في الخامس عشر من فبراير الجاري، وقَّعت الحكومة الصومالية والولايات المتحدة، اتفاقا لتعزيز قدرات القوات المسلحة الصومالية، في حربها ضد حركة “الشباب” الإرهابية؛ وهو الاتفاق الذي يقضي بزيادة الدعم الأمريكي للقوات الصومالية عمومًا، ولواء القوات الخاصة “دنب”، الذي يُمثل “رأس الحربة” في الحرب الصومالية على الإرهاب.
وفضلا عن التوتر الإقليمي الذي تسبب فيه الاتفاق المبدئي، بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، لتأسيس قاعدة عسكرية وميناء إثيوبي عند مداخل البحر الأحمر الجنوبية؛ يأتي الاتفاق في وقت يواجه فيه الصومال خطر تمدد العمليات الإرهابية، من جانب حركة الشباب.
تتعدد الدوافع التي يستند إليها الاتفاق الأمريكي الصومالي، بشأن التدريب العسكري الأمريكي للقوات المسلحة الصومالية.. وذلك كما يلي:
من جانب، محاولة تأكيد التواجد العسكري في الصومال؛ إذ لا تزال إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، تعمل على تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في القارة الأفريقية عمومًا، وفي منطقة القرن الأفريقي والصومال بوجه خاص. وقد قضى اتفاق التدريب العسكري الأمريكي للقوات الصومالية، بإنشاء “خمس” قواعد عسكرية جديدة، في مشروع يسعى إلى تعزيز قدرات الجيش الصومالي؛ والأهم تأكيد التواجد العسكري الأمريكي في الصومال.
وتأتي هذه القواعد العسكرية الأمريكية في توقيت يشهد فيه الصومال زيادة في وتيرة العمليات التي تُنفذها حركة “الشباب”، وبالتزامن مع الانسحاب التدريجي لبعثة حفظ السلام، التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال؛ بما يدل على ما يتمتع به الصومال -في الرؤية الأمريكية- من أهمية جيوسياسية وأمنية، عند مداخل البحر الأحمر الجنوبية، فضلا عن كونه مُنتجًا مُحتملًا للنفط والغاز، في ضوء الاكتشافات الجديدة في البلاد.
من جانب آخر، تنامي الاهتمام الأمريكي بالصومالي؛ حيث يبدو التحول في السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة جو بايدن تجاه الصومال؛ عما كان عليه الحال في إدارة دونالد ترامب، الذي كان قد أصدر قرارا، في 4 ديسمبر 2020، يقضي بسحب القوات الأمريكية من الصومال. وهذا التحول، الذي تنتهجه إدارة بايدن، يتبدى عبر اتفاق التدريب العسكري، خاصة لقوات لواء “دنب” الذي شُكّل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014.
والمُلاحظ، أن اتفاق التدريب العسكري الأمريكي للقوات الصومالية، يأتي في وقت يتوافق مع خطة جو بايدن، التي استجاب فيها لطلب وزارة الدفاع الأمريكية بإعادة إنشاء قاعدة عمليات في الصومال، قبل أكثر من عشرين شهرًا، وهي الخطة التي تدشن “وجود عسكري أمريكي صغير ومستمر” في الصومال.
من جانب أخير، تزايد الاهتمام الأمريكي بالقرن الأفريقي؛ حيث يشهد الدور الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي، اهتمامًا متزايدًا بالنسبة إلى إدارة بايدن؛ إذ تسعى هذه الإدارة إلى محاولة الانخراط الفعال في شئون القارة الأفريقية، من خلال لعب دور في حلحلة أزمات القارة المتفاقمة، ومنها جهود مكافحة حركات العنف والإرهاب، خاصة في شرق أفريقيا، وما تفرضه من تداعيات لها تأثير سلبي على المصالح الأمريكية.. فمنذ أعلنت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه الدول الأفريقية جنوب الصحراء، من جانب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في عاصمة دولة جنوب أفريقيا بريتوريا، في الثامن من ديسمبر 2022؛ تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تأكيد وجودها بوصفها قوة عظمى، داخل القارة السمراء عمومًا، وفي منطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص.
ويُمثل هذا التوجه الأمريكي تحولًا عن سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي سمحت توجهاته، بسحب القوات العسكرية الأمريكية من الصومال، ومن القرن الأفريقي، بتزايد النفوذ الصيني في المنطقة؛ فقد عملت بكين على ملء الفراغ الأمني في الصومال، عن طريق تقديم بعض المساعدات العسكرية للحكومة الصومالية، في مارس 2022، للمُساهمة في محاربة القوات الصومالية لحركة الشباب.
أضف إلى ذلك -في ما يتعلق بالدوافع الأمريكية- تأكيد التواجد ومنافسة القوى الدولية؛ فتحركات القوى الدولية الكبرى، المُنافسة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة الصين وروسيا، تُثير حذر الولايات المتحدة ومخاوفها من تراجع دورها في الصومال والقرن الأفريقي، التي تُمثل منطقة ذات أهمية جيوسياسية متزايدة، في ظل كافة الظروف والملابسات التي تمر بها منطقة المداخل الجنوبية للبحر الأحمر، عند باب المندب.
ففي مواجهة التحركات الروسية للبحث عن موطئ قدم، في شرق أفريقيا، والبحر الأحمر؛
وفي مواجهة تزايد النفوذ الصيني في القرن الأفريقي، بعد إقامة قاعدة عسكرية لها في جيبوتي؛ تحاول الولايات المتحدة تعزيز حضورها، والعمل على كسب المزيد من النفوذ، في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وفي الصومال، في مواجهة التمدد الذي تحاوله روسيا والصين.
في هذا السياق يُمكن القول بأن تهديدات حركة الشباب في الصومال، التي تُمثل أكبر فرع لتنظيم “القاعدة” في القارة الأفريقية، قد لعبت دورًا في قرار الإدارة الأمريكية بالتحول إلى إعادة نشر بعض قواتها في الصومال؛ والتحول من أسلوب “النشر بالتناوب” إلى تواجد عسكري أمريكي “أكثر ديمومة”، أخذًا بالتوصية التي قدمتها وزارة الدفاع الأمريكية، في منتصف عام 2022.
ومن ثم، يأتي الاتفاق الأمريكي الصومالي في إطار تعزيز تسليح لواء دنب، ومحاولة تقويته، لتعزيز القدرة لديه على مواجهة حركة الشباب؛ خاصة أن هذا اللواء، الذي شُكّلَ للاستفادة من نجاحات “بعثة الاتحاد الأفريقي” في الصومال، وتولت الولايات المتحدة تدريبه، يُعتبر “رأس الحربة” في مواجهة الجيش الصومالي للحركة وعملياتها الإرهابية في الصومال؛ خاصة أن لواء دنب قد نجح في تحرير 29 بلدة وقرية صومالية من الجماعة الإرهابية، خلال الفترة 2019-2020.
وبالتالي، فإن التوافق الأمريكي الصومالي، وتوقيع الاتفاق بشأن التدريب العسكري الأمريكي للقوات المسحة الصومالية، وخصوصًا لواء “دنب”، يأتي في إطار “مُقاربة استراتيجية” أمريكية لإعادة تأكيد تواجدها في الصومال، وفي منطقة القرن الأفريقي؛ في محاولة منها لمواجهة التمدد الروسي والصيني، في شرق أفريقيا وجنوب البحر الأحمر.
ومن المرجح، خلال الفترة المقبلة، أن يتزايد النشاط الأمريكي على ساحة القرن الأفريقي، في محاولة لإعادة بناء نفوذ واشنطن، خاصة بعدما خسرت زمام المبادرة لصالح منافسيها الرئيسيين في أفريقيا، الصين ورسيا. إذ، تستند المحاولة الأمريكية إلى رغبة واشنطن في إعادة هندسة علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وفي مقدمتها الصومال، عبر تكثيف تواجدها العسكري الذي يأتي تحت عنوان “محاربة الإرهاب”.