رؤى

الدولة العبرية من النبذ الدولي.. إلى الملاحقة القانونية

ما تزال تداعيات جريمة الإبادة الجماعية التي نفذها الكيان الصهيوني في قطاع غزّة على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا- تتوالى وتفعل فعلها في المحافل الدولية.. فبعد الملاحقات القانونية للجنود الصهاينة المشاركين في الجرائم ضد الإنسانية، في عدد من الدول الأوروبية واللاتينية، وحالة الذُّعر التي انتابت الأوساط السياسية في دولة الاحتلال جرّاء ذلك- أعلنت تسع دول هي: جنوب أفريقيا وماليزيا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وناميبيا والسنغال وجزر بليز- مساء يوم الجمعة الماضي تأسيس “مجموعة لاهاي” التي ستعمل وفق عدد من الآليات على إنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، ودعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتنسيق الجهود للتصدي لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.

الإعلان الذي رفعته المجموعة، وشهدته مدينة لاهاي الهولندية؛ تعهَّدت فيه هذه الدول، برفض الصمت إزاء الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال.

هذا التجمع الدولي لمناهضة السياسات والممارسات الإجرامية للكيان الصهيوني، وإدانته قانونيا- يمثّل سابقة لم تحدث من قبل منذ تأسيس دولة الاحتلال على أرض فلسطين قبل 77 سنة.

وإذا كانت كثير من الدول، تضع المعايير الأخلاقية جانبا؛ بحثا عن تحقيق مصالحها، بينما تلتزم دول أخرى الصمت إزاء الجرائم التي دأبت على تنفيذها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني- إيثارا للسلامة وخوفا من بطش الولايات المتحدة (الداعم الأول لدولة الاحتلال) فإننا اليوم نرى هذا التجمع يُرسي مبدأ المحاسبة والإدانة الدولية لكيان لم يحترم يوما الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية؛ حتى أن البعض يذهب إلى أن الدولة العبرية تربط استمرار بقائها بهذا النهج في الخروج على القانون الدولي.

الدول التسع أصدرت بيانا أعلنت فيه عزمها على دعم المحكمة الجنائية الدولية بشأن أوامر الاعتقال التي أصدرتها بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت على خلفية حرب الإبادة في غزة- خاصة وأن الولايات المتحدة كانت قد توعَّدت الجنائية الدولية بعد أن قدَّم رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول تشريعا لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية لاستهدافها إسرائيل، بينما صرّح رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري مايك جونسون أن المجلس بصدد سن تشريع تُفرض بموجبه عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية!

المحكمة الجنائية

كان المجلس المذكور قد أقر – يونيو الماضي- مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية، كما يفرض عقوبات على المحكمة إذا حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من واشنطن أو حلفائها.

تضمّن بيان مجموعة لاهاي أيضا، منع توفير أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة إلى إسرائيل في جميع الحالات التي يوجد فيها خطر واضح لاستخدام هذه الأسلحة في ارتكاب أو تسهيل انتهاكات القانون الإنساني الدولي أو الإبادة الجماعية.

كما جرى الاتفاق على منع الدول التسع رسو أي سفينة تستخدم لنقل الأسلحة أو الوقود العسكري إلى إسرائيل في أي ميناء من موانئها.

كما نص البيان المشترك على اتخاذ المزيد من التدابير الفعالة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؛ وإزالة العقبات التي تحول دون تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بما في ذلك حقه في دولة فلسطينية مستقلة، ودعوة جميع الدول لاتخاذ كل الإجراءات والسياسات الممكنة لإنهاء هذا الاحتلال.

وما تزال ردود الفعل تتوالى في أوروبا، إذ حملت تصريحات النائبة الإيرلندية في البرلمان الأوروبي كلير دالي، إدانة واضحة للاتحاد الأوروبي وحكوماته واتهمت دالي الاتحاد، بالتواطؤ مع الكيان الاستيطاني المحتل،  وتمكينه من ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزّة.

تحدّثت النائبة أيضا عن تنامي الوعي بين الشباب الأوروبي الذي بات يتشكك في المزاعم الصهيونية التي تقوم على مبدأ الحق في الدفاع عن النفس.

ربما لا يتوقف الأمر على التواطؤ مع مجرمي الحرب الصهاينة؛ لأن التوصيف الأدق لما أقدم عليه الاتحاد الأوروبي هو الشراكة الكاملة في تلك الجريمة الشنعاء؛ خاصةً إذا عرفنا أن الكيان يحصل سنويا من الاتحاد الأوروبي على مليار يورو عبر شراكات تجارية وبحثية، إلى جانب تصدير الأسلحة، إذ ارتفعت مبيعات الأسلحة لدولة الاحتلال من ألمانيا وحدها بنسبة 1000%.

أم الـ 800 مليون يورو التي ينفقها الاتحاد سنويا في التسلح على نحوٍ إضافي؛ بذريعة “تعزيز الأمن” فقد أكدت النائبة الإيرلندية أنها تُستخدم في قصف المدارس والمستشفيات بغزة ولبنان.

لن تستطيع الدولة العبرية في المرحلة القادمة الترويج لأي مواقف تستند إلى ذرائع من شأنها تبرير إجرامها غير المسبوق، وهي قد لجأت بالفعل أثناء الحرب للغة أكثر تبجحا في الاعتراف بممارساتها الإجرامية ضد الفلسطينيين، ودعهما علانية في ذلك عدد من المسئولين الأوروبيين على رأسهم وزيرة الخارجية الألمانية- باعتبار أن مبدأ المساءلة غاب.. لكن يبدو أن زمنا لم يكن يجرؤ فيه أحد على مساءلة “إسرائيل” بشأن جرائمها قد انتهى إلى الأبد.. ولا شك أن ذلك أحد نتائج معركة طوفان الأقصى الهامة.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock