رؤى

هل تتحقق “الهدنة”.. بين طرفي الصراع في السودان؟

بعد ما يُقارب عاما من الصراع العسكري المستمر في السودان، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2724، حول “وقف إطلاق نار شامل وفوري ودون شروط مسبقة”، في الحرب الدائرة في السودان، بين الجيش والدعم السريع. ويُعد هذا القرار -في الأصل- مشروعا بريطانيًا، صُوِّتَ عليه، وحظي بموافقة 14 عضوًا من أعضاء مجلس الأمن، وامتناع روسيا عن التصويت.

وقد تضمن القرار دعوة مجلس الأمن إلى وقف لإطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، في ظل تدهور الأوضاع في البلاد، حيث بات ملايين الأشخاص من السودانيين مهددين بالمجاعة. هذا إضافة إلى دعوة القرار طرفي الصراع بالسماح في “وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق”؛ مع إظهار القرار “قلق المجلس” من الحالة الإنسانية المتدهورة في السودان، التي تجاوزت حقوق الإنسان، بما في ذلك “العنف الجنسي”.

اللافت، أن ثمة عدد من الملامح الأولية التي يؤشر إليها قرار مجلس الأمن رقم 2724، بشأن “الهدنة الرمضانية” في السودان.. أهمها ما يلي:

من جانب، يبدو دخول مجلس الأمن فعليًا على خط الأزمة؛ حيث تكمن أهمية قرار مجلس الأمن، ليس فقط في أن قرارات المجلس أقوى كثيرًا من البيانات، الصحافية والرئاسية، من حيث كونها تخضع للتصويت، وتُمثل وثائق رسمية؛ ولكن أيضا، وإضافة إلى ذلك، فإن صدور القرار كان ـ تقريبًا ـ بالإجماع، خاصة أن امتناع روسيا عن التصويت لا يُمثل رفضًا للقرار، مثلما يكون عليه الحال في استخدام حق النقض “فيتو”.

ولعل هذا ما يعني أن القرار يأتي بمثابة “نقلة نوعية”، في تعاطي مجلس الأمن مع الأزمة في السودان. إذ يُعد قرار مجلس الأمن هو الأول من نوعه، الذي يتصل بالأزمة السودانية. فقد كان المجلس قد اكتفى من قبل، بإصدار “ثلاثة” بيانات صحافية بخصوص الصراع العسكري؛ لكن هذه هي المرة الأولى التي يُصدر فيها مجلس الأمن قرارا بشأن الحرب.

من جانب آخر، تبدو حقيقة عدم إلزامية القرار لأي من طرفي الصراع؛ فالقرار لا يبدو مُلزمًا لأطراف الصراع في السودان، بالتوقف عن إطلاق النار؛ ومن ثم سوف يواجه القرار عددًا من العقبات على الأرض، من منظور افتقاده لـ”صفة الإلزام”، لأنه صدر تحت “الفصل السادس”، وليس “الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يضع عقوبات على من يخالف قرارات مجلس الأمن الدولي.

رغم ذلك، يطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة “رفع تقارير للمجلس عن مدى تنفيذ القرار”؛ وبالتالي ربما يتخذ المجلس خطوات أُخرى في حال عدم تنفيذ القرار. أضف إلى ذلك، أن صدور القرار بالأغلبية التي تُقارب الإجماع، هي مسألة مهمة، من حيث اعتباره “منصة أساسية” في تولي المجلس الاهتمام بالأزمة السودانية.

في إطار تلك المؤشرات الواقعية، جراء صدور قرار مجلس الأمن، يُمكن توقع عدد من الاحتمالات الخاصة بإمكانية تنفيذ القرار، من عدمها.. أهمها ما يلي:

من جهة، تأتي شروط الجيش عائقا أمام تنفيذ الهدنة؛ إذ لم يتوقف الجيش عند حدود إعلان الترحيب إعلاميا بقرار مجلس الأمن؛ لكن الغريب أنه أعلن عن مجموعة من الشروط، قبل تنفيذه لهذه الهدنة، أهمها انسحاب الدعم السريع من العاصمة الخرطوم، وإقليم دارفور، وولاية الجزيرة، ومناطق كردفان. وكما أعلن مساعد قائد الجيش، ياسر العطا، في حديث له في ولاية كسلا، الأحد 10 مارس، لا بد أن تتجمع هذه القوات من الدعم السريع، في ثلاثة معسكرات بالعاصمة الخرطوم، وثلاثة أخرى في إقليم دارفور، مع تسليم الأسلحة الثقيلة لديها.

وكما يبدو، فهذه تُمثل شروطا تعجيزية يصعب معها الوصول إلى هدنة شهر رمضان، التي يُطالب بها قرار مجلس الأمن؛ حيث يضع الجيش ألغامًا في مسار المفاوضات التي تدفع باتجاهها قوى دولية وإقليمية.

وكما يبدو، فإن الهدنة، أو وقف إطلاق النار في شهر رمضان، تبعًا لقرار مجلس الأمن، ليست في مصلحة الجيش، خاصة أن قوات الدعم السريع تبدو في حالة “إنهاك وضعف”؛ فضلًا عن تأثير ضغوط الرأي العام العسكري في الجيش، التي تلتقي عند عدم الموافقة على هدنة، قبل تحرير الجزيرة والخرطوم، خاصة بعد انتصارات الجيش المتتالية في أم درمان.

من جهة أخرى، تأتي وضعية الدعم عائقا أمام تنفيذ الهدنة؛ ولعل ذلك يبدو بوضوح، وإن بشكل غير مباشر، في حديث يوسف عزت، المستشار السياسي لقائد الدعم السريع، الذي أكد على أن “الجيش اختار خيار الحرب، ولذلك يتهرب من طلب مجلس الأمن بوقف إطلاق النار”، مُشيرًا إلى أن “منبر جدة لم يتوصل إلى اتفاق، وما ظلوا يرددونه عما يسمونها الأعيان ومنازل المواطنين المدنيين هي مجرد أوهام لا صحة لها”؛ بما يعني التأكيد على أن الدعم السريع، سيواصل الحرب، طالما أن الجيش “اختار خيار الحرب”.

فمن منظور أن قيادة الدعم السريع ربما تفقد السيطرة على قواتها، بصورة كاملة أو جزئية، في حال وافقت فعليا، على الهدنة وشروط الجيش؛ فإنها لن تستطيع إعلان الموافقة على هذه الشروط، التي أعلنها الجيش، لأنه سيكون بمثابة استسلام للدعم السريع، وقواته وقيادته. لذلك، لن يكون بمقدور قيادة الدعم السريع الموافقة، بل وحتى سحب مُقاتليها من المواقع المدنية، خاصة في ولاية الجزيرة السودانية.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن قرار مجلس الأمن رقم 2724، بخصوص وقف الحرب في السودان خلال شهر رمضان، لن  ينفذه من قبل الجيش ومن جانب قوات الدعم السريع أيضا، في ظل ما أعلن عنه من شروط الجيش، وفي ظل عدم موافقة الدعم السريع على هذه الشروط.

وبكلمة، فإذا كان مجلس الأمن جادًا في وقف الصراع العسكري، كان عليه إصدار قرار رسمي، تحت الفصل السابع، أو على الأقل إصدار القرار مصحوبًا بالعقوبات، التي سوف تفرض في حال عدم الالتزام بقرار المجلس.

وبالتالي، لا يكون من المتوقع، في ظل “استنفاذ الخيارات” التي كانت مرشحة للحل، سوى اللجوء إلى “الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة؛ بحكم أنه “في ظل الواقع الإقليمي الحالي المضطرب، والمجاور للسودان، يمكن أن تصبح حرب الخرطوم تُمثل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين”. وهو الاحتمال المتوقع في قادم الأيام.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock