حين أغارت طائرات العدو الصهيوني على مدرسة بحر البقر الابتدائية حصدت قذائفها أرواح اكثر من ٣٠ طفلاً وطفلة، وقد صدمت هذه المجزرة أهل مصر من أقصاها إلى أقصاها.
وما كانت مذبحة مروعة بهذا الشكل؛ لتمر مرور الكرام على جنود مصر، المرابطين آنذاك على جبهة القتال على ضفة القناة، والذين كانوا مشتبكين على مدار السنوات الثلاث السابقة، فيما عُرف ب”حرب الاستنزاف” التي اُعيد من خلالها تشييد الجيش المصري في أعقاب عدوان عام ١٩٦٧.
أدركت القيادة ضرورة القيام بعمل عسكري؛ ردا على استهداف العدو للمدنيين، بل وعدم تورعه عن استهداف الأطفال، وقد واتت جنود مصر فرصة الانتقام للشهداء الصغار في شهر مايو من عام ١٩٧٠.
ويروي الفريق محمد فوزي وزير الدفاع الأسبق في مذكراته، قصة هذه العملية البطولية، فيقول: إن قوات مصرية مختارة بعناية، عبرت إلى منطقة شرق القناة في ليلة ٢٩- ٣٠ مايو ١٩٧٠، وأعدت كميناً لقوات العدو.
ثم رصدت نقطة المراقبة تحرك رتلٍ صهيوني مكون من أربع دبابات وأربعة عربات نصف جنزير، وقرر قائد الكمين المصري أن يتعرض للرتل لدى عودته.
ويضيف الفريق فوزي أنه وعند تمام الساعة العاشرة والنصف صباحا، قام الكمين المصري بمهاجمة الرتل الصهيوني “وكان هول المفاجأة كبيراً وأحدثت ذعراً لا حدود له” في صفوف الصهاينة.
ومن اللافت حقاً أن الجندي الصهيوني الذي نسجت حوله الأساطير الدعائية؛ بدت صورته على الحقيقة مناقضة لتلك الدعاية، حيث وجد عناصر الكمين المصري جندياً صهيونياً “يجري مذعوراً تجاه الملاحات بدون سلاح، ولما شعر بمن خلفه رفع يديه إلى أعلى وسلم نفسه فوراً للجندي المصري، وهو يبكي ويستعطفه ألا يقتله قائلاً باللغة العربية: لا تقتلني يا مصري، أنا شاويش مظلات”.
ورغم كثافة القصف الصهيوني فقد استطاعت هذه المجموعة إتمام مهمتها بنجاح، فقد قضت على الرتل الصهيوني وصار جنوده ما بين قتيل وجريح، وعادت المجموعة بالأسير الصهيوني إلى الضفة الغربية للقناة.
ويشير الفريق فوزي إلى أن الصهاينة جمعوا “شتات قتلاهم و ضمدوا جرحاهم، وأعادوا تنظيم رتل آخر يعود بالجرحى إلى القنطرة”.
وهنا كانت مفاجأة أخرى في انتظارهم، حيث باغتهم كمين مصري آخر عند الكيلو ٣٠، وتم تدمير الرتل بالكامل، ولم يبق منه أحد حي، وظفر رجال كتيبة ٨٣ صاعقة المصرية بأسير آخر من جنود المظلات الصهاينة، وحمله جندي مصري، وعبر به القناة سباحة حتى عاد جميع أفراد الكتيبة إلى قواعدهم سالمين.
كانت للعملية وقع الصاعقة على القيادة الصهيونية، حيث بلغت خسائر قواتهم في هذا اليوم ٣٥ قتيلاً، خلاف الجرحى ناهيك عن أسيرين في قبضة القوات المصرية، وبات هذا اليوم يعرف لدى الصهاينة باسم “السبت الحزين”.
ونقلت وكالات الأنباء عن المتحدث العسكري الصهيوني قوله، إن القوات المصرية أظهرت تخطيطا وتكتيكا متناسقا في التنفيذ خلال هجومها على الدوريتين الإسرائيليتين نتيجة للتدريب الممتاز التي تلقته.
ويؤكد الفريق فوزي في مذكراته أن الأحداث المتلاحقة وفي مقدمتها هذه العملية أثبتت “أن الجندي المصري خير جنود الأرض حقاً إذا أحسن تدريبه ورعايته”.
المصادر: محمد فوزي- “حروب الثلاث سنوات”- الكرامة للنشر والتوزيع- القاهرة – ٢٠١٦