أخي الحبيب أبا إبراهيم..
تحية طيبة وبعد..
أرفعُ إليكَ أسمى آياتِ الاحترامِ والتقديرِ والمودةِ العميقةِ.. فشخصكم الكريم يستحقُ من كلِّ حرٍّ شريفٍ أن يُنْزِلَه أعلى المنازلَ، من نفسه وقلبه وروحه.
أخانا الحبيب الذي تجسّدت فيه كل معاني البطولة؛ ليعيدَ لنا الأملَ في أمتنا العربية، ورجالها الأفذاذ الذين سطّروا بدمائِهم الذكية عبر التاريخ، أعظمَ ملاحمَ البطولةِ والفداء.. ليتحققَ بك قولُ رسولنا الأعظم، عن منبتك الكريم “…وإن أفضلَ جهادكم الرباطُ، وإن أفضلَ رباطكم عسقلان”. أرض الجهاد وموطن العصبة القابضة على جمر البطولة والاستشهاد.
أبا إبراهيم أيها المُرْتقِي إلى العلياء، بهيا ساطعا في سماء فلسطينَ الأبية.. علّك تعلم حالنا وما آلت إليه أمتنا من هوان وذلة بأكثر مما نعلم.. لكنك -الآن- تعلم يقينا أن دماءَك الغالية التي أريقت؛ ستنبت لهذه الأمة؛ غدا تسترجعُ فيه ذاكرتَها كاملةً غيرَ منقوصةٍ، وستكون حاضرا بروحك وعزمك الذي لا يلين، في إهاب ملايين من أبنائك وأحفادك، سيكونون على قلب رجل واحد.. هو لا شك أنت.
أيها الذي استرخصَ دماءَه في سبيل الله.. مجاهدا أبيا لم يعرف العدو له نظيرا، بأسا وقوة ورباطة جأش.. أيها السيدُ المترفعُ عن كل المغانم والدنايا.. أيها الطالعُ من قلب المخيم الذي صهرك معاناةً وصلابةً وتحديا.. أيها الصابرُ المحتسبُ في محبسك لعقدين من الزمان وأكثر.. أيها الهيِّن الليِّن الخشنُ المعيشةَ، المتباسطُ في أبهى صورةٍ لواحدٍ منا يكدحُ في عمله المُضْنِي ليطعمَ صغاره ويعولَ أهله.. أيها المحبُ لأبناءِ وطنه على أكمل ما تكون صورة المحب. أيها المبادرُ حتى لا يظن ظان أن خيرا أتيحَ لك فلم تدركه.. أيها الذي قدّر الله له أن يفوحَ عطرُه لحظة ارتقائه؛ ليملأَ أرجاء الدنيا؛ فتنطق الألسنة بشجاعتك وصمودك في كل البلاد.. حتى أعداؤك -وهم أحقر وأحط خلق الله-، سُخّروا مُرغمينَ لتسجيل تلك اللحظة، لتكون أمثولة للأجيال من بعدك إلى ما شاء الله.. أيها السيدُ المسوّدُ الذي أبى ربُّ العالمين له إلا أن يكونَ فاروقا لهذا الزمن، لا يحبُكَ إلا مؤمنٌ ولا يبغضُك إلا شر خلق الله.. أيها القائدُ الباقي في أمتك إلى أبد الآبدين- لا كلام في لغتنا الحبيبة -وما أغناها- يوفيك ذرةً من حقك في أعناقنا.. أحيتنا دماك من مواتنا المقيم.. أهدتنا رؤيةً ناصعةً تنفتحُ على الحقيقة الكاملة لهذا الصراع بين الحق المبين وأضل حثالات الأمم على مر العصور.. فلم يعدْ للأعمى والمتعامي حجة؛ ينكرون بها هذا النور في بهائه وقوته.
أيها البطلُ الذي أضافَ إلى البطولة معانٍ جديدة؛ بل وسجل في صفحاتها فتوحا لم يسبقه إليها أحد، شهد بها العدو في فترة الاعتقال الطويلة، وفي ساحات الوغى يوم أصليتهم نارا وأدخلتهم السعير؛ فَبِتَ لهم كابوسا يقض مضاجعهم، لترى فريقا منهم يغادرون أرضك بلا رجعةٍ، وفريقا آخر لا يغادرُ الملاجئ خوفا وهلعا، وفريقا ثالثا يَعْمُر المشافي في قمة اليأس والاكتئاب، وهو إلى الجنون أقرب.
سيدي يكفيك فخرا أنك مَحَوْتَ بطوفانك المبارك؛ رُكاما من اليأس والقنوط؛ كاد يُغرق الأمة بأسرها.. بعد أن رأينا أشباه الرجال يُهرعون من كل حدبٍ وصوبٍ للتطبيع مع العدو.. حتى ظننا أن القضية صارت في ذمة التاريخ.. فإذا بك تُعيدها إلى بؤرةِ اهتمام العالم بأسره.. ليس هذا فحسب؛ بل إن طوفانَ الأقصى أسمع غير مُسمع، حتى خرج الشباب في جامعات العالم ينتصرون للقضية، كما لم يحدث من قبل، في عمر الصراع الممتد منذ أكثر من ثماني عقود.
أبا إبراهيم الحبيب علّ كلماتي تصلُك في العلياء.. علّها تزيل عن القلب ألم الفقد.. علّها تغسلُ عن الروح ذلك الحزن.. علّها تكون اعتذارا عن الخذلان والتقصير في حق أهلنا الأبطال الصامدين في كل بقعة من بقاع الوطن الأبي.. سيدي -رضي الله عنك وأرضاك-.. طبت حيا وشهيدا ورمزا لأمتك التي طوّق جميلك عنقها؛ بل أعناقنا جميعا.. لأننا سنفخرُ يوما ما، أننا عشنا زمنك وتابعنا جهادك ورُمْنَا نصرك.. وأحببناك بصدقٍ وإيمانٍ وبصيرةٍ كما لم نحب أحدا من أبطالنا.