تُعد جمهورية أرض الصومال، الدولة غير المعترف بها دوليا والتي أعلنت استقلالها من طرف واحد عن الصومال في عام 1991، منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة في منطقة القرن الأفريقي. تقع أرض الصومال على أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وهو خليج عدن الذي يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويشهد مرور حوالي 12% من التجارة العالمية.
في ظل هذه الأهمية الجغرافية، بدأت الولايات المتحدة في دراسة بناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، ما أثار العديد من التساؤلات حول الأهداف الأمريكية من وراء هذا التحرك والاحتمالات المستقبلية لتواجدها في المنطقة.
دوافع أمريكية
يعود الاهتمام الأمريكي المتزايد بجمهورية أرض الصومال إلى عدة دوافع، من بينها الموقع الجغرافي الاستراتيجي لأرض الصومال، والتهديدات الأمنية المتزايدة في المنطقة، والتنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي؛ بالإضافة إلى الرغبة في تعزيز الوجود الأمريكي في مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في جنوب البحر الأحمر.
فمن جانب الموقع الجغرافي الاستراتيجي؛ يبدو كأحد أبرز الدوافع لبناء قاعدة عسكرية أمريكية في أرض الصومال؛ إذ، تقع أرض الصومال على خليج عدن، الذي يُعتبر بوابة حيوية لتجارة النفط والغاز العالمية. هذا الممر البحري الاستراتيجي يعد أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، ويشهد مرور عدد كبير من ناقلات النفط والسفن التجارية.
وجود قاعدة عسكرية أمريكية في أرض الصومال، سيمكن الولايات المتحدة من حماية مصالحها في هذه المنطقة الحيوية، ويضمن لها القدرة على التدخل السريع في أي تهديدات قد تتعرض لها الملاحة البحرية في هذه المنطقة الاستراتيجية.
أما من جانب التهديدات الأمنية؛ فإن منطقة القرن الأفريقي تشهد تزايدا ملحوظا في الأنشطة الإرهابية والتهديدات الأمنية، خاصة مع وجود جماعات مسلحة، مثل حركة الشباب التي تنشط في الصومال وتهدد الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. الولايات المتحدة تُدرك أن استقرار أرض الصومال يمكن أن يلعب دورا محوريا في مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي؛ وبالتالي، فإن بناء قاعدة عسكرية هناك سيمنح واشنطن نقطة ارتكاز استراتيجية لتنفيذ عمليات “التدخل السريع” بشكل أكثر فعالية.
ثم، من جانب التنافس الدولي في القرن الأفريقي؛ تشهد منطقة القرن الأفريقي تنافسا متزايدا بين القوى الدولية، بما في ذلك الصين وروسيا، حيث تسعى كل منهما إلى تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الاستراتيجية.
الصين، على سبيل المثال، قامت ببناء قاعدة عسكرية في جيبوتي المجاورة، وتسعى لتوسيع نفوذها الاقتصادي من خلال مبادرة “الحزام والطريق”. في هذا الإطار، ترى الولايات المتحدة أن وجودها العسكري في أرض الصومال، يمكن أن يعزز موقفها في التنافس مع الصين وروسيا، ويمنع هذه القوى من السيطرة على الممرات البحرية عند مداخل البحر الأحمر.
أهداف استراتيجية
تهدف الولايات المتحدة من خلال بناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية وأمنية وجيوسياسية.
فمن جهة، تبدو حماية التجارة البحرية الدولية؛ فمن خلال بناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، ستتمكن الولايات المتحدة من “مراقبة” و”حماية” حركة السفن التجارية وناقلات النفط التي تمر عبر هذا الممر الحيوي. هذا الأمر يعتبر ضروريا للحفاظ على استقرار الأسواق العالمية، ومنع أي تهديدات محتملة قد تؤثر على التجارة الدولية، خاصة تجارة النفط المتجه إلى “أوروبا”.
ومن جهة أخرى، هناك هدف تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة؛ فمن خلال بناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، والتنافس مع القوى الدولية الأخرى مثل الصين وروسيا. هذا التواجد العسكري سيعطي واشنطن القدرة على التأثير في الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، ويمنحها ميزة استراتيجية في حالة حدوث أزمات أو صراعات في المستقبل.
من جهة أخيرة، يتمثل الهدف الأمريكي الخاص بالردع العسكري والتدخل السريع؛ إذ من خلال بناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، ستكون الولايات المتحدة قادرة على الردع العسكري والتدخل السريع، في حالة حدوث أي تهديدات للأمن الإقليمي أو المصالح الأمريكية في المنطقة. هذا التواجد سيمنح الولايات المتحدة القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية بسرعة وفعالية، سواء كانت لمكافحة الإرهاب أو لحماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
احتمالات مستقبلية
في ظل التوجه الأمريكي لبناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، هناك عدة احتمالات مستقبلية قد تشكل مسار هذا التواجد وتأثيره على المنطقة.. من بين هذه الاحتمالات:
أولا، تعزيز الاستقرار الإقليمي؛ إذا نجحت الولايات المتحدة في بناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، فإن هذا التواجد قد يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي. الولايات المتحدة قد تكون قادرة على لعب دور إيجابي في دعم الحكومة المحلية في أرض الصومال. هذا الاستقرار قد ينعكس إيجابيا على المنطقة بشكل عام، ويحد من التهديدات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها.
ثانيا، توترات إقليمية ودولية؛ حيث إن بناء قاعدة عسكرية أمريكية في أرض الصومال قد يؤدي إلى توترات مع بعض الدول الإقليمية والدولية. كل من الصين وروسيا، على سبيل المثال، قد ترى في هذا التواجد تهديدا لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وقد تتجه لتعزيز وجودها العسكري أو السياسي في المنطقة كخطوة لموازنة النفوذ الأمريكي. هذا السيناريو قد يؤدي إلى زيادة التوترات في القرن الأفريقي، ويُعقد الأوضاع السياسية والأمنية.
ثالثا، ردود فعل محلية متباينة؛ فالتواجد الأمريكي في أرض الصومال قد يواجه ردود فعل متباينة من قبل السكان المحليين والحكومة. البعض قد يرى في هذا التواجد فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية، بينما قد يعارض آخرون هذا التواجد خشية من تأثيره على السيادة الوطنية؛ فضلا عن إمكانية إثارة التوتر مع الدول المجاورة. هذه التباينات قد تؤدي إلى ظهور حركات احتجاجية أو معارضة داخلية.
وهكذا.. فإن الدوافع الأمريكية لبناء قاعدة عسكرية في جمهورية أرض الصومال، تتنوع بين الأهداف الجغرافية والاستراتيجية والأمنية، حيث تسعى الولايات المتحدة لتعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي، وحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة. الاحتمالات المستقبلية لهذا التواجد تشمل تعزيز الاستقرار الإقليمي، ولكنها قد تؤدي أيضا إلى تواترات دولية وإقليمية.