رؤى

السودان.. وإشكاليات انسحاب بعثة الأمم المتحدة

بناءً على طلب من السودان، طالب فيه “الإنهاء الفوري” لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي “يونيتامس”، اعتمد مجلس الأمن قرارًا يحمل رقم 2715، بإنهاء تفويض البعثة الأممية، بموافقة 14 من أعضاء المجلس الخمسة عشر، في الوقت الذي امتنعت فيه روسيا عن التصويت. وبهذا القرار الأممي، انتقلت المهمات السياسية التابعة للبعثة، إلى الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، المُعين حديثًا، الدبلوماسي الجزائري السابق رمطان لعمامرة.

ورغم أن استجابة القرار الأممي لمطلبٍ، كانت الحكومة السودانية قد تقدمت به عبر وزير خارجيتها بالتكليف علي الصادق علي، من خلال رسالة وجهها منتصف شهر نوفمبر الماضي، إلى الأمين العام للمنظمة الدولية؛ إلا أن القرار يتضمن في طياته تداعيات على المستقبل المنظور للسودان، في ظل حالة الصراع التي يشهدها، منذ ثمانية أشهر، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

من أهم هذه التداعيات، الاحتمال الذي يتعلق باتجاه الأمم المتحدة لوضع السودان تحت البند السابع، المختص بالتدابير الأمنية والعسكرية؛ ودخول السودان، من ثم، تحت الوصاية الأممية، فضلا عن تحويل مهام يونيتامس إلى وكالات الأمم المتحدة، مع ما يتطلبه ذلك من واجبات قانونية على السودان.

يتضمن قرار مجلس الأمن، الذي يقضي بإنهاء بعثة الأمم المتحدة، عددًا من الإشكاليات الخاصة بوضعية السودان، في ظل الصراع الدائر حاليًا.. تتبدى أهمها كما يلي:

أولا: إخضاع السودان إلى دورية المساءلة الدولية؛ حيث يؤكد قرار مجلس الأمن، رقم 2715، على “أهمية الواجبات القانونية على جمهورية السودان، بموجب معاهدة الأمم المتحدة للامتيازات والحصانات لعام 1946، واتفاق وضع البعثة في 4 يوليو 2021، حتى مغادرة العنصر الأخير من يونيتامس للسودان”.

ولم يتوقف القرار عند حدود هذا التأكيد، على الواجبات القانونية التي تقع على عاتق السودان، والدعوة إلى “التصرف طبقا لواجبات جمهورية السودان بموجب هذه الاتفاقات”؛ بل رحب بتعيين المبعوث الشخصي للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، طالبا منه “إحاطات كل 120 يوما عن جهود الأمم المتحدة لدعم السودان في طريقه نحو السلام والاستقرار”؛ بما يُشير إلى خضوع السودان إلى ما يُشبه دورية المساءلة الدولية كل ثلاثة أشهر.

ثانيا: دخول السودان تحت طائلة “الوصاية الأممية”؛ فمن الواضح أن قرار مجلس الأمن بإنهاء مهام بعثة يونيتامس، يُفسح المجال أمام فرض أحد أشكال الوصاية الأممية على السودان، في ظل الحرب الدائرة، التي تفرض ـ في ظل غياب يونيتامس ـ الحاجة إلى وجود بعثة على الأرض، ذات مهام فنية وعسكرية.

واللافت، أن إنهاء قرار تفويض يونيتامس، في إطار عدم وجود بادرة أمل في نجاح مبادرات وقف الحرب؛ قد فتح الباب للحديث عن استعادة الدور العسكري للبعثة التي سبقتها، والتي عُرِفت باسم “يوناميد” في إقليم دارفور، واستمرت حوالي 13 عامًا تمارس مهامها بالتعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

ثالثًا: الاتجاه لوضع السودان تحت إطار البند السابع؛ حيث يُشير القرار إلى هذا الاتجاه، مجددًا، في ظل الانتهاكات التي تتحدث عنها تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، جراء الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع. إذ، إن إنهاء تفويض يونيتامس يعني بأن الأمور تتوجه نحو الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح بإمكانية فرض عقوبات وإصدار أوامر قبض على مرتكبي الانتهاكات، وإحالتهم للمحكمة الجنائية الدولية.

والمُلاحظ، أنه مع تعثر المفاوضات بين طرفي الصراع، وانهيار الوضع الداخلي، يبدو أن الحضور الأممي سيكون قائما في وضعية السودان، عبر التطور المتوقع من جانب المنظمة الدولية، باتساع دائرة التعامل مع الأزمة السودانية بتصعيد ملفاتها على بنود الفصل السابع، بكل تداعياته التي تشمل التدخل المباشر واستخدام القوة.

رابعا: تحويل مهام يونيتامس لوكالات الأمم المتحدة؛ ففي ظل الظروف الراهنة التي يمر بها السودان، فإن قرار مجلس الأمن لا يعني إنهاء مهام الأمم المتحدة في هذا البلد؛ وإنما يؤشر إلى تحويل مهام بعثة يونيتامس، التي كانت مهاما سياسية بالأساس، إلى وكالات الأمم المتحدة المختلفة.

وبذلك، فإن القرارالصادر عن مجلس الأمن، يعني تكليف أكثر من منظمة للاضطلاع بمهام يونيتامس؛ بما يستوجب على الجهات السودانية المسئولة التعامل مع أكثر من منسق أممي، بدلا من التعامل، الذي كان في السابق، مع رئيس البعثة فقط. وبالتالي، فقد اختلف الوضع بعد قرار مجلس الأمن، حيث فُرِضَ التشتت السوداني في التعامل مع عدد من المنظمات الدولية، التابعة للأمم المتحدة.

خامسًا: تأكيد الاختلاف القائم بين الجيش والدعم السريع؛ حيث بدا بوضوح مدى تأثير قرار مجلس الأمن، على تأكيد الاختلاف بين طرفي الصراع السوداني؛ فالحكومة السودانية، العاملة تحت إمرة الجيش، التي لم تكن في الأصل على وفاق مع يونيتامس منذ بداية عملها، سارعت بالترحيب بالقرار والإعلان، بحسب بيان لها، عن “أن اعتماد قرار إنهاء ولاية البعثة، جاء استجابة لطلب السودان الذي قدمه لمجلس الأمن”.

أما الدعم السريع، فقد كان موقفه معاكس تماما لموقف الجيش والحكومة؛  فقد ثَمَّنَ دور البعثة في أداء مهامها، مع توجيه الشكر لها، بحسب بيان لقوات الدعم، على مجهوداتها المتعاظمة خاصة “دعمها وتسهيلها للعملية السياسية من أجل تحقيق الدولة المدنية والتحول الديمقراطي المنشود”.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن قرار إنهاء بعثة يونيتامس، من جانب مجلس الأمن، يُعبر عن انسحاب المجلس انسحابًا تكتيكيًا، ليُدخل السودان في إطار من الوصاية الأممية؛ فضلًا عن إلقاء تبعات الملف على عاتق المنظمات الإقليمية والقارية، كالاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد، لحل الأزمة عبر التوافق مع طرفي الصراع على تفاهم سياسي.

وبذلك، فإن القرار 2715 لا يعني سوى “تهديد أممي مُبطن” من جانب المنظمة الدولية، خاصة أن المبعوث الجديد للأمم المتحدة، سوف يُقدم إفادات حول الوضع السوداني كل 120 يومًا، بما يؤكد على دخول السودان تحت الملاحظة، إن لم تكن الوصاية، الدولية؛ بما يعني أن عدم امتثال طرف الصراع السوداني لمبادرات حل الأزمة، يترتب عليه آثار من بينها اعتبار أن ما يجري في السودان يُمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.

وفي هذه الحال، لا يكون هناك من احتمال سوى الانتقال إلى شكل أممي أكثر فاعلية؛ أي دخول السودان تحت إطار البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات بالتدخل العسكري الدولي، في السودان.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock