“لقد دخلت إلى قنصلية “إسرائيلية” وقدمت أوراقا للتنازل رسميّا عن جنسيتي، يجب تمزيق كل تلك الأوراق الزائفة للتخلص من هذا العار الذي يلاحقنا”.
بهذه الكلمات أعلن -أمس الخميس- الكاتب ورسام الكاريكاتير المعروف آفي شتاينبرغ تخليه رسميا عن جنسية دويلة الكيان الصهيوني.. واصفا إياها بأنها لطالما “كانت أداة للإبادة الجماعية… ومحاولة مستمرة لشرعنة الاستيطان”.
شتاينبرج المولود في القدس من أبوين أمريكيين، غادرا الأرض المحتلة عام 1993،إلى مسقط رأسهما في كليفلاند بالولايات المتحدة، ثم منها إلى بوسطن؛ بعد حصول الأب على وظيفة مدير في جامعة هارفارد- أشار في مقال نشرته صحيفة “تروث أوت” الإخبارية، إلى أن المواطنة في “إسرائيل” لم يكن لها أساس من الشرعية في يوم من الأيام؛ لأن دولة الاحتلال عملت منذ البداية على وضع قوانين “عنصرية” لإظهار التفوق العرقي “دعما لنظام عسكري هدفه الاستعماري الواضح هو القضاء على فلسطين”.
وتساءل آفي في ذات المقال، عن جدوى الاحتفاظ بتلك الجنسية التي تأسست “على أسوأ أنواع الجرائم العنيفة التي نعرفها، وعلى سلسلة متزايدة من الأكاذيب، التي تهدف إلى تبييض تلك الجرائم”.
ويبدو أن الكاتب البارز الملتزم “يهوديا” كما يُذكر عنه دائما، عاش صراعا داخليا منذ فترة طويلة؛ جعلته على خلاف مع والديه اللذين اتهمهما بالسطو على ممتلكات الآخرين، حين علم أن البيت الذي سكنته الأسرة في القدس، كان لعائلة فلسطينية هُجّرت قسريا إلى الأردن؛ ولم يُسمح لها بالعودة.
لقد وصف الابن مسلك الوالدين بأنه نفاق واضح ناتج عن “التنافر المعرفي الذي سمح لهما بالتحول إلى ليبراليين أميركيين يعارضان الغزو الأميركي لفيتنام، وفي الوقت نفسه يتصرفان كمحتلين مسلحين لأرض شعب آخر”.
ويبدو أن تعمّق هذا الخلاف هو ما اضطر الوالدين في النهاية إلى الهجرة العكسية؛ ويذكر آفي أن قراره بالتخلي عن تلك الجنسية كان بمثابة “اعتراف بأن هذا الوضع لم يكن له أي شرعية منذ البداية”. وليس قلبا لوضع قانوني كان قائما.. حسب تعبيره.
في ذات المقال.. لم يكتفِ آفي بإعلان التخلي عن الجنسية؛ بل طالبَ المتواجدين من اليهود في الأرض المحتلة أن يحذوا حذوه، بالتخلي عن تلك الجنسية، تخلصا من العار الذي يلاحقهم.. ليس هذا فحسب؛ بل دعا شتاينبرج إلى رفض التجنيد الإجباري أيضا، والعمل على مقاومة هذا الاحتلال البغيض بكل الصور. مضيفا.. أن من لا يستطيع فعل ذلك؛ عليه أن يرحل ويقاوم من الخارج.
كما دعا آفي شتاينبرج إلى هدم الجدار العازل، الذي يُمثّل رمزا للفصل العنصري، وإلى تمزيق تلك الأوراق “الثبوتية” المزيفة، من أجل تعطيل “السرديات التي تجعل هذه الهياكل القائمة على القمع والظلم تبدو مشروعة”.
وعن اليهود الأمريكيين ودورهم في رفض الممارسات الإجرامية لدويلة الاحتلال، ذكر شتاينبرج” أن ثلثي الأميركيين اليهود قالوا في استطلاع أجراه الكيان في نوفمبر الماضي: أنهم يتعاطفون مع الفلسطينيين، وقال ثلثهم إنهم يتعاطفون مع حماس على نحو خاص”.
الكاتب الذي تعرّض للاعتقال في شيكاجو العام الماضي لمشاركته في احتجاج مؤيد للفلسطينيين، نظمته حركتان يهوديتان داعمتان للفلسطينيين هما: منظمة صوت اليهود من أجل السلام (JVP) ومنظمة IfNotNow (INN) قال في هذا الخصوص “أن اليهود الأمريكيين لهم دور لا بد أن يلعبوه في تحرير فلسطين”.
وأضاف شتاينبرج أن “النضال من أجل تحرير فلسطين مرتبط بنضال حركات استعادة الأراضي الأصلية في كل مكان فضلا عن التحرر اليهودي”. وهو ما يربطه بتاريخ طويل من الاشتراكية اليهودية في أوروبا قبل الحرب.
ويشير الكاتب متعجبا إلى أولئك الذي يلوحوّن بالتوراة من القوميين المتعصبين للاستيلاء على الأرض بشكل روتيني؛ وكأنهم لا يعرفون القراءة.. لأن التوراة ليست سوى “سجل من التوبيخ النبوي ضد إساءة استخدام السلطة الحكومية”. وأضاف آفي أن “الصهيونية لا علاقة لها باليهودية أو التاريخ اليهودي”.
من المؤكد أن خبر التنازل عن جنسية دولة الاحتلال من قبل الكاتب شتاينبرج- ستكون له تداعياته الكثيرة على العدو، الذي يحاول بشتّى الطرق إخفاء حالة التشرذم وعلامات الانهيار التي يعيشها مجتمعه المصاب بكل آفات الانقسام، والمؤهل بقوة للدخول في أزمات لاحقة، ربما ستقوده إلى الاحتراب.. ستجد تلك الدعوة استجابة من الكثيرين، وستزيد من أعداد المهاجرين عكسيا، كما ستفتح الباب لمزيد من رفض الخدمة الإجبارية، كما فعل طلاب المدارس الدينية “الحريديم” الصيف الماضي، وهو ما يعني تفاقم الأزمات المؤذنة بزوال الكيان الصهيوني، وانتصار المقاومة الفلسطينية، وإن أبدى ظاهر الأمر خلاف ذلك في الوقت الراهن.