رؤى

تشكيل حكومة “الدعم”.. ومستقبل الدولة السودانية

في ظل الصراع المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أعلنت الأخيرة مؤخرا عن اقتراب موعد تشكيل حكومة جديدة، موازية للحكومة التي يترأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في بورتسودان. هذه الخطوة تأتي تصعيدا جديدا في الأزمة السودانية المستعرة، وتثير تساؤلات حول تداعياتها على مستقبل البلاد ووحدتها، في ظل تنافس مستمر بين القوى السياسية والعسكرية.

فقد أحدث الإعلان عن اقتراب موعد تشكيل حكومة مدعومة من قوات الدعم السريع، و”موازية” للحكومة السودانية الموجودة حاليا، هزة عنيفة اجتاحت الأوساط السياسية والاجتماعية والعسكرية. وقد كانت أولى ارتداداتها هو انقسام تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بين مؤيد ومُعارض، ما زاد من المخاوف بخصوص اتساع الهوة بين الأطراف السياسية في البلاد، بما يمكن أن يؤدي إلى تقسيم جديد للدولة السودانية.

دوافع الإعلان

قوات الدعم السريع، التي بدأت ميليشيا تقاتل في دارفور، بأوامر من الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ثم تطورت لتصبح قوة شبه عسكرية ذات نفوذ، باتت تمثل خصما قويا للجيش السوداني؛ إلى الدرجة التي أصبح الصراع بين الطرفين معقدا، حيث يتداخل مع التوازنات القبلية والسياسية في السودان، بالإضافة إلى مصالح إقليمية ودولية مختلفة. وفي خضم هذا الوضع المتأزم، أعلنت قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية.

والواقع، أن الإعلان عن تشكيل حكومة موازية يأتي ضمن محاولات قوات الدعم السريع لتقديم نفسها بديلا سياسيا وعسكريا قويا في السودان، خاصةً في ظل فشل محاولات الحوار مع الجيش لإيجاد حل سلمي للصراع. حميدتي وقواته يرون أن تشكيل حكومة جديدة قد يمنحهم شرعية دولية وإقليمية، في مواجهة الحكومة المؤقتة التي يترأسها البرهان في بورتسودان.

أضف إلى ذلك، أن هذا الإعلان يعكس رغبة قوات الدعم في تعزيز سيطرتها على المناطق التي تسيطر عليها حاليا؛ خاصةً في العاصمة الخرطوم وأجزاء من دارفور؛ بل إن الحكومة الموازية قد تكون أداة لتأكيد النفوذ والسيطرة، خاصةً في ظل حالة الجمود السياسي الحالية، وعدم قدرة الجيش على تحقيق تقدم حاسم في الصراع الدائر راهنا.

تداعيات سياسية

بالطبع، فإن تشكيل حكومة موازية سيكون له تداعيات خطيرة على المشهد السياسي في السودان؛ فمن شأنه أن يفاقم الانقسام بين القوى السياسية والعسكرية في البلاد، ويزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية. القوات الموالية للبرهان في بورتسودان، قد ترد بتصعيد العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع في محاولة لإفشال أي جهود لتأسيس حكومة جديدة. هذا التصعيد قد يؤدي إلى حرب شاملة تدمر ما تبقى من بنية تحتية في البلاد، وتزيد من معاناة المواطنين.

من جهة أخرى، سيؤدي تشكيل حكومة مدعومة من قوات الدعم السريع، إلى تصعيد سياسي داخلي بين الفصائل المختلفة، وسيضع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني أمام اختبار صعب: هل ستدعم أيًّا من الحكومتين المتنازعتين، أم ستحاول البقاء على الحياد؟ هذا السؤال سيكون محورا للتفاعلات السياسية القادمة، وقد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات الداخلية.

أما على المستوى الإقليمي، فمن المتوقع أن يؤثر هذا الإعلان على علاقات السودان مع دول الجوار. فالسودان يواجه ضغوطا متزايدة من عدة دول إقليمية تدعمه، من أجل إنهاء الصراع واستعادة الاستقرار؛ ومن ثم فإن تشكيل حكومة موازية قد يؤدي إلى تدخلات إقليمية إضافية، حيث ستسعى كل دولة إلى دعم أحد الطرفين بما يتماشى مع مصالحها.

دولة مثل مصر، التي تدعم الجيش السوداني، قد تشعر بالقلق من هذا التطور وتعتبره تهديدا لأمنها القومي، خاصةً في ظل التقارب الجغرافي بين البلدين؛ أما دول أخرى، مثل الإمارات أو السعودية، التي لها علاقات قوية مع قوات الدعم السريع، فقد تجد نفسها في موقف صعب، ما بين دعم استقرار السودان أو دعم حليفها حميدتي.

على المستوى الدولي، قد يؤدي الإعلان إلى مزيد من الضغوط على السودان؛ فالدول الغربية والمؤسسات الدولية التي تحاول تقديم مساعدات إنسانية للسودان، قد تجد نفسها في موقف معقد، حيث سيكون عليها التعامل مع حكومة جديدة غير معترف بها دوليا. هذا التطور قد يؤدي إلى تجميد المزيد من المساعدات وتأجيل أي مبادرات دولية لحل الأزمة السودانية.

وحدة السودان

ربما تكون أخطر التداعيات لهذا الإعلان هو ما يمثله من تهديد لوحدة السودان. فالسودان، الذي يعاني بالفعل من انقسامات عرقية وقبلية، قد يجد نفسه أمام سيناريو مشابه للحرب الأهلية التي عاشتها البلاد في جنوب السودان، والتي أدت في النهاية إلى انفصال الجنوب في عام 2011.

الحكومة الموازية المدعومة من قوات الدعم السريع قد تؤدي إلى تقسيم فعلي للبلاد، حيث ستسيطر كل حكومة على أجزاء معينة من السودان. هذا التقسيم قد يؤدي إلى إعلان استقلال مناطق معينة، خاصة في دارفور التي تشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات طويلة، أو في شرق السودان الذي يعاني من توترات مستمرة.

تشكيل حكومة موازية يعني أيضا، أن البلاد قد تدخل في مرحلة من الفوضى الإدارية والقانونية؛ فالمؤسسات الحكومية ستصبح مزدوجة، وستتوزع الولاءات بين الفصائل المتنازعة. هذا قد يؤدي إلى انهيار كامل للدولة السودانية كمؤسسة مركزية، وتحولها إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها قوى عسكرية متنافسة.

احتمالات المستقبلية

على ضوء هذا الإعلان، يمكن تصوُّر عدة احتمالات لمستقبل السودان:

– احتمال التصعيد العسكري؛ فالجيش السوداني قد يرد على هذا الإعلان بتصعيد العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع، في محاولة لإنهاء نفوذها وتفادي تشكيل حكومة موازية. هذا الاحتمال قد يؤدي إلى حرب شاملة تستنزف كل الأطراف، وتزيد من معاناة الشعب السوداني.

– التقسيم وهو الاحتمال الأسوأ؛ فقد يؤدي تشكيل حكومة موازية إلى تقسيم فعلي للبلاد، حيث ستسيطر كل حكومة على أجزاء مختلفة من السودان. هذا الاحتمال قد يؤدي إلى انهيار الدولة المركزية وتفكك السودان إلى دويلات صغيرة متصارعة.

– احتمال التوصل إلى اتفاق سياسي جديد؛ إذ رغم التشاؤم السائد، قد يؤدي هذا التصعيد إلى دفع الأطراف المتنازعة نحو طاولة المفاوضات من جديد، خاصةً إذا شعرت كل من قوات الدعم السريع والجيش بأن الصراع لن يؤدي إلى نتيجة حاسمة. في ظل هذا الاحتمال، يمكن أن نرى تسوية سياسية جديدة تعيد ترتيب السلطة وتعيد البلاد إلى مسار انتقالي.

وهكذا.. يمكن القول إن إعلان قوات الدعم السريع عن اقتراب تشكيل حكومة موازية، يمثل خطوة خطيرة في مسار الأزمة السودانية المتفاقمة. هذا الإعلان قد يؤدي إلى تصعيد الصراع بين الأطراف المتنازعة، ويشكل تهديدا مباشرا لوحدة البلاد واستقرارها. في ظل هذه التطورات، يبدو أن السودان يواجه مستقبلا غامضا، حيث يبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان بإمكان السودانيين تجنب احتمالات التقسيم والحرب الأهلية، أو إذا كانت البلاد قد دخلت مرحلة جديدة من الفوضى والانقسام.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock