في بيان له الأحد الماضي ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن وتيرة التضخم قد زادت في فبراير المنقضي لتصل 35.7% بزيادة بلغت 6.1% عن شهر يناير على أساس سنوي، بينما بلغت الزيادة في نسبة التضخم في فبراير 11.4% على أساس شهري بزيادة كبيرة عن شهر يناير بلغت 9.2%.
كان البنك المركزي قد أعلن أن معدل التضخم الأساسي -يستثنى منه السلع الأكثر تقلبا- قد وصل إلى 35.1% في فبراير، بينما كان في الشهر السابق 29.8%.. وذلك بما يخالف توقعات بنوك الاستثمار التي حددت النسبة بـ 25.1% فقط.
تضمّن بيان الجهاز المركزي للتعبة والإحصاء تفصيلا لنسب زيادة أسعار بعض السلع الغذائية خلال فبراير على أساس شهري إذ زادت تكلفة الطعام حوالي 16% واللحوم والدواجن 25% والخبز 14.2% والألبان 12.8%، والزيوت 14.1%.
وفي محاولة لكبح جماح التضخم- رفع البنك المركزي الأربعاء قبل الماضي أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، تزامنا مع إقراره سعرا جديدا للجنيه في مقابل الدولار؛ ليصبح حوالي 50 جنيها للدولار الواحد، ليكون المركزي قد رفع أسعار الفائدة 1900 نقطة أساس خلال العامين الأخيرين؛ ليبلغ معدل الفائدة الحقيقية -معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم- سالب 8.45%.
عقب تلك الإجراءات أفرجت مصلحة الجمارك المصرية عن ما يساوي 780 مليون دولار من السلع المكدسة في الموانئ المصرية والتي تقدر قيمتها بنحوٍ من ستة مليار دولار، مع زيادة التدفقات الدولارية التي بدأت مع إبرام اتفاق مشروع رأس الحكمة مع الإمارات -24 مليار دولار تستغل في التنمية السياحية للمنطقة، بالإضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الودائع تستخدم في الاستثمار في مشاريع أخرى- والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد زادت بموجبه قيمة قرض برنامج الإنقاذ من ثلاثة مليارات إلى ثمانية مليارات.. تتسلم مصر ثلاثة منها قريبا ضمن حزمة مالية قد تصل إلى عشرين مليار دولار بالتعاون مع عدّة شركاء دوليين.
كما أُعلنَ الأسبوع الماضي أن الاتحاد الأوروبي يُعد حزمة مساعدات بـ7.4 مليار يورو لمصر، في شكل منح وقروض حتى نهاية عام 2027، يدفع منها نحو مليار يورو على الفور.
كما تقرر أن تصل بعد غد الأحد إلى القاهرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع رؤساء وزراء اليونان وإيطاليا وبلجيكا لوضع اللمسات النهائية على الاتفاق والإعلان عنه. ويأتي الاتفاق المرتقب بعد شهور من المفاوضات التي تسارعت عقب نشوب الحرب في الأرض، وسط مخاوف متزايدة من تداعيات الوضع المأساوي في قطاع غزّة، كما يتضمن الاتفاق دعم قطاع الطاقة في مصر والمساعدة في التعامل مع العدد المتزايد من اللاجئين السودانيين في البلاد، والمساعدة في تحصين حدود مصر مع ليبيا.
تلك الإجراءات التي تؤشر إلى حدوث انفراجة اقتصادية للأزمة المستحكمة منذ نحو عام – دفعت المسئولين الماليين إلى السعي لإعادة إدراج مصر في مؤشر “جيه بي مورغان” للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة الذي استبعدت منه مصر بعد عامين فقط من دخولها، بعد أن قل وزنها عن 1% على المؤشر نهاية يناير الماضي.. من المعروف أن لدى مصر 13 إصدارا من السندات المُقوّمة بالجنيه في مؤشرات المصرف الأميركي، بآجال استحقاق تتراوح بين 2024 و2030.
على جانب آخر زاد عجز الموازنة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام المالي 2023-2024 ليصل إلى 6.7% مع توقعات أن يصل العجز إلى 7% بنهاية العام المالي؛ على الرغم أن مصر حققت فائضا أوليا – الفرق بين إيرادات ومصروفات الدولة دون احتساب خدمة الدين – بلغ 193 مليار جنيه، في مقابل 41.8 مليار جنيه فقط عن نفس الفترة من العام الماضي.
فهل تشهد الشهور الأربعة المتبقية من العام المالي تحسنا حقيقيا يشعر به المواطن المصري، بعد معاناة طالت قسوتها معظم فئات الشعب؛ أم ستتجه البلاد نحو مزيدٍ من الأعباء يتحملها الفقراء دون غيرهم، تحت وطأة تراكم الديون، والتي وصل المستحق سداده منها خلال العام الحالي 2024، إلى 32.8مليار دولار، وصلت إلى 42.3 مليار دولار عقب الإجراءات الأخيرة، ويعادل هذا الرقم نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؟ وهل ستنجح القرارات الحكومية الحمائية في إنقاذ الفئات الأكثر تضررا من الإصلاحات الاقتصادية التي ساهمت على نحو كبير في اتساع رقعة الفقر في مصر؟ مع الولاية الجديدة للرئيس التي يأمل كثيرون أن تحمل رؤى اقتصادية وسياسية مغايرة في ظل تطورات الأوضاع داخليا وخارجيا.