رؤى

حكومة “تقدم”.. والتساؤل حول مستقبل السودان!

رغم الدعم الذي حظي به الاتجاه العام لتشكيل “حكومة موازية”، تضم في تشكيلها مجموعة من القوى السياسية، داخل “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” السودانية، إلا أن عددا آخر من الأحزاب السياسية، ما تزال تقف في مواجهة هذه الفكرة، خوفا من التسبب في تعزيز الانقسام الفعلي للسودان.

تشهد الساحة السياسية السودانية واحدة من أكثر المراحل تعقيدا في تاريخها الحديث؛ فمع تصاعد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بدأت محاولات عديدة لتشكيل حكومة موازية، خصوصا من قِبل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”. وتثير هذه المحاولات العديد من التساؤلات حول مستقبل السودان، وإمكانية تقسيمه فِعليا إلى مناطق سيطرة مختلفة، وهو سيناريو يحمل في طياته تداعيات عميقة على الأمن والاستقرار الإقليمي.

محاولة “تقدم”

منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، في عام 2019، لم يستقر الوضع السياسي في السودان. فشل الانتقال الديمقراطي وانقسام النخبة الحاكمة بين المدنيين والعسكريين، أدى إلى انخراط البلاد في دوامة من النزاعات المتكررة. كان الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في صراع على السلطة والنفوذ، ما أدّى إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية.

وفي ظل غياب حكومة مركزية فعّالة، ظهر فراغ سياسي استغلته العديد من الفصائل السياسية والعسكرية؛ لتشكيل تحالفات ومبادرات جديدة.

وتأتي محاولات “تقدم” لتشكيل حكومة موازية، ردَّ فعلٍ على سيطرة الجيش السوداني على السلطة المركزية، والتي يعتبرها البعض غير شرعية، بسبب استئثار العسكريين بالحكم وإقصاء القوى المدنية؛ لذا تسعى “تقدم” -التي تمثل شريحة من القوى السياسية المعارضة للنظام العسكري- إلى إقامة حكومة تكون موازية للحكومة السودانية، التي تدير أجزاء واسعة من البلاد؛ خاصةً الأجزاء التي يسيطر عليها الجيش السوداني.

لكن اللافت في هذه المحاولات هو أن الحكومة المزمع تشكيلها من قِبل “تقدم”، قد تكون مقتصرة على مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه الحكومة، ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف المعلنة.

والواقع، أن فكرة تشكيل حكومة موازية، تواجه العديد من التحديات القانونية والسياسية؛ فالتشكيك في شرعية حكومة تسيطر فقط على جزء من البلاد؛ يضعف من موقفها على الصعيدين الداخلي والدولي. وفي ظل غياب إجماع شعبي حول هذه المبادرة، تبقى هذه الحكومة عرضة للانتقادات من جانب الفاعلين السياسيين، الذين يرون فيها محاولة لتفتيت السودان بدلا من توحيده.

إلى جانب ذلك، فإن تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع يعكس اعتماد “تقدم” على هذه القوات، وهي ميليشيات تثير الكثير من التساؤلات حول التزامها بالقيم الديمقراطية والمدنية؛ فهل ستتمكن حكومة مدنية من العمل تحت سيطرة قوة عسكرية؛ تتسم بتاريخ طويل من الانتهاكات؟، أم ستكون مجرد واجهة مدنية لسلطة عسكرية أخرى؟

إن محاولات “تقدم” لتشكيل حكومة موازية تُبرز العديد من السيناريوهات الممكنة لمستقبل السودان. وهنا، يبدو أن السيناريو الأكثر تشاؤما هو أن ما قد تؤدي إليه محاولات “تقدم”  تعزيز الانقسام الداخلي، حيث تصبح البلاد مقسمة فعليا بين مناطق سيطرة الجيش السوداني، ومناطق سيطرة قوات الدعم السريع. وإذا جرى هذا التقسيم، فإن السودان قد يدخل في مرحلة طويلة من الصراع المسلح بين الطرفين المتنازعين، ما سيكون من شانه تعميق الأزمة الإنسانية وتدمير الاقتصاد الوطني.

كما أن هذا الانقسام -المحتمل- يمكن أن يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي للسودان، حيث تصبح الهويات القبلية والإثنية هي العامل الحاسم في تحديد ولاءات السكان. ومع اتساع الهوة بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، قد يشهد السودان تقسيما فعليا إلى مناطق سيطرة متعددة، وهو سيناريو يحمل تداعيات خطيرة على وحدة البلاد.

وفي ظل التصعيد الحالي، يبدو أن السيناريو الأسوأ يتمثل في تقسيم السودان فعليا إلى دولتين أو أكثر. فمناطق سيطرة الجيش السوداني تتركز بشكل رئيسي في الخرطوم والمناطق الشمالية، بينما تتمتع قوات الدعم السريع بنفوذ واسع في دارفور وبعض المناطق الجنوبية. وفي حال استمرار هذا الوضع، دون تدخل دولي فعال لحل النزاع، قد يجد السودان نفسه على مسارٍ، نحو تقسيم فعلي يشبه ما حدث في دول أخرى، شهدت صراعات داخلية طويلة مثل اليمن وليبيا.

أضف إلى ذلك، أن أي محاولة لتشكيل حكومة موازية في السودان، لن تكون بمعزل عن التفاعلات الإقليمية والدولية. فالسودان، بحكم موقعه الجغرافي في منطقة القرن الإفريقي، يشكل نقطة تقاطع بين مصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية. التدخلات الخارجية في النزاع السوداني تعزز من تعقيد الوضع، حيث تسعى بعض الدول إلى دعم أطراف معينة لتحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

على سبيل المثال، قد تجد الحكومة الموازية الدعم من بعض الدول، التي ترى في قوات الدعم السريع حليفا يمكن أن يعزز من نفوذها في السودان. ومن جهة أخرى، قد تدفع دول أخرى نحو تعزيز سيطرة الجيش السوداني على السلطة المركزية، خشية من تفتيت البلاد وما يترتب على ذلك من تداعيات أمنية على المنطقة بأسرها.

من المحتمل أن يدفع تفاقم الصراع في السودان القوى الدولية والإقليمية إلى التدخل. ومع ذلك، فإن طبيعة هذا التدخل قد تتراوح بين الوساطات الدبلوماسية والضغط السياسي، إلى العقوبات الاقتصادية أو حتى التدخل العسكري المحدود. لكن في جميع الأحوال، يبقى النجاح في إعادة الاستقرار إلى السودان مرهونا بتوافق داخلي بين الأطراف المتنازعة، وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.

وبالتالي، يبقى التساؤل المطروح حول ما إذا كان السودان قادرا على تجنب التقسيم والحفاظ على وحدته.

إن استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومحاولات تشكيل حكومة موازية، يشير إلى أن البلاد تقف على مفترق طرق خطير. السيناريوهات المستقبلية تعتمد إلى حد كبير على مدى قدرة القوى السياسية في السودان على الوصول إلى حل سلمي للنزاع، وتحقيق توافق وطني شامل، وليس مجرد تشكيل حكومة موازية، بحجة الاعتراض على المكون العسكري.

في هذا الإطار.. يجب على القوى السياسية في السودان أن تدرك أن النزاع المسلح لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والتفتيت. وفي الوقت نفسه.. تحتاج القوى الإقليمية، خصوصا القوى المجاورة للسودان، وفي مقدمتها مصر، إلى اتخاذ موقف أكثر جدية وفاعلية في دعم جهود السلام في السودان، للحيلولة دون تحول النزاع إلى حرب أهلية شاملة قد تؤدي إلى تقسيم البلاد فعليا.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock