ثقافة

حسين شفيق المصري أبو نواس الفكاهة والظُّرف

مقدمة:

يعد الشاعر حسين شفيق المصري المولود بالقاهرة عام 1882، والمتوفى عام 1948، شاعرا فكاهيا من الطراز الأول، وواحدا من أبرز شعراء الفكاهة والظُّرف في مطلع القرن العشرين، ومن خير من أجادوا بالتعبيرات المُستظرفة عن روح الفكاهة، التي تتسم بها شخصيته وتتميز بها خلاله وسماته التي عرفت عنه، وأصبحت من ابرز ملامحه الروحية والوجدانية. وقد أجاد حسين شفيق المصري بأسلوبه الفكاهي بعدة ألوان من التعبير الفكاهي، أبرزها “المشعلقات” والشعر “الحلمنتيشي” والمقطعات والأزجال، وغيرها من فنون الفكاهة والظُّرف.

كان المصري عبقريا موهوبا ذا خيال خصب، فلم يكن مجرد شاعر أو كاتب، بل كان مدرسة تلقّى عنه أبناء جيله دروسا عميقة في الأدب والشعر والفكاهة. فقد ظل طوال خمسين عاما يضحك الناس بما يخترعه من أسباب الفكاهة والنكت والإبداع. ولكنه إذا غضب لكرامته أو لوطنه انطلق قلمه يصب على خصومه شواظا من نار. وفي هذا السياق نلفت الانتباه إلى أن كتاباته الشعرية والنثرية تمثل صورة دقيقة للحياة السياسية والاجتماعية في مصر، على مدى خمسين عاما. وبسبب موهبته الفذة، في الجمع بين عدة مواهب، من صحافة وشعر وزجل ومسامر، أطلق عليه الأدباء (ألف صنف) لكن صديقه محمد عبد المنعم، أطلق عليه (أبو نواس الجديد) وذلك للتشابه في كثير من الأمور بينه وبين الشاعر العربي الكبير الحسين بن هانئ المعروف بأبي نواس. ولعل من أوجه التشابه بينهما أن كلاهما –أي أبو نواس وحسين شفيق المصري–لم يكن من العرب الخُلَّص، فأبو نواس فارسي، وحسين شفيق المصري من أب تركي وأم يونانية. أيضا في شعرهما تشابه كبير في الميل إلى السخرية والدعابة والفكاهة، كما أن في أشعارهما رقة، ونظرات في فلسفة الحياة، وفهم دقائقها. ولقد أثارت ازدواجية حسين شفيق المصري من حيث النسب حيرة الناس، فقد كان متمكنا من اللغة العربية، وفي نفس الوقت كان أحد شعراء العامية. كما كان من أسرة ثرية، ومع ذلك كان فقيرا لأنه انفق ما ورثه عن والديه من عقار ومال. ولقد لُقِّبَ حسين شفيق المصري أيضا بلقب فارس الشعر الحلمنتيشي. ولعل موهبته وقراءته قد حددت مسيرته المهنية؛ فأتجه إلى العمل في الصحافة، واشتغل محررًا في جريدة الجوائب المصرية، ثم محررا في جريدة المنبر، ونظم قصائده الفكاهية في مجلات مثل الخلاعة والمسامير. وقد أصدر جرائد فكاهية نقدية ساخرة مثل مجلة السيف عام 1927، والأيام ، كما تولّى رئاسة تحرير مجلة الفكاهة،  أربعة عشرة عاما، وأيضا رئاسة تحرير مجلة كل شيء، والعالم التي كانت تصدرهما دار الهلال. كما ترأّس جمعيات الزجل في حقبة الثلاثينات والأربعينات. ومن هنا وصفه الكاتب الساخر محمود السعدني بقوله “حسين شفيق المصري يتدحرج طول حياته، ويتقلب في مهن كثيرة من كاتب محام إلى مصحح في الجرائد إلى زبون دائم في مقاهي القاهرة، وعلى أرصفتها الشهيرة، ومن خلال هذه المهن الغريبة استطاع العبقري أن يرى الحياة كما لم يرها أحد من قبل.

حسين شفيق المصري

وقد كتب الشاعر حسين شفيق المصري مسرحيات لفرقة الريحاني مثل: “أنست” و”أفوتك ليه” و”ريا وسكينة”. كما كتب قصصا بالعامية أشهرها “الحاج درويش” و “أم إسماعيل”. وظل يضحك الناس وهو في داخله شخص يحمل الكثير من الألم والحزن بسبب ظروف الحياة الصعبة، ورحل بعد أن ترك الكثير من قصائد الشعر الفكاهي.

الشعر الحلمنتيشي والمشعلقات أفق الإبداع:

الشعر الحلمنتيشي هو في الأصل الشعر الفكاهي أو المنولوجي، ويقال أن سبب التسمية ترجع وتعود إلى فرقة حلمنتيش، التي كتبت هذا النوع من الشعر، ويقال أن الشاعر حسين شفيق المصري هو من أطلق عليه هذا الاسم. وهذا الشعر يمثل أفق إبداع للكثير من الشعراء، فقد استخدمه حسين شفيق المصري للتعبير عن أفراح وأحزان الناس، وعن مواقف حياتية من واقع البشر. وبث من خلاله كل القيم التي تحض على الفضيلة وغيرها. وهذا النوع من الشعر ينتشر في منطقة حوض البحر المتوسط وتحديدا في السودان ومصر، وبعد ذلك انتشر في جميع الدول العربية. و الشعر الحلمنتيشي يجمع بين الألفاظ العامية والفصيحة. ويهدف إلى وصف حالة أو سلوك اجتماعي أو حتى مشاعر خاصة. ومن الشعر الحلمنتيشي ما يتم الدمج فيه بين الكلمات العربية وكلمات من لغة أخرى كالإنجليزية.

برع حسين شفيق المصري أيضا في نظم ما يسمى المشعلقات –على وزن المُعلّقات– وكان من خلالها يسخر ويعارض فواتح الأبيات في المعلقات القديمة، وينظم قصائد فكاهية على أوزان تلك القصائد المشهورة. وهذا اللون من القصائد يتطلب براعة في استخدام أسلوب يعتمد على المفارقة والسخرية، والمزج بين العامية والفصحى. وأخيرا نشير إلى أن الشعر الحلمنتيشي ظهر في الأساس لمناهضة الاحتلال البريطاني في مصر، ومحاربة الفساد الأخلاقي والسلوكي. وكان من رواده الشعراء بيرم التونسي وفؤاد حداد ومحمود غنيم.

بيرم التونسي
بيرم التونسي

الصدام بين الفن و الزعامة

لقد كان حسين شفيق المصري في أواخر حياته؛ يهاجم الاستبداد والاستغلال والجهل والخرافة بكل أنواعها وأشكالها. وتحوّل في أواخر حياته– بعد ان فقد بصره– إلى ماكينة لصنع النكات. وكان يرتاد المقاهي وهذا يعني أنه أصبح عاطلا، ولم يعد له مصدر للرزق.. فكانت النكات تدر عليه بعض النقود، وكانت مصدر رزقه الوحيد. ولعل الحدث الأهم في أواخر حياته هو الصدام العنيف مع الزعيم سعد زغلول.. هذا الصدام الذي أثبت من خلاله حسين شفيق المصري أن سلاح الفن يوازي سلاح الزعامة، بل هو أقوى في بعض المراحل. فنجد أن الجماهير التي كانت تحتشد في فناء بيت زعيم الأمة؛ لتستمع إلى خطبة الزعيم الذي تحبه، بل تعشقه.. كان كل فرد منهم يحمل في مكان ما في ملابسه نسخة من مجلة الكشكول ليقرأ بعد الانتهاء من سماع خطبة الزعيم سعد زغلول، نكات حسين شفيق المصري التي يُنكِّت فيها على زعيمهم المحبوب. أنه الفن الصادق الذي أحيانا يتفوق على الزعامة وسطوتها.

سعد زغلول
سعد زغلول

صفوة القول

كان الشاعر حسين شفيق المصري من أبرز شعراء الفكاهة والضحك في القرن العشرين، وترك ميراثا من هذا الشعر الذي عبر من خلاله عن واقع مجتمعه. خالط فيه جميع أطياف المجتمع والمهن من الكاتب إلى الفاكهاني، وترك بصمة واضحة في مجال الشعر الحلمنتيشي وأصبح يمثل مدرسة كبيرة؛ سار على نهجها من المعاصرين الشاعر ياسر قطامش والدكتور مصطفى رجب. فقد كان حسين المصري ذو أصالة وقيمة شعرية كبيرة في تحليل مشكلات مجتمعه ووضع الحلول لها من خلال الفكاهة والضحك. وهذا يمثل سلاحا فعالا في تحليل المشاكل الاجتماعية من خلال السخرية وإلقاء النِّكات، وهذا ما برع فيه حسين شفيق المصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock