يطمح المغرب أن تُساهم رئاسة إسبانيا للدورة القادمة للاتحاد الأوروبي، في النصف الثاني من العام الجاري، في تقوية العلاقات المغربية الأوروبية؛ إذ من المتوقع أن تسعى إسبانيا خلال توليها رئاسة الاتحاد – إلى تعزيز العلاقات مع الضفة الجنوبية للمتوسط، وفي مقدمتها المغرب الشريك الوازن خصوصا في منطقة جنوب غرب البحر المتوسط.
وبالنظر إلى التقارب الدبلوماسي والاقتصادي للمغرب مع إسبانيا، الذي بات شريكا استراتيجيًا لمدريد، بعد توقيع خارطة الطريق المشتركة، في أبريل من العام الماضي، إضافة إلى التقارب المغربي مع معظم العواصم الأوروبية خلال العامين الماضيين؛ فإن الرئاسة الإسبانية للاتحاد، على صغر فترتها الزمنية – ما بين الأول من يوليو ونهاية ديسمبر- ستساهم في حلحلة تحديات مشتركة، بما في ذلك التهديدات الإرهابية والحركات الانفصالية التي تُغذي الإرهاب، وكذلك القضايا المتعلقة بالهجرة والتنمية.
مكاسب متعددة
تضع الرباط نُصب أعينها عددا من المكاسب، التي يمكن أن تحصل عليها خلال رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا؛ فضلا عن المستوى الأمني الذي يُنتظر أن تُساهم فيه الرباط بقدرٍ ليس بالقليل.. وذلك كما يلي:
فمن جانب، المُساندة الأوروبية للطرح المغربي للصحراء؛ ضمن أهم المكتسبات التي تنتظرها الرباط من رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي، هي ما تُمثله هذه الرئاسة من فرصة مهمة لدفع دول أخرى داخل الاتحاد، لمُساندة الطرح المغربي حول قضية الصحراء الغربية؛ خصوصًا أن دولا أوروبية كبرى، مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا، قد أيدت الطرح المغربي حول “الحكم الذاتي” لحل النزاع في الصحراء.
صحيح أن إسبانيا راجعت موقفها، بخصوص الصحراء الغربية، وفقًا لمصالحها المرتبطة بـ”ترسيم الحدود” البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، مع المغرب، سواء على الواجهة الأطلسية أو المتوسطية، وما سيكون لها من تداعيات على جزر الكناري وسبتة ومليلية.. إلا أن الرئاسة الإسبانية للاتحاد ستُعزز الموقف الأوروبي الداعم لحل سياسي متوافق بشأنه، وفق قرارات مجلس الأمن التي باتت تتبنى مبادرة “الحكم الذاتي” في الصحراء، بما يعني أن المغرب سيكسب نقاطا سياسية من هذه الرئاسة.
أيضا.. زيادة الدعم المالي والتقني الأوروبي للمغرب؛ إذ يُمكن لإسبانيا -وفقا لمصالحها طبعًا- أن تدافع عن الزيادة في قيمة الدعم المالي والتقني للمغرب، من طرف الاتحاد الأوروبي، خاصة في ما يتعلق بمواجهة الهجرة “غير الشرعية” إلى أوروبا، على غرار ما يقدمه الاتحاد الأوروبي إلى تركيا، والذي يتجاوز الثلاثة مليارات دولار سنويا، في الوقت الذي لا يحصل فيه المغرب إلا على مئتي مليون دولار في العام.
ولأن إسبانيا تُدرك حاجتها السياسية والاقتصادية إلى المغرب، خصوصًا في ظل النقاش الحالي حول ملفات ترسيم الحدود البحرية والإرهاب والهجرة غير الشرعية – يمكنها دفع الاتحاد الأوروبي إلى رفع استثماراته الخارجية في المغرب، للمساهمة في الجهود المغربية لتوطين المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الأفريقية، لأن توطينهم يعني توفير فرص العمل المرتبطة بالاستثمارات، كما يعني توفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
كذلك، تعزيز العلاقات الاقتصادية الأوروبية مع المغرب؛ حيث إن “الواقعية السياسية” التي دفعت مدريد إلى الاعتراف بالمبادرة المغربية لحل النزاع الصحراوي، سيجعل من إسبانيا نافذة أوروبية لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب، خصوصًا في خضم التحديات التجارية والغذائية والطاقية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
ويتأكد ذلك، ليس فقط عبر إدراك مدريد بأهمية المغرب في الجنوب الغربي للمتوسط، ولكن أيضًا من منظور أن إسبانيا، منذ عام 2012، تُعد الشريكة التجارية الأولى للمغرب، وبمبادلات تجارية وصلت، خلال عام 2021، إلى سبعة عشر مليار يورو؛ وذلك بحسب سفيرة المغرب بإسبانيا كريمة بن يعيش، في كلمتها بمناسبة حفل تقديم المجلس الاقتصادي المغربي الإسباني الجديد بمدريد، في الثالث من نوفمبر الماضي؛ والتي أكدت على أن المغرب يحتل المركز الثالث في وجهات الصادرات الإسبانية خارج الاتحاد الأوروبي، كأكبر سوق لها في أفريقيا.
وأخيرًا، التمويل الأوروبي لأنبوب الغاز المغربي النيجيري؛ حيث يمكن للرئاسة الإسبانية، الدورية للاتحاد الأوروبي – دفع الاتحاد للانخراط في تمويل وإنجاز أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا باتجاه أوروبا.
ومن الواضح أن المغرب سيحاول اقتناص فرصة الرئاسة الإسبانية في هذا الاتجاه؛ خاصة بعد رفض الجزائر طلبا أمريكيا لزيادة إنتاج الغاز لتلبية الاحتياجات الأوروبية، في ظل البحث عن بدائل للغاز الروسي.
ومن ثم، يبدو الطموح المغربي في استغلال الرئاسة الإسبانية، كـ”توقيت مناسب” للتقدم خطوات في إنجاز أنبوب الغاز “الرباط – أبوجا”؛ حيث إن هذا الأنبوب من المنظور السياسي، والجيوسياسي أيضا، محاولة “مغاربية” في التحرك صوب العمق الأفريقي. فهو سيفتح الباب أمام المغرب للدخول بقوة إلى منطقة غرب أفريقيا، من بوابة الغاز النيجيري؛ حيث يسعى المغرب ليكون ضمن مجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية.
تقاطعات مشتركة
في هذا السياق، يمكن القول بأن العلاقات المغربية الإسبانية تدخل – في هذه الآونة- مرحلة جديدة من التعاون في المنطقة المتوسطية الغربية، ومنطقة المحيط الأطسي، كمنطقة جاذبة لتفاعل دولي مهم، يضم إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب. بما يعني أن ثمة تقاطعات مشتركة بين البلدين؛ إذ مثلما يُمثل المغرب المفتاح الأهم لدى إسبانيا للدخول إلى أفريقيا، فإن إسبانيا تعتبر هي الطريق الرئيس للمغرب في الدخول إلى القارة الأوروبية.
لذلك يكون من المتوقع أن يكون هناك تعاون إقليمي ثنائي “نموذجي” بين الرباط ومدريد؛ فالمنطقة الأطلسية كمجال حيوي وأنبوب الغاز المغربي النيجيري كبعد استراتيجي، فضلًا عن تنمية العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، تُمثل جميعها مؤشرات نجاح هذا التعاون الإقليمي بين المغرب وإسبانيا؛ الذي سوف يتعزز مع رئاسة مدريد للاتحاد الأوروبي.