أعلنت رئاسة الجمهورية في بيان لها أول أمس أن رئيس البلاد قد تلقّى اتصالا هاتفيا من مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أكدت فيه “سعي الصندوق نحو مواصلة تعزيز أطر التشاور والتنسيق مع مصر؛ لإبراز شراكتهما البناءة، آخذا في الاعتبار برنامج التعاون القائم بين الجانبين”، كما جاء في نص البيان.
وقد أشادت جورجيفا بـ “الجهود الحكومية المكثفة في هذا الإطار، وما تحقق من مستهدفات اقتصادية وهيكلية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي”.
كما أثنت مديرة صندوق النقد الدولي على “ما يظهره الاقتصاد المصري من قدرة على الصمود في وجه التداعيات السلبية للأزمات العالمية المتلاحقة”.
كما أوضح البيان رد الرئيس المصري بأن “الحرص على التشاور المستمر مع مديرة صندوق النقد الدولي، انطلاقا من اهتمام مصر بدفع التعاون قُدما بينها وبين الصندوق، خاصة في ظل النهج الاستراتيجي لمصر لتحقيق التنمية المستدامة في كافة محاورها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال جذب المزيد من الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص”.
وشدد الرئيس المصري على أن الشراكة مع الصندوق تساعد في “توفير مناخ إيجابي لكافة المستثمرين وأسواق المال العالمية فيما يتعلق بأداء الاقتصاد المصري”.
وما زال الخلاف قائما بين الجانبين حول موعد المراجعة الاولية التي ستحصل مصر بموجبها على حزمة مالية تقدر بثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا، وقّع عليها في ديسمبر الماضي، وذلك في إطار تحركات مكثفة لاحتواء أزمة شح الدولار في السوق المصرية.
حسب موقع سبوتنيك عربي، تحتل مصر المرتبة الأولى عربيا والثانية عالميا في قائمة الدول الأكثر مديونية لصندوق النقد الدولي، بإجمالي ديون تبلغ نحوا من 20 مليار دولار بإجمالي ديون خارجية تتجاوز 160 مليار دولار، تستحق السداد على مدى السنوات الخمس المقبلة، بما في ذلك سندات بقيمة 3.3 مليار دولار تستحق في 2024.
وتشهد البلاد منذ فترة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، في ظل تراجع المستويات المعيشية للمواطنين والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات؛ بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية مع انتقال البنك المركزي المصري إلى نظام صرف أكثر مرونة؛ تطبيقا لتعليمات صندوق النقد الدولي.
وتفيد تقارير بأن الجنيه المصري قد فقد نحوا من 300 % من قيمته مقابل الدولار منذ 2016، في بلد يعيش ثلث سكانه البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق تقارير رسمية.
وكان بنك ستاندرد تشارترد، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، قد قدّر في تقرير له حجم الاحتياجات التمويلية لمصر خلال الأربع سنوات القادمة، بنحوٍ من 95 مليار دولار، تلزمها لسداد مدفوعاتها، بما يشكل تحديا كبيرا لقدرات مصر الاقتصادية.
وكشفت البنك البريطاني عن تغيير كبير في سعر الصرف العادل للجنيه مقابل الدولار، والذي خفّض من نحو 23.5 جنيه / دولار، إلى 31 جنيها للعام الحالي، قبل أن ينخفض إلى 30 جنيها للدولار بنهاية عام 2022، وتوقع البنك أن يواصل الجنيه التراجع أمام الدولار حتى عام 2027، إلى مستوى 32 جنيها للدولار.. وعزا البنك ذلك إلى الضغوط المستمرة على سعر الصرف بسبب الطلب الكبير والمتزايد والذي يفوق المعروض، مع انخفاض التدفقات الدولارية.
وقد حذّر ستاندرد تشارترد من مخاطر تمويل إضافية تواجه مصر خلال الفترة المقبلة، بسبب المدفوعات الكبيرة المطلوب سدادها، وموعد استحقاق السندات الخارجية، ما يقلق المستثمرين ووكالات التصنيف الائتمانية.
ويمثل انخفاض قيمة الجنيه عبئا على الديون، إذ مع توقُّع تحريك جديد في سعر العملة المحلية لنحو 38 جنيها لكل دولار؛ ستصبح نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي أعلى من 100% بنهاية يونيو 2023 مقابل 91.6% في يونيو 2022، وفق تقديرات صندوق النقد.
ويرى محللو ستاندرد تشارترد أن فوائد تخفيض قيمة العملة في الحالة المصرية، غير واضحة مع استمرار المخاطر العالمية التي تجعل الوضع الاقتصادي هشّا؛ إلا إذا ساهم ذلك في جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف المحللون أن تعزيز تدفقات العملات الأجنبية غير المرتبطة بالديون، هو مفتاح التعافي للاقتصاد المصري، وإنَ كان ذلك من خلال مبيعات الأصول وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للقطاعات الإنتاجية بوتيرة متسارعة؛ لتوفير التمويل الخارجي وإبطاء استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية وإقناع صندوق النقد بالتزام مصر بالإصلاحات المقررة.
ورفع بنك ستاندرد تشارترد، توقعاته لمتوسط تضخم مؤشر أسعار المستهلكين من 14.1% إلى 19.4% بنهاية العام المالي الجاري.
وقد عدّل بنك ستاندرد تشارترد، توقعاته بالرفع لسعر الفائدة خلال العام المالي الجاري من 13.25% إلى 19.4% المستهدف بحلول نهاية يونيو، على أن يخفض السعر في العام المالي التالي إلى 16.25%. وفيما يخص اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبلة، توقع ستنادرد تشارترد، رفع الفائدة بنحو 150 نقطة أساس.
من ناحية أخرى، لم يستبعد “بي إن بي باريبا” احتمال ضخ وديعة خليجية أخرى في البنك المركزي المصري، للمساعدة في إدارة أي تعديل مستقبلي في قيمة العملة.
كما كشف بنك الكويت الوطني، في تقرير حديث له، عن أحد أبرز التحديات التي ستواجه الاقتصاد المصري العام المقبل والتي تتمثل في سداد مستحقات الديون الخارجية مع استمرار أزمة ضغوط النقد الأجنبي.
وأفاد البنك في تقريره المعنون بـ “نمو الاقتصاد المصري يتعرض للعديد من الضغوط وسط استمرار ضعف الجنيه”، إن آجال استحقاق الديون الخارجية تظل من أبرز التحديات التي ستواجه الاقتصاد المصري العام المقبل.
وقدر البنك في تقريره الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال العام المالي المقبل 2023-2024 بنحو 16 مليار دولار.
وتوقع الكويت الوطني في تقريره، تراجع احتياطيات النقد الأجنبي على مدار العام تأثرا بتوقف صفقات الخصخصة وانعكاس ذلك على تأخير تحصيل عائدات جديدة بالعملات الأجنبية.
ورغم كثافة التقارير الصادرة بشان الاقتصاد المصري، إقليميا ودوليا- ما تزال الرؤى غائمة بشأن مستقبله الذي تتباين من حوله التوقعات سلبا وإيجابا.. مع تفاقم معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة بسبب فداحة “فاتورة” الإصلاح الاقتصادي الذي ما زالت ثماره – فعليا- بعيدة المنال!