتمل أن يتقدم للترشح لفترة ولاية ثانية، بحاجة إلى وجه جديد في قمة الهرم التنفيذي.

ونظرا للضعف الواضح في الحصيلة الحكومية للوزير الأول السابق، بن عبد الحمن، رأى الرئيس الجزائري ضرورة خلق ديناميكية جديدة داخل الحكومة، عبر البحث عن وجه جديد يترأسها؛ بما يُشير إلى المحاولة الجادة في ترويج صورة إيجابية للأداء الحكومي، وبالتالي صورة الرئيس.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن الجزائر، منذ سبتمبر 2022، تعيش على وقع إقالات وتعيينات، وصولا إلى إقالة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، كأحدث إجراء في محاولات الرئيس الجزائري في ضبط الأداء الحكومي، وإيقاعه المرتبط بشكل رئيس بالواقع الاقتصادي الداخلي، فضلًا عن البعد الدبلوماسي الخارجي. ومن المتوقع أن يواجه الوزير الأول الجديد، نذير العرباوي، “تحديات كبرى” في منصبه الجديد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها الجزائر، حيث المديونية التي تجاوزت الحدود المعقولة، والتي تؤثر على الأبعاد المعيشية للمواطن الجزائري.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock