رؤى

إشكالية الأقليات في ليبيا.. الأمازيغ نموذجًا

خلال مشاركته في حفلٍ نظّمه المجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا، بمناسبة إحياء رأس السنة الأمازيغية (2974) بحضور عددٍ من الوزراء والسفراء المعتمدين لدى ليبيا، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، السماح للأمازيغ بتسمية مدارسهم وأبنائهم، بأسماء أمازيغية بشكل رسمي في مناطقهم؛ في خطوة هي الأولى في تاريخ البلاد.

وكما يبدو، فإن ثمة محاولة من جانب رئيس حكومة الغرب الليبي، في التقارب مع الأقليات في ليبيا، وخصوصًا الأمازيغ؛ حيث تأتي هذه الخطوة بوصفها توجها جديدا من جانب الدبيبة، اعتمادًا على عدد من العوامل المتشابكة، من أهمها: محاولة الدبيبة استرضاء الأمازيغ، والتوجه إلى كسب أصواتهم كونهم أقلية نافذة، في مناطق الغرب الليبي.

إلا أنه رغم هذه العوامل التي يعتمد عليها الدبيبة في التوجه إلى المكون الأمازيغي، فإن هناك عدد من الاحتمالات المتوقعة، بخصوص مستقبل العلاقة بين الدبيبة وحكومته.. والأمازيغ.

ضمن أهم العوامل الدافعة لتوجه الدبيبة إلى التقارب مع المكون الأمازيغي.. يبدو العاملان التاليان:

يأتي الاحتقان المتصاعد شعبيًا وسياسيًا، ضد حكومة عبد الحميد الدبيبة، خاصة بعد دمج مديريات الأمن، وكذا بعد تغيير تبعية بعض المؤسسات التعليمية في المناطق الأمازيغية، إلى الدرجة التي أصبح فيها بعض البلديات الأمازيغية يُهدد بالتوجه إلى الانضمام لحكومة أسامة حماد، المنافسة لحكومة الدبيبة.. يأتي هذا وذاك مؤثرا رئيسا في توجه الدبيبة إلى الأمازيغ، ومحاولة التقارب معهم، كأقلية مهمة في الغرب الليبي.

واللافت، أن الاصطفاف السياسي في ليبيا، الذي يحاوله الدبيبة في المنطقة الغربية، لم يأت فقط نتيجة هذا التوجه من بعض بلديات الأمازيغ؛ ولكن أيضا بعد الانضمام الفعلي لبعض البلديات، التي تضم أمازيغ، لمعسكر “الرجمة” الذي يقوده المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي.

ومن ثم، فقد استطاع الدبيبة بهذه الخطوة أن يُنهي الخلاف العميق، حول حقوق المكونات الاجتماعية وأبرزها حقوق الأمازيغ؛ محاولا بذلك رفع رصيده السياسي بالنسبة لهذه المكونات، وتحديدًا في المنطقة الغربية من البلاد.

من جانب آخر، محاولة توظيف أصوات الأقلية النافذة في غرب ليبيا؛ حيث يحاول الدبيبة، عبر قضية الأسماء، “توظيف” الأمازيغ سياسيًا؛ بل واستمالتهم إلى جانبه، في محاولة لإعادة العلاقات وكسب ود المناطق الأمازيغية، بعد حالة التوتر التي انتابت العلاقات بينهما، في نوفمبر الماضي، بسبب الصراع بين الحكومة والأمازيغ بشأن إدارة منفذ “رأس جدير” البري مع تونس، ومحاولة وزارة الداخلية نشر قواتها لإحكام السيطرة على المعبر، قبل أن يتدخل المجلس الرئاسي ويُعيد قوات الداخلية إلى أماكنها.

وبالتالي، يبدو إن الإجراءات المُعلن عنها، من جانب عبد الحميد الدبيبة، بخصوص قضية الأسماء الأمازيغية، تأتي في سياق محاولة استقطاب أصوات الأمازيغ، حيال رؤية الدبيبة وحكومته لمسألة التسوية السياسية في البلاد؛ وهدفه في الترشح على منصب الرئاسة، في الانتخابات الليبية، في حال انعقادها.

احتمالات متوقعة

ثمة عدد من الاحتمالات المتوقعة، أو التي يمكن توقعها، بشأن مستقبل العلاقة بين أقلية الأمازيغ في ليبيا، وبين حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، في الغرب الليبي.. أهمها ما يلي:

أولًا: الاحتمال المتعلق بـ”خفوت التوتر” بين المكون الأمازيغي والدبيبة؛ فبالرغم من أن هناك أطراف داخل حكومة الوحدة الوطنية، في العاصمة طرابلس، ترى ضرورة السيطرة الأمنية والعسكرية على غرب البلاد عمومًا، وعلى معبر “رأس جدير” البري مع تونس بشكل خاص، الذي يُسيطرعليه الأمازيغ، وكذلك على معبر ذهيبة وازن، وهما المعبران الحدوديان بين ليبيا وتونس؛ إلا أن خطوة الدبيبة، بخصوص مسألة الأسماء الأمازيغية سوف تدفع إلى تراجع، إن لم يكن خفوت، التوتر في غرب البلاد.

وفي ما يبدو، فقد أدى فشل حكومة الدبيبة في منع أمازيغ ليبيا من الانفراد بإدارة معبر رأس جدير، ورد فعلهم الحاد والغاضب؛ بل وتحذير الدبيبة من إمكانية اندلاع “حرب” في المنطقة الغربية؛ هو ما دفع الدبيبة إلى تخفيف التوتر مع الأمازيغ، ومحاولة كسبهم كـ”كتلة” مجتمعية مهمة في أي استحقاق سياسي قادم.

ثانيًا: الاحتمال الخاص بـ”التوجه” إلى التحالفات الميدانية في الغرب؛ إذ بعد الخطوة الرسمية الأولى في تاريخ ليبيا، بإعلان الهوية الأمازيغية من خلال الأسماء، للمواليد والمدارس في مناطقهم، فمن المتوقع أن ينجح الدبيبة في استمالة المكون الأمازيغي، والتوجه إلى تكوين ما يُشبه “التحالف الميداني” معهم في المنطقة الغربية.

فالمعروف، أن الأمازيغ لهم تشكيلات عسكرية تابعة لهم، وهو ما بدا بوضوح في أزمة معبر رأس جدير، في نوفمبر الماضي، مع حكومة الدبيبة؛ حيث تمركزت قوات الأمازيغ على طول منطقة طوق مدينة زوارة، من مليته شرقًا إلى رأس جدير غربًا؛ بل واستطاعت قوات الغرفة العسكرية زوارة “السيطرة عسكريًا وبشكل تام على قرية رأس جدير”، بحسب ما أعلنته “قناة الأمازيغ” حينذاك.

وبالتالي، من المحتمل أن يتكون تحالف ميداني، بين الميليشيات العسكرية التابعة لحكومة الدبيبة، وميليشيات الأمازيغ؛ أو في الحد الأدنى التنسيق العسكري بين هذه الميليشيات جميعها، من قبل الدبيبة.

ثالثًا: الاحتمال المتمحور حول “تواصل” تمديد تحالفات الجيش الليبي في الغرب؛ فمع محاولات الدبيبة في التقارب مع المكون الأمازيغي، إلا أن الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، يحاول من جهته التمدد عبر عدد من التحالفات، مع بعض التشكيلات المسلحة، في المنطقة الغربية؛ عبر محاولة استغلال خشية الأمازيغ من استغلال الدبيبة إحكام السيطرة على المنطقة الغربية.

وهنا، يأتي التحالف بين قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، والقائد العسكري البارز في غرب ليبيا أسامة جويلي، ضمن المسكوت عنه في أسباب توجه عبد الحميد الدبيبة نحو المكون الأمازيغي؛ فهذا التحالف يُثير مخاوف حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، بإمكانية فقدان السيطرة على بعض المواقع في غرب البلاد، بما في ذلك مناطق الأمازيغ.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة يحاول صناعة ما يمكن تسميته تحالفا سياسيا في ليبيا، وتحديدًا في المنطقة الغربية، حيث العاصمة الليبية طرابلس، وحيث مناطق المكون الأمازيغي، الكتلة الأهم بعد المكون العربي، من حيث العدد ومن حيث التأثير.

إذ، تأتي خطوة الدبيبة في السماح للأمازيغ بتسمية مدارسهم وأبنائهم، بأسماء أمازيغية بشكل رسمي، في مناطقهم؛ مكسبًا مهمًا لهذا المكون الليبي من جانب، وفي الوقت نفسه مكسبًا مهمًا لأحد أطراف الصراع الليبي، الدبيبة وحكومته، كونه استطاع النجاح في صناعة رد قوي على انضمام بعض البلديات التي جزء من سكانها أمازيغ، إلى جانب قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، وحكومة شرق ليبيا، حكومة أسامة حماد.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock