كشف التقرير السنوي للأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ، عن مواصلة مشاورات مكافحة الإرهاب مع شركاء الحلف، ومن بينهم المغرب؛ حيث أكد التقرير على أن “مشاورات إضافية تواصلت في عام 2023، مع شركاء حلف شمال الأطلسي، وتحديدا المملكة المغربية وأستراليا وكوريا والعراق والكويت وقطر وكولومبيا، تهم بالأساس مكافحة الإرهاب”.
وبحسب التقرير، يبرز المغرب لجهة تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، استنادًا إلى أن المغرب “الشريك الاستراتيجي في مواجهة التحديات التي تتهدد جنوب المتوسط”، حيث تجمعه مع الناتو علاقات متميزة تُغطي مجالات متعددة، سواء في إطار الحوار المتوسطي أو التعاون الثنائي.
تتبدى مجموعة من المؤشرات الدالة على اهتمام حلف الناتو بالمغرب.. أهمها ما يلي:
من جانب، حصول المغرب على صفة “حليف رئيسي لحلف الناتو؛ وهو تأكيد لما يُمثله المغرب من أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود حلف الناتو؛ وهو ما يتبدى بوضوح من خلال المجلة الإلكترونية لوزارة الخارجية الأمريكية، “ستيت ماغازين”، التي خصصت في عددها الأخير، في شهر مارس الجاري، ركن “مقال الشهر” للشراكة الاستراتيجية المغربية الأمريكية، في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب؛ حيث تطرقت المجلة إلى مناورات “الأسد الأفريقي” العسكرية، التي تُقام سنويًا بين البلدين، والتي تُعتبر “أكبر تمرين عسكري تدريبي في أفريقيا”.
واللافت، أنه منذ منتصف العام 2004، استطاع المغرب الحصول على صفة “حليف رئيسي” لحلف الناتو، من خارج الحلف، كثاني بلد عربي يتحصل على هذه الصفة بعد مصر؛ حيث أكد مجلس الأمن القومي الأمريكي حينذاك، على أن “القرار أُتخذ بالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية”. وقد ساعدت تلك العلاقات في امتلاك المغرب قدرًا كبيرًا من تراكم الخبرة في التعاطي مع الظواهر الأمنية، التي تُشكل خطرًا على أمنه الوطني، وأمن شركائه الإقليميين والدوليين.
من جانب آخر، أهمية المغرب في مبادرة “التعاون الأطلسي”؛ حيث تسعى الشراكة الأطلسية، التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 19 سبتمبر الماضي، 2023، بمشاركة “31” دولة ساحلية على المحيط الأطلسي، إلى تمكين الدول الأعضاء من توسيع نطاق التعاون متعدد الأطراف، عبر أفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، ومنطقة بحر الكاريبي، بشأن سلسلة من الأهداف المشتركة، من بينها مكافحة الإرهاب ونشاط الجماعات الإرهابية.
وقد كشفت الإدارة الأمريكية، في نهاية فبراير الماضي، 2024، عن خريطة مُحدثة لـ”34″ دولة انخرطت في مبادرتها “الشراكة من أجل التعاون الأطلسي”، بعد استضافة واشنطن، عبر تقنية الفيديو، الاجتماع الثاني لكبار ممثلي الدول الأعضاء في المبادرة، بحضور المغرب. وبحسب ما أوردته الخارجية الأمريكية، في تقرير لها، في 26 من الشهر نفسه، فإن المغرب سيقود، إلى جانب إسبانيا وأنغولا، المجموعة المُخصصة للتخطيط البحري.
من جانب أخير، مُشاركة المغرب في مناورات “حراسة البحر”؛ وتأتي هذه المشاركة المغربية كأحد العوامل المُساعدة في اهتمام الناتو بالمغرب، في إطار مكافحة الإرهاب؛ حيث شاركت القوات المسلحة المغربية، في هذا الإطار، في عملية “حراسة البحر”؛ وهي مناورات عسكرية، نظمها الحلف، في يناير الماضي، 2024، بمشاركة “ثمانية” من الدول الأعضاء، إضافة إلى المغرب، في غرب البحر المتوسط وبالقرب من مضيق جبل طارق، ضمن تعزيز القدرات العسكرية في مواجهة الأخطار الطارئة.
يبدو أن ثمة عدد من الدوافع الرئيسية التي يستند إليها اهتمام الناتو بالمغرب، وتدل عليها مجموعة المؤشرات السابقة.. أهمها ما يلي:
من ناحية، أهمية الموقع الجيواستراتيجي للمغرب في غرب أفريقيا؛ فإضافة إلى تشديد الحلف على أهمية المملكة المغربية، شريكًا وحليفًا رئيسيًا من خارج الحلف، فقد أوضح التقرير السنوي للحلف أن هذه الأهمية تعود، في أحد جوانبها، إلى الموقع الجيواستراتيجي الذي يتمتع به المغرب. إذ أكد التقرير على أن “شراكة حلف الناتو قوية في شمال أفريقيا، خاصة في ظل استمرار الحوار المتوسطي”، وهي المشاورات التي تُعد فيها الرباط فاعلًا مهمًا.
وكما يبدو، تُشكل منطقة غرب وجنوب البحر الأبيض المتوسط مركز الثقل، في استراتيجية الحلف لمكافحة الإرهاب في أفريقيا؛ فالتطورات في هذه المنطقة تمس بشكل مباشر المصالح الأمنية للحلف الذي يربطه برنامج شراكة مع المغرب كبلد متوسطي. بل، كان لافتًا أن المغرب، مع الجارة الجنوية له موريتانيا، يتمتع بـ”المكانة المُهمة”؛ حيث أكد التقرير على أنه “بالنظر إلى أهمية منطقة الساحل للمنطقة الأورو-أطلسية، فإن الحلف واصل العمل مع الرباط ونواكشوط ومختلف الجهات الإقليمية والدولية”.
من ناحية أخرى، تنامي تحركات الجماعات الإرهابية في الساحل وتزايد نشاطها؛ حيث إن حلف شمال الأطلسي يُراهن بقوة، على جعل المغرب في قلب المعادلة الأمنية للحلف، في تأمين الفضاء المتوسطي والأوروبي؛ وذلك على خلفية المخاطر الأمنية الناتجة عن تمدد نشاط التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية، في عدد من الدول والفضاءات الجغرافية، خاصة دول الساحل والصحراء الأفريقية.
بل، إن تنامي تحركات الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، تجعل المكون المؤسساتي المغربي، في نظر الناتو، فاعلًا أساسيًا في مواجهة هذا التهديد المتصاعد؛ إذ تسببت تلك الجماعات في تحويل منطقة الساحل إلى واحدة من أبرز بؤر الإرهاب، على مستوى العالم، من خلال ما شهدته الأعوام الثلاثة الأخيرة، من توسع ملموس في أنشطة تلك الجماعات وتنامي أنشطتها.
من ناحية أخيرة، تراكم الخبرة لدى الأجهزة الأمنية المغربية؛ فهذه الخبرة التي راكمتها الأجهزة الأمنية في المغرب، جعلت من الرباط لاعبًا محوريًا في مواجهة التهديدات الأمنية، وتمدد الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي؛ وذلك عبر ما استطاع المغرب تحقيقه من إنجازات في “تصفير” الهجمات الإرهابية في البلاد، والعمل على تجفيف منابع هذا الفكر بـ”الاستباقية الأمنية”.
والمُلاحظ، أن المكانة المهمة التي يعتمدها حلف الناتو للمغرب، تأتي، إضافة إلى خبرة الأجهزة الأمنية لديه، إلى ما يُقدمه من معلومات استخبارية مُهمة للشركاء الغربيين، في إطار مكافحة الإرهاب؛ والأهم ما تتسم به هذه المعلومات من دقة و”موثوقية”، ساهمت في أوقات كثيرة في إفشال عديد من المخططات الإرهابية، بما ساهم في تأهيله للاضطلاع بدور محوري ومميز في الحوار متعدد الأطراف، في حوض البحر الأبيض المتوسط.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن المخاطر الأمنية الناتجة عن تمدد نشاط التنظيمات المتطرفة، والجماعات الإرهابية، خاصة في منطقة الساحل الأفريقي، يدفع حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى “الاهتمام المتواصل” بالمغرب. وكما يبدو، فإن توثيق العلاقات المغربية الأمريكية، يعني شراكة أقوى بين المغرب والناتو، ويعني في الوقت نفسه انخراط المغرب في استراتيجية الحلف في مكافحة الإرهاب، وتحديدًا في غرب أفريقيا.
والمتوقع، في ظل هذه المخاطر الأمنية، إضافة إلى المخاطر الأمنية التي تشكلها روسيا على دول الناتو، فضلًا عن تزايد نفوذ الصين، في منطقة الساحل والصحراء، أن استراتيجية الحلف لن تتوقف عند حدود البحر المتوسط ومناطقه المباشرة، بل ستتوسع جنوبًا خارج المنطقة المغاربية، ليُصبح العمق الأفريقي جزءًا من هذه الاستراتيجية.
