رؤى

بعد عام على الحرب.. إلى أين يتوجه السودان؟

بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الصراع في السودان، منذ 15 أبريل الماضي، طغت اللهجة التصعيدية على الخطابات التي أدلى بها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بمناسبة عيد الفطر المبارك؛ أكد البرهان من جانبه، على “الاستمرار في الحرب” حتى إنهاء تمرد الدعم السريع، في حين أكد حميدتي أن الخيار الأوحد هو “تحقيق النصر”.

وكما يبدو، فإن الصراع الدموي في السودان، في ظل انسداد آفاق الحل السياسي سوف يستمر، دون أدنى مؤشرات على قُرب نهايته. ومن ثم، يثور التساؤل حول: هل يتحول الصراع العسكري بين الجيش والدعم السريع، إلى حرب أهلية طويلة الأمد؟.. أم ينتهي بتقسيم البلاد مرة أخرى؟.. أم ينتصر أحد أطراف الصراع، الجيش أو الدعم  السريع؟.. أم يستمر إلى أن تستنزف خيرات البلاد والعباد من السودانيين، خاصة أن  نموذج الصومال ليس ببعيد؟

ما يلفت الانتباه، أن الساحة السودانية لم تشهد تطورات كبيرة، خلال الأشهر الأخيرة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري؛ لكن رغم ذلك فقد زادت حدة المعارك مجددًا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، خاصة منذ اندلاع الحرب على غزة؛ ليس فقط في مدن العاصمة السودانية الخرطوم، الثلاث، ولكن أيضا في تمدد الصراع ليصل إلى غرب السودان.. إلى دارفور.

وتُمثل الخطوة الأخيرة تحديدًا، سياقًا مختلفًا للصراع العسكري، الذي يدخل حاليًا العام الثاني له. إذ إن تمدد الصراع بهذا الشكل يعود إلى الأوضاع الأمنية الهشة والصراع المجتمعي والقبلي في السودان عمومًا، وفي إقليم دارفور على وجه الخصوص. هذا فضلا عن الصراع بين مكونات الإقليم؛ حيث تُساند القبائل العربية قوات الدعم السريع، بينما تُساند القبائل غير العربية الحركات المسلحة والجيش، وهو ما ساهم في انتقال الصراع إلى دارفور.

ومع انتقال الصراع إلى الغرب، قامت قوات الدعم بتكثيف عملياتها العسكرية، إلى الدرجة التي تمكنت فيها من فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من دارفور؛ هذا، رغم استمرار الجيش السوداني في الحفاظ على التواجد في الإقليم. وبالتالي، يبدو أن مثل هذا التطور في ماجريات الصراع السوداني، وتزايد حدة المعارك في إطاره، إنما يُشير إلى عددٍ من الأهداف التي يحاول كل من طرفي الصراع تحقيقها، من منظور محاولة نقل الصراع إلى دارفور.

بالنسبة إلى الجيش السوداني، فهو يستهدف تحقيق أكثر من هدف؛ إذ يبدو أن محاولة نقل الصراع إلى دارفور تأتي في اتجاه تخفيف الضغط على العاصمة؛ وفي الوقت نفسه، استغلال التركيبة القبلية والعرقية للإقليم في توجيه مسار الصراع الدائر حاليًا، حيث إن جنرالات الجيش يحاولون استقطاب القبائل الأفريقية إلى جانب القوات المسلحة، لإضعاف حواضن الدعم السريع من القبائل العربية، التي ينتمي إليها أغلب مقاتلي الدعم.

أضف إلى ذلك، أهمية إقليم دارفور الجيوسياسية؛ فإضافة إلى التماس الحدودي الداخلي، بين إقليم دارفور وجنوب كردفان، حيث تقع حقول النفط السودانية الرئيسة فإن الإقليم بتداخلاته الإثنية وامتداداته القبلية الخارجية، يُمثل تاريخيًا أحد أهم الأرقام الصعبة في أي صراع يشهده السودان، وطالما وظفت التركيبة القبلية لهذا الإقليم في توجيه الصراعات الداخلية السودانية.

أضف إلى ذلك، ما تُمثله القبائل الأفريقية في دارفور من “قوة مُساندة” للجيش؛ إذ رغم أن بعض القبائل العربية، وجزءًا كبيرًا من إثنية الرزيقات، ضمن قبائل وإثنيات دارفور، تدعم قوات الدعم السريع، بسبب انخراط نسبة كبيرة من أبنائها في صفوف هذه القوات؛ إلا أن أغلبية القبائل الأفريقية، إضافة إلى أجزاء من القبائل العربية، تقف إلى جانب الجيش السوداني. ويعود موقف القبائل الأفريقية تحديدًا، إلى انتهاكات “الجنجويد”، التي شكلت الأصل في قوات الدعم السريع، ضد هذه القبائل، خلال الحرب في دارفور، خلال الفترة من عام 2003، وحتى عام 2009.

بالنسبة إلى قوات الدعم السريع، فهي تستهدف الارتكاز على “الانتماء القبلي”؛ فهذه القوات، من حيث إنها عناصر غير نظامية، تجمعها الانتماءات القبلية، فضلًا عن بعض تكويناتها من دول جوار السودان، وتحديدًا من القبائل الدارفورية الممتدة على جانبي الحدود بين السودان وهذه الدول، وفي مقدمتها قبيلة الرزيقات، التي ينتمي إليها محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم.

والملاحظ، رغم عدم وجود أي تمرد مُعلن من جانب عناصر الجيش السوداني، فإن هناك الكثير من ضباط الجيش الذين ينتمون إلى القبيلة نفسها، قبيلة الرزيقات، بما يدعو قوات الدعم إلى عدم التخوف من وجود هؤلاء الضباط ضمن صفوف الجيش السوداني، باعتبار أن الانتماء القبلي ما يزال هو الأقوى في السودان، خاصة في حالة حدوث أي تراجع في موقف الدعم السريع أمام الجيش.

أضف إلى ذلك، أن من دوافع قوات الدعم في إشعال معارك في دارفور، هو منع الجيش من إغلاق الحدود مع ليبيا وأفريقيا الوسطى، لضمان تدفق الإمدادات العسكرية واللوجيستية من الداعمين الدوليين والإقليميين أيضًا؛ بما يعني أن الحرب في دارفور ليست مقصودة في ذاتها، من منظور الدعم السريع، بقدر ما يتمثل الهدف منها في الإبقاء على خطوط الإمداد من خارج السودان مفتوحة.

في هذا السياق، يمكن القول بأنه مع استمرار الصراع وتمدد ساحاته داخل السودان، بين العاصمة والأطراف، خاصة ناحية الغرب، يبدو أن مستقبل السودان يتوجه إلى واحد من الاحتمالين التاليين:

الأول: استمرار الصراع والتحول إلى حرب أهلية ممتدة؛ فمع دخول الصراع إلى العام الثاني له، لا توجد أي مؤشرات على التهدئة أو التوصل إلى حل سلمي قريب. وفي الوقت نفسه، يُمثل تدخل الجهات الخارجية جانبًا حاسمًا آخر، من الصراع السوداني؛ خاصة أن تلك الجهات تدعم أحد الفريقين المتحاربين، بما يخدم مصالحها؛ وبالتالي، سوف يؤدي ذلك إلى إطالة أمد العنف، وطول فترة الصراع، وتعقيد جهود التوصل إلى حل سلمي لهذا الصراع.

الثاني: انتهاء الصراع بالتقسيم الفعلي للسودان؛ حيث سيأخذ الصراع الجاري منعطفًا محتملًا، يؤدي إلى تقسيم السودان؛ إذ، سيؤجج صراع السلطة المتصاعد، الانقسامات العرقية والإقليمية القائمة، مما يدفع السودان إلى حالة من التفكك؛ بل، سيتحول صراع السلطة بين البرهان وحميدتي إلى نقطة أساسية في الصراع، من منظور تحرك كل منهما مدفوعًا بطموحاته الشخصية؛ بما يؤدي إلى المزيد من تفاقم التوترات، وزيادة استقطاب الفصائل المسلحة الأخرى، وسعي كل منها إلى محاولة السيطرة على الأراضي أو الموارد أو النفوذ السياسي.

وبالنظر إلى الخبرة التاريخية لصراعات السودان، يبدو أن الاحتمال الثاني هو الأرجح، في ظل عدم قدرة أي من الطرفين المتحاربين على حسم الصراع لصالحه.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock