حمل كتابه Life as Politics: How Ordinary People Change the Middle East (الحياة السياسية: كيف يغير الناس العاديون الشرق الأوسط)، الصادر عن مطبعة جامعة ستانفورد عام 2010، أي قبل عام واحد من اندلاع الربيع العربي، خارطة الطريق التي رسمها لهذا الربيع.
وفي أغسطس الماضي فقط، صدر كتابه المهمRevolution without Revolutionaries: Making sense of the Arab Spring (ثورة بلا ثوار: منطَقَة الربيع العربي) عن مطبعة جامعة ستانفورد أيضا.
ولد آصف بيات في إيران عام 1954، وعاصر ثورتها في ريعان شبابه، وكتب عنها باكورة كتبه Workers and Revolution in Iran (العمال والثورة في إيران) عام 1987، وأتبعه بالعديد من الكتب القيمة، على رأسها Street Politics(سياسة الشارع) 1997، وMaking Islam Democratic (دمقرطة الإسلام) 2007، وBeing Youth and Muslim (أن تكون شابا ومسلما) 2010، بالإضافة إلى كتب أخرى عديدة.
عمل بيات أستاذا لعلم الاجتماع السياسي في العديد من الجامعات، مثل جامعة كاليفورنيا وجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة لايدن بهولندا، ويعمل حاليا أستاذا لعلم الاجتماع السياسي ودراسات الشرق الأوسط بجامعة إلينوي بالولايات المتحدة.
في هذا الكتاب يخوض بيات غمار قضية شائكة بشأن آلاف نزلوا إلى الشوارع، وديكتاتوريات أسقطت؛ “لكنً ثورة حقيقية لم تحدث، أو ربما أُوقِفت مسيرتها منذ ذلك الحين إلى حين”.
في هذا السياق يؤكد بيات أن الناشطين لم يفكروا مطلقا في القيام بثورة حقيقية، على غرار الثورات الأيقونية في القرن العشرين، مثل الثورة البلشيفية في روسيا التي أطاحت بحكم القيصر عام 1917، أو الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979، أو الثورة الساندينية في نيكاراجوا التي أطاحت بالحكم الديكتاتوري لأسرة سوموزا عام 1979، أو بتعبير أدق “لم تكن ثورات الربيع العربي من النوع الذي يؤسس لتغييرات راديكالية في نظام الحكم أو في المجتمع”.
وبرغم تطور الأحداث، وإدراك البعض إمكانية الإطاحة بالأنظمة وتفكيك بنى الحكم والمجتمع، إلا أنهم لم يمتلكوا الموارد الضرورية لتحقيق ذلك، ومن ثم فقد سعوا إلى توجيه رسالة للأنظمة القائمة مفادها أن القوى الشعبية طرف أصيل في المعادلة السياسية، وذلك لممارسة الضغط من أجل الإصلاح، وليس لاقتلاعها كلية على غرار ثورات القرن العشرين وقبله.
يخلص بيات إلى أن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط في بداية العقد الثاني من هذه الألفية لم يكن ثورات “Revolutions”، بالمعنى السياسي والاجتماعي المتفق عليه، والتي تعني التحول الراديكالي في علاقات السلطة عن طريق الاحتجاجات العنيفة، وإنما كان “Refolutions”، أي حراك شعبي سلمي للضغط على الأنظمة القائمة من أجل الإصلاح.
تجدر الإشارة إلى أن مصطلح Refolutions استخدم لأول مرة عام 1994 من قبل المؤرخ البريطاني تيموثي آش لتوصيف الثورات المخملية الناعمة التي اجتاحت وسط وشرق أوربا عام 1989، والتي يراها بيات الأقرب لنموذج الربيع العربي.
رغم ذلك، لم يكن الربيع العربي مسبوقا من حيث سرعته وانتشاره وكثافته. فقد وُصف بأنه “ثورة الفيسبوك” بما حققه من استفادة كبرى من وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك لم يكن مسبوقا من حيث أنه لم يكن له قيادة كاريزمية مركزية، أو تنظيم سياسي أيديولوجي.
يمضي بيات أبعد من ذلك، إذ يؤكد أن فكرة الثورة ذاتها فقدت مصداقيتها بعد انتهاء الحرب الباردة؛ إذ حلت الأفكار النيوليبرالية محل الأسس الأيديولوجية التي قامت عليها الثورات في حقب سابقة، مثل مناهضة الاستعمار أو الاشتراكية اليسارية. ومن ثم فإن فكرة الثورة لم تكن حاضرة من الأساس في ذهنية الربيع العربي، وحل محلها فكرة التغيير من خلال المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأهلية والأحزاب السياسية، عبر آليات الإصلاح المؤسسي.
لكن تبقى المعضلة في نموذج ما اصطلح على تسميته “Refolutions” (الحراك الشعبي السلمي من أجل الإصلاح) هي إمكانية أن تتمخض عنه بدايات أخرى. فالشعوب لا تعود إلى أنماط التفكير القديمة، وإنما يتكون لديها “رصيد من البواعث الأخلاقية يمكن الاستعانة به إذا ما لاحت الفرصة مجددا؛ ما يجعلنا دائما نتوقع الأفضل”
عاش بيات في مصر 17عاما كاملة عمل خلالها أستاذا لعلم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ويؤكد أن “كثيرا ممن تحدثت معهم من أصدقائي وطلابي السابقين، الذين كانوا في قلب المشهد الاحتجاجي ومصدرا لمادة هذا الكتاب، أكدوا لي مؤخرا أن تحولا جذريا وقع في وعيهم”.
يخلص بيات إلى إن الثورة “Revolution” غالبا ما تؤدي إلى العنف والفوضى والتغيير الراديكالي و”حقبة من الإرهاب ضد هؤلاء الذين خسروا في المعركة من أجل السلطة”، لكن الحراك الشعبي السلمي الضاغط من أجل الإصلاح “Refolution” يحمل دائما “وعدا بالتغيير يقوم على الأخلاق لا العنف، والحياة لا الموت، يفضي في النهاية إلى نظام سياسي واجتماعي أكثر تعددية وأكثر استيعابا للآخر”.
والثورات العربية، من وجهة نظر بيات، ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها “ثورات طويلة الأمد”، قد تؤتي أكلها بعد عقد أو عقدين من الزمان عبر التأطير لأنماط جديدة من الأداء السياسي والاجتماعي، وآفاق جديدة للتفكير. ويضيف: “ربما يجب أن تبدأ الثورة طويلة الأمد في الوقت الذي تضع الثورة قصيرة الأمد أوزارها”.