مع انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في 5 نوفمبر الجاري.. يحتدم النقاش حول رؤى المرشحين وبرامجهم الانتخابية، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الخارجية. ولعل من بين أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية – دور الولايات المتحدة في أفريقيا، التي تعد قارة غنية بالموارد، ولكنها تواجه تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة. في هذه الانتخابات، يبرز اسمان رئيسان: الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض، ونائبة الرئيس الحالية كاميلا هاريس، التي تسعى لتقديم رؤية جديدة للتعامل مع القضايا الدولية.
فكيف يختلف موقف كل منهما تجاه أفريقيا؟، وهل ستكون القارة في صلب اهتماماتهما الانتخابية؟.
بينما لم يكترث كثيرا كلا المرشحين للرئاسة الأمريكية، ترامب وهاريس، بالأوضاع في أفريقيا خلال حملاتهما الانتخابية؛ إلا أن أيًا منهما سيقف، في حال فوزه بالرئاسة، في مواجهة ومحاولة مجابهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد في القارة السمراء؛ بل وسيتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة، التي ستتولى مهامها في يناير المُقبل، التعامل مع جملة التحديات الأمنية والسياسية في القارة، وفي مقدمتها التوترات في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والحرب الداخلية في السودان، وتراجع الوجود الغربي في منطقة الساحل الأفريقي.
ورغم أن أفريقيا لم تحظ بأهمية كبيرة في مناقشات السياسية الخارجية، التي سبقت الانتخابات الأمريكية، إلا أن نتيجة هذه الأخيرة ستكون لها تأثيرات كبيرة على الدول الأفريقية. يتضح ذلك، عبر المفارقة بين الإهمال التاريخي للقارة الأفريقية من جانب الحكومات الأمريكية المتعاقبة، من حيث اعتبار أفريقيا مجرد “مشكلة أمنية”؛ وبين الفراغ الذي استطاعت أن تملؤه قوى دولية أخرى، منافسة للولايات المتحدة، في مقدمتها روسيا والصين.
واللافت هنا أن السياسات الأمريكية التي صِيْغَت لمواجهة المنافسين الدوليين على النفوذ في القارة، التي تتمتع بأسرع نمو سكاني في العالم، فضلا عن الموارد المعدنية الحيوية اللازمة، للتحول نحو الطاقة الخضراء.. هذه السياسات قد تعرّضت إلى عديد من الانتقادات، من جانب كثير من السياسيين الأمريكيين.
وقياسا على تجربة كل من الجمهوريين والديموقراطيين، الأمريكيين، في التعامل مع القارة الأفريقية وقضاياها، يمكن الإشارة مبدئيًا إلى تجربة دونالد ترامب، من منظور أنه كان رئيسا سابقًا للولايات المتحدة؛ وأيضا كاميلا هاريس من حيث كونها نائبة الرئيس الحالي جو بايدن.
خلال فترة رئاسة دونالد ترامب من 2017 إلى 2021، لم تكن أفريقيا على رأس أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. فقد تميزت تلك الفترة بالتوجه نحو سياسات “أمريكا أولا”، التي ركزت بشكل كبير على تقليص الالتزامات الأمريكية الخارجية، بما في ذلك تقليل الدعم المالي والعسكري للدول الأفريقية، مع التركيز على تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة للولايات المتحدة. في برنامج ترامب الانتخابي، لعام 2024، يبدو استمرار هذا التوجه القومي، حيث يظل تركيزه الرئيس على تقوية الاقتصاد الأمريكي، وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية التي يعتبرها غير عادلة.
ويمكن القول بأن ولاية ترامب السابقة، قد أظهرت سياسة اللامبالاة تجاه أفريقيا، عبر خطابات وصفات خاصة بأفريقيا مثيرة للجدل؛ لذا يكون من المتوقع أن ينتهج ترامب مبدأ “البراغماتية والواقعية السياسية”، تجاه القارة الأفريقية وقضاياها المختلفة، بما يعني التركيز على القضايا الاقتصادية والتبادل التجاري بعيدا عن مسألة المساعدات.
على الجانب الآخر، تقدِّم كاميلا هاريس رؤية مغايرة تمامًا فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، بما في ذلك العلاقة مع أفريقيا. باعتبارها أول امرأة من أصول متعددة ترشح لمنصب الرئيس في التاريخ الأمريكي، تأمل هاريس في تعزيز صورة الولايات المتحدة كقوة عالمية تلتزم بالقيم الديمقراطية، وتدعم التنمية المستدامة وحقوق الإنسان. تمثل أفريقيا بالنسبة لهاريس فرصة كبيرة لتعزيز علاقات الولايات المتحدة مع العالم النامي، وتحقيق التوازن في العلاقات الدولية في مواجهة صعود الصين وروسيا.
ويمكن القول بأنه من المرجح أن تتبنى هاريس نهجا مماثلا للرئيس الحالي بايدن، عبر محاولة الحفاظ على وتيرة ثابتة من الزيارات والرحلات الدبلوماسية لبعض الوزراء الأمريكيين، والحديث عن تعزيز الديمقراطية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية، والتأكيد على إشراك القطاع الخاص في برامج التنمية في أفريقيا؛ هذا بالإضافة إلى محاولة إقامة نوع من التحالفات الدولية، وإن بصورة غير علنية، مع بعض الدول الأفريقية المحورية في القارة.. وهو ما يختلف بالطبع مع سياسات ترامب الانعزالية.
من خلال استعراض سياسات ترامب وهاريس تجاه أفريقيا، يتضح أن هناك اختلافات جذرية في الرؤية والنهج: فمن جانب التركيز على القضايا الاقتصادية؛ بينما يركز ترامب على الصفقات الثنائية التي تحقق فوائد اقتصادية مباشرة للولايات المتحدة- تسعى هاريس إلى بناء شراكات طويلة الأمد، تعتمد على التبادل والتجارة الحرة.
أما على جانب الهجرة وحقوق الإنسان؛ يتبنى ترامب سياسات هجرة صارمة، بينما تدعو هاريس إلى نهج تعددي أكثر انفتاحا. كما تُولِي هاريس أهمية كبيرة لقضايا حقوق الإنسان في أفريقيا، في حين لم تكن هذه القضايا على رأس أولويات ترامب.
ومن جانب التعاون الدولي؛ يفضل ترامب التعامل بشكل فردي مع الدول الأفريقية، في حين تؤمن هاريس بأهمية التعاون متعدد الأطراف، وتدعو إلى تعزيز العلاقات مع المنظمات الدولية، خاصة الأمريكية، لدعم التنمية في أفريقيا.
في هذا السياق، ومع انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتضح أن مستقبل العلاقات الأمريكية الأفريقية يعتمد بشكل كبير على هوية الفائز. ففي حال فوز ترامب، من المرجح أن تستمر سياسات “أمريكا أولا”، ما قد يؤدي إلى تقليص الدور الأمريكي في أفريقيا؛ أما إذا فازت هاريس، فقد نشهد تحولا كبيرا في العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا، مع التركيز على الشراكة الاقتصادية والتبادل التجاري.
وفي نهاية المطاف، ستظل القضايا الأفريقية محورية في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في القارة. إذ، لنا أن نلاحظ، كمثال، أن الصين تتصدر قائمة الشركاء الاقتصاديين لأفريقيا، على حساب واشنطن منذ عام 2009؛ وقد سجل التبادل التجاري لبكين 282.1 مليار دولار عام 2023، في مقابل 80 مليار دولار للولايات المتحدة.