خلال الساعات القليلة الماضية استهدفت القوات البحرية اليمنية- السفينة الأمريكية “توتور” بزورق مسيّرٍ وعددٍ منَ الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية.. السفينة التي خرقت الحظر ورست بأحد موانئ الأرض المحتلة أصيبت إصابات بالغة، وهي على وشك الغرق بحسب بيان القوات اليمنية التي أعلنت فيه أيضا استهداف مدينتي أسدود وحيفا بالأرض المحتلة؛ بعمليتين بالتعاون مع فصائل عراقية.. تأتي تلك الهجمات متزامنة مع الذكرى الخمسين لحركة 13 يونيو الناصرية التصحيحية بقيادة إبراهيم الحمدي، وهي حركة وطنية إصلاحية حملت على عاتقها مهمة إنقاذ اليمن من حالة العجز والفوضى الشاملة التي عمّت البلاد.
في صباح الخميس الموافق 13 يونيو 1974، تقدّم “رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني باستقالته للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس الشورى، والذي رفعها ومعها استقالته إلى نائب القائد العام المقدم إبراهيم الحمدي، وفي غياب القائد العام المقدم محمد الإرياني ورئيس الأركان حسين المسوري، اللذين كانا خارج البلاد”.
في خطبته التي أعقبت صدور قرارات الحركة بإلغاء المجلس الجمهوري وحلّ مجلس الشورى وإلغاء القيادة العامة للقوات المسلحة، وحل “الاتحاد اليمني”، التنظيم السياسي الوحيد في البلاد، وتجميد الدستور- قال الحمدي: ” أستطيع أن أقول وبكل سعادة بأنه لم ترَق قطرة دم واحدة، ولم يدخل شخص السجن، ولم يتعرض أمن البلاد لأي هزات”.
لقد كانت الحركة تعبيرا عن “حاجة شعبية وإرادة سياسية وطنية عامة”. سعيا من جانب قادتها إلى العبور باليمن من “دولة القبيلة إلى مشروع دولة الوطن” إلا أن حجم التحديات التي واجهت الحركة كان هائلا، ولم يكن في استطاعتها الصمود أمام أعداء الداخل والخارج الذين رأوا فيها امتدادا لنهج عبد الناصر في اليمن، وهو النهج الذي أدى إلى تحرير اليمن من قبضة الإمامية التي كانت أداة في يد الرجعية العربية التي تلقت ضربة موجعة بإعلان الجمهورية اليمنية في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962.
كان الجيش اليمني بأقسامه الثلاث: القوات النظامية وقوات الاحتياط و”الجيش الشعبي” هو عماد الحركة التصحيحية، وبالرغم من أن الجيش كان “يعيش أزماته الذاتية التكوينية، والتنظيمية الخاصة بعد عملية تدمير منظمة وممنهجة لقواه وتراكيب وحداته العسكرية المختلفة” إلا أنه بادر بتلك المحاولة تعويضا للغياب الكامل للمنظمات السياسية ذات البنية الحزبية التي تستطيع تنظيم الشارع وتوجيهه نحو تحقيق مصالح الشعب.
انصبت جهود الحمدي على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة هي: إرساء قواعد الدولة المركزية الوطنية الحديثة، والتنمية الاقتصادية الاجتماعية، وتحقيق الوحدة اليمنية بين الجنوب والشمال. بالإضافة إلى محاربة الفساد السياسي والمالي الذي كان مجلس الشورى أحد أكبر دعائمه.
ورغم أن المملكة العربية ومصر أعلنا أن الحركة شأن يمني داخلي لا يجب على القوى الدولية التدخل فيه؛ إلا أن الأولى ما لبثت أن تدخلت بدواعي المصالحة بين الحمدي والأحمر.. لكن انتهاج الحركة لساسة خارجية مستقلة، والتقرب لليمن الجنوبي بعد إيقاف الحملات الدعائية ضد نظام عدن، واستقبال سالمين في صنعاء – أزعج السعوديين واستعداهم على الحركة، خاصة بعد توقيع اتفاقية “قعطبة” الوحدوية في فبراير 1977، والتي “تضمنت تعزيز التعاون الاقتصادي وتنشيط التبادل التجاري وتوحيد المناهج الدراسية” بين شطري اليمن.. وأخيرا مماطلة الحمدي في التوقيع على تجديد اتفاقية الحدود مع السعودية التي كان لها أكبر الأثر في تعجيل القرار بدعم العناصر القبلية المناوئة للحركة للتخلص من الحمدي الذي قضى شهيدا ليلة الحادي عشر من أكتوبر 1977، قبل يومين من موعد زيارته إلى عدن التي كانت ستكون الأولى من نوعها لرئيس من اليمن الشمالي.
جرت الجريمة النكراء في منزل أحمد حسين الغشمي، عندما حلّ الحمدي ضيفا على الغداء.. والغريب أن أيا من التحقيقات لم تُجر للكشف عن المتورطين ومن خلفهم من القوى الإقليمية.. ودُفن الشهيد إبراهيم الحمدي في مقبرة الشهداء بالعاصمة اليمنية صنعاء.. لكن اليمن العظيم لا ينسى أبناءه المخلصين مهما مر الزمن.