خلال اجتماعهم في العاصمة النيجيرية أبوجا، قرر رؤساء الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” رفع جزء كبير من العقوبات عن النيجر؛ التي كانت المجموعة قد فرضتها، في أعقاب قيام مجموعة من العسكريين بالإطاحة بالرئيس محمد بازوم، في 26 يوليو الماضي، والسيطرة على الحكم في البلاد.
وجاء قرار إيكواس برفع العقوبات الاقتصادية والمالية، السبت 24 فبراير الماضي، “بأثر فوري”، بحسب رئيس مفوضية الجماعة، عمر أليو توراي؛ الذي أكد على أن قرار رفع العقوبات سيشمل “إعادة فتح الحدود والمجال الجوي للنيجر، وسيُسمح بالتعاملات المالية بين دول إيكواس والنيجر من جديد”؛ هذا بالإضافة إلى “تعليق تجميد أصول النيجر.. لأسباب إنسانية”.
وكما يبدو، فإن ثمة دوافع متعددة ساهمت بشكل واضح في قرار إيكواس، في مقدمتها يأتي التوجه الذي تتبناه إيكواس حاليًا من الدعوة إلى المُصالحة، في مواجهة سلسلة الأزمات التي تُعاني منها خلال السنوات الأخيرة.
تتعدد العوامل الدافعة إلى قرار إيكواس في رفع العقوبات عن النيجر.. ويأتي في مقدمتها العوامل التالية:
من جانب، محاولة “إيكواس” في مواجهة تشكيل تحالف “دول الساحل”؛ ففي إثر العقوبات التي فرضتها إيكواس على النيجر، في 30 يوليو الماضي، أي بعد أربعة أيام من سيطرة العسكريين على الحكم، وتحدي النيجر لهذه العقوبات، بالتشارك مع جارتيها مالي وبوركينا فاسو، أعلنت الدول الثلاث تشكيل “تحالف دول الساحل”، في سبتمبر الماضي، بعدما طلبت مُغادرة القوات الفرنسية لأراضيها، مع توجهها نحو روسيا كـ”قوة مناوئة للغرب”.
والمُلاحظ، أن تشكيل تحالف دول الساحل، مع الخطوة التي أعقبت ذلك بإعلان النية بالخروج من إيكواس، سوف يدفع دول أخرى، مثل غينيا كمثال، التي ساندت النيجر في محاولة تفادي التأثير السلبي الكبير لعقوبات إيكواس، إلى السعي للانضمام إلى التحالف الجديد؛ بما يعني احتمال تفكك التكتل الاقتصادي إيكواس. ولعل ذلك التحالف الجديد، تحالف دول الساحل، كان عامل رئيس في قرار إيكواس رفع العقوبات عن النيجر، والدعوة إلى المصالحة مع الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية.
من جانب آخر، فشل سياسة العقوبات وتجميد المساعدات، التي حاولت إيكواس من خلالهات الضغط على النيجر؛ فقد مثَّل قرار الدول الثلاث، النيجر ومالي وبوركينا فاسو، تشكيل تحالف دول الساحل، وما أعقبه من الخروج من إيكواس، انتكاسة إلى محاولة إيكواس؛ بل ودلالة على فشل سياسة فرض العقوبات وتجميد المساعدات، وفشل إيكواس في إدارة معركتها مع الدول الثلاث، التي أصبح يحكمها “أنظمة عسكرية”.
واللافت، إضافة إلى فشل سياسة العقوبات، أن تهديد تلك الدول بالانسحاب من إيكواس، بما يُهدد من مستقبل الجماعة نفسها، كان السبب في تحول سياسة إيكواس، إلى الدرجة التي قامت بـ”زحزحة” مسألة الديمقراطية، وعودة الحكم المدني إلى الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية، إلى درجة ثانية، بحث أصبحت لا تُمثل أولوية في عمل الجماعة.
ولعل ذلك ما حاول الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، الذي يتولى رئاسة إيكواس، التعبير عنه حينما قال في افتتاح القمة “يجب أن نُراجع نهجنا تجاه عودة النظام الدستوري في أربعٍ من دولنا الأعضاء”؛ في إشارة إلى كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا.
من جانب أخير، يأتي إلغاء النيجر تجريم الهجرة غير الشرعية، كـ”عامل ضغط” من النيجر على الغرب الأوروبي، ربما أكثر من الضغط على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا؛ إذ استكمالا لإصرار المجلس العسكري في النيجر، على تحدي ضغوط إيكواس، وكذلك الضغوط الغربية، عبر فرض العقوبات وتجميد المساعدات؛ أصدر المجلس في نهاية نوفمبر الماضي، مرسوما يقضي بـ”إلغاء قانون 2015″؛ وهو القانون الذي كانت حكومة النيجر قد وقعَّت عليه تحت تأثير ضغوط الاتحاد الأوروبي، للتصدي للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، عن طريق النيجر.
ولم يتوقف المجلس العسكري في النيجر، عند حدود إلغاء القانون، الذي كان يفرض عقوبات على المتورطين في مسألة الهجرة؛ ولكن أضاف، بحسب المرسوم الصادر، بإلغاء القانون وما يترتب عليه ابتداء من تاريخ صدوره في 26 مايو 2015.
وقد أظهرت رئيسة المفوضية الأوروبية للشئون الداخلية إيلفا جوهانسون، في 2 ديسمبر الماضي، القلق من الإجراء الذي اتخذه المجلس العسكري في النيجر؛ خاصة أن النيجر تشترك في حدودها مع سبع دول أفريقية، ما يجعلها ممرًا للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا، إلى كل من الجزائر وليبيا، كخطوة للهجرة عبر المتوسط.
ومن ثم، فإن قرار رفع العقوبات عن النيجر، يبدو وكأنه محاولة “استرضاء” من جانب إيكواس للنيجر، وأيضًا لكل من مالي وبوركينا فاسو، لأجل إقناع الدول الثلاث بالبقاء في التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا، الذي تأسس قبل حوالي خمسين عامًا. إذ، كانت الدول الثلاث قد أعلنت في 28 يناير الماضي، النية في الانسحاب من الجماعة.
وكما يبدو، فإن انسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو، من الممكن أن يُساهم في تقويض جهود التكامل الإقليمي لهذا التكتل الاقتصادي، في الوقت الذي يُساعد فيه على الانفصال الفوضوي، بما يؤدي إلى خسارة تدفقات التجارة والخدمات في إيكواس، التي تبلغ قيمتها حوالي 150 مليار دولار سنويًا، بحسب موقع بلومبرغ في 24 فبراير.
ولعل ذلك، ما دفع الدعوة إلى “المصالحة”، التي تبنتها إيكواس في آخر اجتماع لها، في 9 فبرير الجاري؛ عندما وجهت دعوة إلى المصالحة مع الأنظمة العسكرية في الدول الثلاث، ودعوة متوافقة معها لإعادة النظر في قرار الانسحاب.
وهكذا.. ففي هذا السياق يُمكن القول بأن رفع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، العقوبات عن النيجر، وإن كان يستند إلى مجموعة من الدوافع المتعددة، ما بين الدوافع الإنسانية والاقتصادية والجيوسياسية؛ إلا أن مثل هذا القرار، في الوقت نفسه، لن يجعل النيجر ومالي وبوركينا فاسو تعدل عن قرارها بالانسحاب من الجماعة بسهولة.
يأتي هذا اعتمادًا على أن الدول الثلاث حاولت إثبات فشل سياسة العقوبات وتجميد المساعدات؛ فضلا عن كونها تحاول أن تخرج من العباءة الفرنسية، والأوروبية عمومًا، التي لا تزال سياسة إيكواس مُتأثرة بها. وبالتالي، يبدو أن قرار رفع العقوبات، والدعوة إلى المصالحة داخل إيكواس مع الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية، يُمكن أن يُمثل “فرصة جديدة”، أو “تناول مختلف” بالأحرى، للدول الأعضاء في بناء علاقات مختلفة عما كانت عليه من قبل.