مختارات

“حل الدولتين”.. قالب جديد للخدعة الأمريكية

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عروبة 22

حسين عبد الغني

لا أدري ما هو السبب الدفين وراء ولع البعض الدائم بشراء أحذية قديمة مهترئة النعل إذا تحاذق البائع نفسه وقام بطلائها طلاءً جديدًا لامعًا، ينطبق ذلك أشد الانطباق على ابتلاع الأنظمة العربية للطعم الأمريكي القديم المسمى “حل الدولتين”.

“القالب الجديد للحذاء القديم” عبارة عن خدعة تقلب الحقائق الماثلة أمام أعين الجميع، لا سيما وأنّ الواقع الصارخ يقول إنّ “حل الدولتين” مات وشبع موتًا بعد أن خلقت إسرائيل بمساعدة واشنطن المالية والسياسية واقعًا استيطانيًا احتلاليًا دمًر الحل من أساسه.

في هذه الخدعة تزعم إدارة بايدن أنّ “حل الدولتين” ما زال ممكنًا بعد انتهاء حرب غزّة، ولكن ما يعرقله فقط هو التطرّف الموجود على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وإنه متى تمّت إزاحة المتطرّفين من الجهتين جانبًا، سنجد أنّ “حل الدولتين” سيتهادى متبخترًا وستعيش المنطقة بعده في هناء وازدهار وسلام!!.

غزة

خدعة أنّ العقبة أمام “حل الدولتين” هي المتطرّفان اللذين تم اختصارهما إسرائيليًا في نتنياهو، وفلسطينيًا في “حماس”، جاءت في شكل ثلاث موجات تخدير للأعصاب العربية منسّقة سياسيًا وإعلاميًا:

– تغيير نتنياهو والحكومة اليمينية والإتيان بغانتس أو لابيد أو نظرائهم مما يسمى تيار “الوسط” سيحل المشكلة على الجانب الإسرائيلي.

– القضاء على “حماس” كمقاومة وإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية سيحل المشكلة على الجانب الفلسطيني.

– صاحب ذلك استطلاعات رأي روّجت لها بكثافة وسائل الإعلام الغربية الكبرى، تزعم أنّ أغلبية الإسرائيليين يرغبون في التخلّص من المتطرّف نتنياهو واستبداله بغانتس، وأنّ أغلبية الفلسطينيين لا يؤيدون المتشددين في المقاومة ويرحبون بالمعتدلين في السلطة!!.

نتنياهو والطبقة السياسية الإسرائيلية الحاكمة بأكملها موحّدة في رفض “حل الدولتين” على حدود 67، فمن الناحية السياسية ليس هناك أي اختلاف بين نتنياهو وبينيت اليمينيين، وغانتس ولابيد الوسطيين. وإذا كان نتنياهو المتطرّف المندفع قد عاد قبل أيام وتفاخر بأنه لم ولن يسمح أبدًا بدولة فلسطينية، فإنّ غانتس الوسطي الحذر لم يكن أقل منه عداءً للدولة الفلسطينية، إذ قال بالحرف الواحد: “حل الدولتين مرفوض لأنه يعني العودة لوهم اسمه انسحاب إسرائيل من خطوط الرابع من يونيو وهذا لن يحدث أبدا”، مشددًا على أنّ غور الأردن الذي يضم 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة هو جزء لا يتجزّأ من دولة إسرائيل، وهو الحاجز الدفاعي الشرقي للبلاد في أي صراع مستقبلي، والقدس هي العاصمة الموحّدة لإسرائيل… “لن تكون هناك دولة فلسطينية إنما سيكون هناك كيان فلسطيني ما يضمن حاجات إسرائيل الأمنية”.

المقاومة الفلسطينية

أما يائير لابيد فقد تطوّع بنفسه قبل أيام ليقول إنّ “يهودا والسامرا – الضفة بأكملها – هي جزء من دولة إسرائيل”.

تاريخيًا ومنذ عدوان 67 توحّد اليسار العلماني لحزب العمل وحلفائه واليمين القومي والديني لحزب الليكود وحلفائه في رفض أي حل سياسي يقوم على الانسحاب من حدود 67. فلم يعترف بها اليميني مناحم بيجين في اتفاقيات كامب ديفيد ولا المعتدل اسحاق رابين في اتفاق أوسلو 1993.

الأخطر من ذلك أنه سياسيًا وتاريخيًا لم تؤيد إدارة ديمقراطية أو جمهورية منذ 67 حلًا للدولتين يقوم على حدود ما قبل الرابع من يونيو. فيعترف كيسنجر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قبل رحيله بشهرين أنّ السادات عرض عليه قبل حرب 73 إقامة سلام مع إسرائيل على أساس انسحاب الأخيرة إلى ما قبل 67 ولكنه رفض لأنه يعلم أنه ليس هناك سياسي واحد في إسرائيل سيقبل بذلك، إلا إذا مارست واشنطن ضغطًا عليه، ولكن أمريكا وهذا هو الأخطر لا تفكر أبدًا في أن تمارس هذا الضغط.

اتضح كذب أنّ العقبة إسرائيليًا أمام “حل الدولتين” هو تطرّف نتنياهو وصحبه فهو موقف مؤسّسي سياسي وتاريخي للطبقة الحاكمة في إسرائيل، فهل هناك شيء من الحقيقة في أنّ العقبة فلسطينيًا هي تطرّف “حماس” وأنّ استبدال السلطة بـ”حماس” في حكم غزّة سيفتح الطريق أمام الدولة الفلسطينية؟.

ربما وبحذر شديد كان يمكن القول تاريخيًا إنّ “حماس” تُعرقل “حل الدولتين” قبل نحو 6 أعوام عندما قامت بعدها بتغيير جوهري في ميثاقها الأساسي انتقلت فيه بوضوح إلى قبول مبدأ “حل الدولتين”.

أما سياسيًا، وهذا هو الأهم، فإنّ “حماس” – التي تعرف أنّ كل حرب، بما فيها هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول المظفر، يجب أن يكون لها هدف سياسي تصل إليه. حددت الحركة في اليوم التالي مباشرةً وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية أنها تقبل بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتبعه بشكل أكثر دقة قبل أيام تصريح آخر للقيادي موسى أبو مرزوق الذي قال فيه إنّ “حماس ملتزمة بالخط السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية” وهو كما يعرف الجميع يقوم على “حل الدولتين”، دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.

“حماس” لا تريد إلقاء إسرائيل في البحر وهي لا تعارض “حل الدولتين” وتريد أن تكون جزءًا من المستقبل، وتدرك أنّ جزءًا من قدرتها على إفشال التخطيط السياسي الأمريكي – العربي لإخراجها من اللعبة السياسية القادمة وتهميشها يرتبط بطرحها حلولًا سياسية واقعية.

طوفان الأقصى

يبقى سؤال هل التخلّص من نتنياهو من جهة وإحلال السلطة محل “حماس” أمرًا واقعيًا؟

استطلاعات الرأي تزعم أنّ الإسرائيليين إذا ذهبوا للانتخابات غدًا سيفضّلون غانتس على نتنياهو، لكن المشكلة أنه لن تكون هناك انتخابات غدًا، فالانتخابات لن تجري قبل انتهاء الحرب في غزّة، وهي حرب ستستمر لفترة طويلة إذا ظلّ صمود المقاومة الأسطوري والجنون العسكري الإسرائيلي. بعد هذه الفترة وحسب نتائج الحرب ستتحدد من جديد اتجاهات الناخب الإسرائيلي، وبالتالي ورغم أنّ غانتس ولابيد لا يقلّان تطرّفًا عن نتنياهو وحلفائه في رفض “حل الدولتين” فإنّ وصول أحدهما للسلطة قبل انتهاء الحرب غير واقعي على الإطلاق.

أما الجزء الثاني الخاص بإحلال السلطة الفلسطينية المعتدلة محل “حماس” المتطرّفة في حكم القطاع، فهو أيضًا نموذج للوهم وإنكار الواقع، فالسلطة غير مؤهلة لأنها منقسمة على نفسها لعدة أجنحة متصارعة، من جناح الرئيس عباس إلى جناح ناصر القدرة، ومن جناح محمد دحلان في أبو ظبي إلى جناح سمير مشهراوي في الدوحة، حتى نصل لجناح مروان البرغوثي الأسير الشهير، والسلطة أيضًا تعاني من تراجع الشعبية، والجيل الجديد من الفلسطينيين لا يثق فيها وشرعيّتها السياسية محل شك لعدم إجرائها الانتخابات منذ عقد ونصف واستمرارها تم بقوة الأمر الواقع وليس بتفويض شعبي.

هل انكشاف الخدعة الجديدة القديمة يعني أنّ واشنطن لا تسعى لحل سياسي للقضية الفلسطينية؟، الحقيقة أنها تسعى ولكن لدويلة أو كيان منزوع السلاح بلا سيادة تهيمن إسرائيل عليه أمنيًا بدون القدس والمسجد الاقصى وبدون معظم الضفة الغربية.. لكن لهذا حديث آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock