الضربات الأمريكية على جماعة الحوثيين في اليمن، التي أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذها، منذ السبت 15 مارس 2025، جاءت في سياق تصاعد التوترات الإقليمية والسياسية في المنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي. ومن الواضح، أن ضربات كهذه ليست مجرد أحداث عسكرية عابرة، بل تعكس استراتيجيات متعددة الأبعاد تتعلق بالتدخل الأمريكي في اليمن، والدور الإيراني، والمصالح الإقليمية والدولية.
ونعتقد أنه من المهم النظر إلى الدوافع، التداعيات، والرسائل التي يحملها هذا التحرك العسكري، خاصةً في ظل قيادة ترامب الذي عاد للبيت الأبيض في سياق سياسي داخلي وخارجي مضطرب. أضف إلى ذلك، أن هذه الضربات هي الأولى ضد الحوثيين، من جانب إدارة ترامب؛ فضلا عن اختلافها، من حيث الحجم والطبيعة والأهداف، عن كافة العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجماعة من قبل، في أثناء ولاية جو بايدن.
دوافع متعددة
كما يبدو بوضوح، تتعدد الدوافع الأمريكية من هذه الضربات..
من جهة، حماية المصالح الأمريكية في المنطقة؛ إذ إن أحد أهم الدوافع التي تفسر الضربات، هو حماية المصالح الأمريكية في المنطقة؛ حيث يُعتبر اليمن منطقة استراتيجية نظرا لموقعه الجغرافي المطل على باب المندب، وهو ممر حيوي للتجارة الدولية، بما في ذلك النفط. جماعة الحوثيين المدعومة من إيران تُشكل تهديدا مباشرا لهذه المصالح، خاصةً مع تزايد قدراتها العسكرية واستهدافها المتكرر لدول الخليج بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وبالتالي، حملت الضربات الأمريكية رسالة، مفادها أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديداتٍ تمس خطوط الملاحة الدولية، أو تهدد أمن الحلفاء الإقليميين، خاصةً السعودية.
من جهة أخرى، مواجهة النفوذ الإيراني في اليمن؛ فمن المعروف أن جماعة الحوثيين تُعتبر امتدادا للنفوذ الإيراني في اليمن، وتلقت دعما عسكريا وسياسيا كبيرا من طهران. ومع تزايد الهجمات الحوثية، خاصةً بعد ما أصبحت الذراع الوحيدة الباقية لإيران في المنطقة، ازداد الضغط على إدارة ترامب للرد بشكل مباشر على هذا التهديد. الضربات الأمريكية تُعتبر أيضا جزءا من استراتيجية أوسع، تهدف إلى كبح النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصةً بعد تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران في السنوات الأخيرة.
وبالتالي، الضربات على الحوثيين هي رسالة غير مباشرة لإيران، بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي محاولات لتوسيع نفوذها أو زعزعة استقرار المنطقة.
من جهة أخيرة، ترسيخ النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط؛ حيث إن أحد التحديات التي يواجهها ترامب، في فترة رئاسته الثانية، هو كيفية إعادة ترسيخ النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بعد سنوات من التركيز على قضايا داخلية. الضربات الأمريكية على الحوثيين تعكس رغبة إدارة ترامب في التأكيد على دور الولايات المتحدة، بوصفها قوة عسكرية ودبلوماسية رئيسة في المنطقة؛ وفي الوقت نفسه، تحذير للقوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك روسيا والصين، بأن أمريكا ما تزال تُعتبر اللاعب الرئيس في قضايا الشرق الأوسط.
أضف إلى ذلك، أن الضربات ضد الحوثيين تُعتبر وسيلة لتعزيز التحالف الأمريكي القوي مع دول الخليج، وتأكيد التزام أمريكا بالدفاع عن مصالح شركائها الخليجيين ضد التهديدات الحوثية والإيرانية.
تداعيات محتملة
تتشابك المتوقعة، أو التي يمكن توقعها، نتيجة الضربات العسكرية الأمريكية على الحوثيين..
من جانب، التصعيد العسكري في اليمن؛ إذ قد تؤدي الضربات الأمريكية إلى تصعيد النزاع العسكري في اليمن. جماعة الحوثيين، التي تمتلك قدرات عسكرية متطورة نسبيا، قد ترد على هذه الضربات بهجمات على القوات الأمريكية في المنطقة، أو على مصالح أمريكية أو خليجية أخرى. وبالتالي، هناك احتمال لتزايد التوترات العسكرية بين الولايات المتحدة والحوثيين، ما قد يُعقِّد الوضع الميداني في اليمن ويُطيل أمد الهجوم العسكري الأمريكي في اليمن.
من جانب آخر، تزايد التوتر مع إيران؛ فمن منظور أن الضربات الأمريكية على الحوثيين لن تُرضي إيران، التي تعتبر الحوثيين حليفا استراتيجيا في المنطقة، قد تسعى طهران إلى الرد بشكل غير مباشر عبر تكثيف دعمها للحوثيين. هذا احتمال، أما الاحتمال الأكثر واقعية، فإن إيران قد تلجأ إلى التهدئة؛ خاصةً أنها تعي تماما أن الأوراق التي كانت تمتلكها في العراق وسوريا ولبنان قد تآكلت فاعليتها، ولم يتبق لها سوى جماعة الحوثي؛ ومن ثم، فالتهدئة المحتملة تأتي حفاظا على هذه الورقة الضاغطة.
من جانب أخير، تداعيات على الوضع الإنساني؛ فالوضع الإنساني في اليمن بالفعل كارثي، والضربات الجوية الأمريكية قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع. استهداف جماعة الحوثيين يعني استمرار الحرب، وتدهور الأوضاع الإنسانية في المناطق التي يسيطرون عليها. لذا من المرجح أن يؤدي استمرار النزاع إلى مزيد من النزوح الداخلي، وتفاقم أزمة الغذاء والمياه في البلد الذي يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وعلى الرغم من أن الضربات قد تكون مركزة على أهداف عسكرية، إلا أن التداعيات الإنسانية ستكون حتمية.
رسائل ترامب
تبدو الرسائل التي يريد الرئيس الأمريكي ترامب أن تصل إلى الأطراف المقابلة للولايات المتحدة..
من ناحية، التأكيد على القيادة العسكرية الأمريكية؛ وهي واحدة من أبرز الرسائل التي يُرسلها ترامب من خلال هذه الضربات. ترامب، الذي يتبنى دائما خطابات القوة والعظمة الأمريكية، يُريد من خلال هذه الضربات أن يوجه رسالة إلى الداخل والخارج، بأن إدارته مستعدة لاستخدام القوة في الدفاع عن المصالح الأمريكية وحلفائها.
من ناحية أخرى، توجيه رسالة قوية إلى إيران بأن واشنطن مستعدة للرد على محاولات زعزعة استقرار المنطقة. وعلى الرغم من أن ترامب قد أعرب عن رغبته في تجنب الدخول في صراعات طويلة الأمد، إلا أن هذه الضربات تؤكد أن الولايات المتحدة ما تزال ترى في إيران خصما رئيسا في الشرق الأوسط. هذا، بالإضافة إلى الرسالة الأمريكية لدول الخليج وخاصة السعودية والإمارات، مفادها أن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بالدفاع عنهم ضد التهديدات التي تواجههم من الحوثيين ومن إيران.
من جهة أخيرة، رسالة إلى الأطراف الإقليمية والدولية؛ رسالة إلى حركة حماس في قطاع غزة، يوضحها تصريح المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي قال فيه مُخاطبا الحركة: “عليهم أن ينظروا ما فعلناه بالحوثيين، وأشجعهم على أن يكونوا أكثر عقلانية”. وبالطبع، فإن هذه الهجمات والضربات الأمريكية لا تخلو من رسائل إلى روسيا والصين، من منظور أن بكين بدأت في التواجد في المياه الإقليمية الخاصة بالبحر الأحمر، فضلا عن استمرار مساعي روسيا لبناء قاعدة عسكرية في مدينة بورتسوان السودانية.
في هذا الإطار.. يبدو أن الضربات الأمريكية على الحوثيين في اليمن، تعكس استراتيجية أمريكية معقدة تجمع بين حماية المصالح الأمريكية، مواجهة النفوذ الإيراني، وتعزيز التحالفات الإقليمية. إلا أن التداعيات العسكرية والسياسية لهذه الضربات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن. والأهم، أن ترامب يرسل عبر هذه الضربات رسائل متعددة إلى الداخل والخارج، تؤكد على القوة العسكرية الأمريكية.