رؤى

اغتيال الصحفية المناصرة لفلسطين، مارين فلاهوفيتش.. في مارسليا

تلقت الشرطة في مدينة مارسيليا الفرنسية بلاغا الإثنين قبل الماضي الموافق 25 من نوفمبر، يفيد بالعثور على الصحافية الفرنسية مارين فلاهوفيتش بشرفة منزلها وقد فارقت الحياة.

عملت مارين في الحقل الصحفي والإعلامي منذ تخرجها قبل 14 عاما في مركز تدريب الصحفيين. كما قدمت الراحلة بوصفها مراسلة صحفية تقارير هامة من مصر ولبنان وإيطاليا، لحساب عدة جهات منها راديو فرانسا الدولي وناشيونال جيوغرافيك، وليبراسيون وريبورتير، وعملت لثلاث سنوات مراسلة صحفية في رام الله في الفترة من 2016 إلى 2019.

بعد ذلك عادت مارين إلى فرنسا ورفضت تجديد بطاقتها الصحفية اعتراضا على عدم نزاهة الإعلام الفرنسي في تناول كل ما يتعلق بجرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين.

مع اندلاع الحرب في غزّة أكتوبر 2023، حاولت مارين مرارا الدخول إلى القطاع لكنها فشلت؛ لتبقى على تواصل مع زملائها، وإرسال المساعدات والأدوية لهم.. ومواصلة تقديم حلقات بود كاست بعنوان ملاحظات دفاتر المراسل، وهي الحلقات التي كانت قد فازت بجائزة “سكام” لأفضل فيلم وثائقي صوتي لعام 2021.

عُرفت مارين فلاهوفيتش بمناصرتها للقضية الفلسطينية، كما سخّرت خبراتها في إخراج الأفلام الوثائقية في عمل عن جرائم حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غَزَّة، وهو الفيلم الذي لم ير النور بعد اغتيال مارين التي تشير العديد من الدلائل إلى أن وفاتها لم تكن طبيعية، وإنما اغتيال مدبر.

المريب في الأمر أن الشرطة الفرنسية سارعت إلى نفي أن تكون الوفاة جنائية، حتى قبل تشريح الجثة.. وإن كان الأرجح أن تكون فلاهوفيتش قد سُمِّمَتْ على نحو ما، وفي هذه الحالة لا يُستبعد أن تُكيَّف الحالة على إنها انتحار!

يعيد مشهد اغتيال مارين إلى الأذهان مشهد اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في الحادي عشر من مايو 2022، على يد الإجرام الصهيوني الذي يواصل اغتيال الصحفيين إلى اليوم على مرأى ومسمع من العالم أجمع.. فقد وثّقت منظمة حرية الصحافة النسائية خلال العام الحالي، مقتل ما لا يقل عن 24 صحفية، بما في ذلك 10 صحفيات فلسطينيات قُتلن خلال الهجمات الإسرائيلية على غزة.

بعد أن أسفر الغرب عن وجهه الأشد قبحا؛ بتأييد الكيان المؤقت في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على غزّة، وبعد إدانة قادته من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وإصدار مذكرتي اعتقال لنتانياهو وجالانت، وبعد الحراك الشعبي الواسع في الغرب، خاصة في أوساط الطلاب- لم يعد لدى الاحتلال سوى التمادي في مخططاته المدعومة أمريكيا، في التوسع في عمليات الاغتيال بالتزامن مع استهداف المدنيين لعزل شمال القطاع بشكل كامل.

ومع دخول فصل الشتاء ستزداد الأمور صعوبة، وسيصبح من العسير الاستمرار في القطاع بعد الفشل التام في تحقيق أيٍ من أهداف الحرب، ورغم أن المقاومة لم تُقصِّر في نشر مشاهد الإخفاق الصهيوني المجسدة في سقوط المئات من جنوده كالذباب وتدمير آلياته ومعداته بصورة غير مسبوقة- إلا أن حقائق عديدة يسعى عدد كبير من الصحفيين الاستقصائيين للوصول إليها، ستكشف عن حجم الخسارة التي حاقت بالعدو على مدى أربعة عشر شهرا؛ ومدى الإجرام الصهيوني في استهداف المدنيين، خاصة النساء والأطفال- ما يعني سقوط كافة الأقنعة التي حاول الاحتلال التجمل بها وخداع العالم منذ قيام الدولة العبرية قبل ستة وسبعين عاما.. وهو ما يفسر جنون العدو في استهدافه للصحفيين والإعلام بشكل عام منذ فترة طويلة.

يفطن قادة الكيان المؤقت إنهم خسروا الحرب على المستوى الإعلامي؛ خسارة لا يمكن تعويضها في الوقت الراهن؛ لأن التوثيق الدقيق للجرائم الصهيونية يقف حائلا أمام كل محاولات الكذب والتضليل التي أدمن العدو استخدامها على مدى عقود.. لذلك فهم يوجهون جهودهم في هذا الشأن لإسكات صوت الإعلام الحر الذي فضح إجرامهم غير المسبوق، وجعلهم في أسوأ صورة أمام العالم كله.

مارين فلاهوفيتش ليست الصحفية الأولى التي تغتالها يد الغدر الصهيونية، وربما لن تكون الاخيرة؛ لكن المؤكد أن هذه الجريمة لن تُرهب الصحافة الحرة في العالم، والتي ترى أن من واجبها المحافظة على هذا المكسب الكبير الذي حققته في هذه الحرب بواسطة هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم انتصارا للحقيقة ودعما للفلسطينيين الذين يقفون بالصدور العارية أمام بطش الغرب “المتحضر” وأداته الوظيفية متمثلة في الكيان الصهيوني الذي أوغل في الدماء بغية البقاء، والمؤكد أنه يمضي نحو نهايته الوشيكة حسب آراء عدد كبير من مفكريه وقادته السابقين.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock