رؤى

عوامل نجاح تشكيل حكومة موحدة.. في ليبيا

 

 

بناءً على دعوة أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، لـ”ثلاثة” من القيادات الليبية، خرج الاجتماع الذي استضافته الجامعة بالقاهرة بالتأكيد على “تشكيل حكومة موحدة جديدة، تُشرف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا”، بعد الخلافات السياسية التي عانت منها البلاد، طوال ما يُقارب عقد من السنين.

ردود فعل متعددة، أثارها اللقاء الذي حضره الثلاثي الليبي، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، بالإضافة إلى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. ورغم الترحيب الإعلامي، المحلي والإقليمي، بمُخرجات الاجتماع، فقد اعتبره البعض “اجتماع غير مكتمل” بسبب غياب أطراف رئيسية مؤثرة في الأزمة الليبية، أهمها رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وقائد الجيش الوطني الليبي؛ خاصة أن غياب هذه الأطراف يُمكن أن يُعرقل التوصل إلى اتفاق حقيقي، يُخرج البلاد من أزمتها والوصول إلى الانتخابات المنتظرة.

ورغم التباين في ردود الأفعال، ورغم دخول الجامعة على خط الأزمة الليبية، بعد سنوات طويلة؛ إلا أن مجموعة من العوامل الدافعة، والمؤثرة، يُمكن أن تُمثل محددات رئيسة في نجاح تشكيل حكومة موحدة جديدة في ليبيا.

فالاجتماع الذي شهدته أروقة الجامعة العربية، بالقاهرة، وإشادة الأمين العام للجامعة بأن “مُخرجات الاجتماع جاءت أفضل مما كان يتوقع”؛ إنما تأتي في إطار اختراق حالة الجمود السياسي المتواصلة على الساحة الليبية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

بل، إن نتائج اجتماع القاهرة، وهذا هو الأهم، يُمثل أيضا اختراقا للتعثر الذي أصاب مبادرة عبد الله باتيلي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الذي دعا إلى لقاء لتجاوز النقاط الخلافية، يضم “صالح وتكالة والمنفي”، إضافة إلى “قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس الحكومة منقضية الولاية عبد الحميد الدبيبة”. ولعل اختراق حالة الجمود السياسي المستمرة، والمتواصلة، إضافة إلى عوامل أُخرى، يُمكن أن يُساهم في التوصل إلى تشكيل حكومة موحدة، تكون قادرة على إنجاز الانتخابات في ليبيا.

هذا من جانب.. من جانب آخر، هناك التوافق السياسي حول تشكيل الحكومة؛ فالاجتماع الذي حضره صالح وتكالة والمنفي، يأتي في إطار التوافق على إمكانية تشكيل الحكومة الجديدة؛ خاصة وأنه يأتي تحت رعاية الجامعة العربية، ويأتي في الوقت نفسه، عبر التوافق الحاصل بين “ثلاثة” من القيادات المؤثرة على الساحة السياسية في ليبيا. وكما يبدو من خلال البيان الصادر عن الاجتماع، فإن التوافق كان على “تشكيل لجنة فنية… للنظر في التعديلات المناسبة”، بخصوص تشكيل الحكومة.

أضف إلى ذلك، الاتفاق حول بنود عمل الحكومة الموحدة؛ إذ، يُعد من أبرز نقاط التوافق في اجتماع القاهرة، هو الاتفاق على بنود عمل الحكومة الجديدة، والتي يأتي في مقدمتها “توحيد السلطة التنفيذية”، من منظور أنها “ركن أساسي” من أركان الدولة الليبية. بالإضافة إلى ذلك، فقد اُتفق على تشكيل لجنة فنية خلال فترة زمنية محددة، للنظر في التوسيع قاعدة التوافق، حول “ما انتهت إليه لجنة (6+6) بخصوص القوانين الانتخابية”.

وكما يبدو، سيسهم الاتفاق على بنود عمل الحكومة الجديدة، في إمكانية تشكيلها وقيامها بالمهمة الرئيسة لها، أي الإشراف على الاستحقاق الانتخابي، الرئاسي والبرلماني، وهو البند الذي تتمحور حوله الاختلافات السياسية، منذ أن أصاب الانقسام السياسي ليبيا، قبل عشر سنوات، منذ عام 2014.

صحيح أن تشكيل حكومة موحدة في ليبيا يحتاج إلى توافق أكبر، يضم جميع الأطراف الفاعلة في البلاد، من بينها الدبيبة الذي يبسط سيطرته على العاصمة؛ إلا أن التوافق الحاصل بين ثلاث من القيادات الليبية المؤثرة على الساحة السياسية، يُمكن أن يُساهم في مزيد من الضغوط، الداخلية على الأقل، على الدبيبة للتخلي عن الإصرار على الاستمرار في السلطة، وعدم تسليم الحكم إلا بعد إنجاز الانتخابات.

أيضا هناك -من جانب أخير- تأثير قرار مجلس الأمن بشأن الانتخابات؛ إذ، بحسب الأمم المتحدة، على موقعها الرسمي، في 27 فبراير الماضي، فقد أكد أعضاء مجلس الأمن على أن “الأفراد أو الكيانات ممن يهددون السلام أو الاستقرار في ليبيا، أو يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح ـ بما في ذلك عرقلة الانتخابات أو تقويضها ـ قد تدرج أسماؤهم على قوائم عقوبات مجلس الأمن”.

وإضافة إلى أن المجلس كان قد دعا إلى ضرورة “إنجاز الانتخابات الليبية في أقرب وقت ممكن”، وهدد بمعاقبة “كل من يُعرقلون العملية السياسية”؛ فإن بيان المجلس هذا، يُشكل مزيدًا من الضغوط على الدبيبة، وحكومته، خاصة أن الدبيبة لايزال مُصرًا على التمسك برئاسة حكومة الوحدة الوطنية، وعلى استمرار الحكومة في موقعها.

هذا فضلا عن إمكانية استغلال الضغط الشعبي الداخلي على الدبيبة؛ حيث يواجه رئيس الحكومة المنقضية الولاية، أكبر ضغط شعبي منذ تعيينه، في 5 فبراير 2021، خاصة بعد ارتفاع واتساع الأصوات المُطالبة بتغيير الوضع الراهن، و”تشكيل حكومة جديدة موحدة في ليبيا”.

واللافت، أن هذه الأصوات تأتي في وقت يُشكل فيه ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي، وتحديدًا في السوق الموازية، ضغطا شعبيا على الحكومة، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة التضخم. ومن ثم يأتي هذا الضغط الشعبي، خاصة في مناطق غرب ليبيا، ضمن العوامل المساعدة على، والدافعة إلى، تشكيل حكومة موحدة، وذلك في ظل رفض الدبيبة التنحي عن السلطة قبل إجراء الانتخابات.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن المُعَوِّق الأكبر أمام تشكيل “حكومة موحدة جديدة” في ليبيا، تتمثل في “الأجسام السياسية منتهية الولاية”، وفي مقدمتها حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، ويبسط من خلالها سيطرته على طرابلس، وغرب ليبيا.

ويبدو، أن اجتماع القاهرة، وإن كان يُساعد على اختراق الجمود السياسي، ويدفع إلى التوافق على تشكيل الحكومة الجديدة؛ فإن ما يُساهم، بصورة أكبر، هو “الدمج الحكومي” بين الحكومتين المتنافستين بين شرق ليبيا وغربها، بما يُمكن أن يُساعد على توافق الفرقاء الليبيين، عبر تشكيل حكومة واحدة، من رئيس ونائب رئيس، تُشَكّل من الحكومتين.

ورغم أن هذا المقترح، كان قد تقدم به المبعوث الأممي إلى ليبيا، ولم يؤخذ به؛ إلا أن اجتماع القاهرة، الذي يُمثل الأطراف السياسية الداعمة لكلا الحكومتين، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، سوف يكون خطوة في هذا الاتجاه.

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock