رؤى

نتانياهو وغالانت.. وقرار المحكمة الجنائية الدولية

يوم الخميس 21 نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارًا تاريخيًا، بشأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، متهمةً إياهما بارتكاب جرائم حرب، خلال الصراع مع الفلسطينيين. هذا القرار أحدث ضجة سياسية وقانونية على الساحة الدولية، وتداعياته تشمل الآثار القانونية والسياسية على إسرائيل والمجتمع الدولي.

وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، بناءً على ذلك، مذكرات توقيف بحق كل من نتانياهو وغالانت بشأن الحرب على قطاع غزة؛ إضافة إلى القائد العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، بخصوص هجوم السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل.

ومن حيث المبدأ، فمن شأن قرار المحكمة أن يُقيّد تنقلات نتانياهو، من حيث إنه يتوجب على الأعضاء الـ”125″، في هذه الهيئة القانونية الدولية، توقيفه في حال دخول أراضيها.

اللافت، أن الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، يشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث إن فلسطين عضو في “نظام روما” الأساسي منذ عام 2015. واللافت أيضا أن المحكمة تمتلك السلطة القضائية، للنظر في الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية، حتى وإن كانت إسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي، وذلك لأن الجرائم وقعت على أراضي دولة طرف في المحكمة.

(1) الإجراءات القانونية للمحكمة الجنائية: تواجه إسرائيل موقفًا قانونيًا حساسًا، حيث يمكن ملاحقة نتانياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب؛ ويشمل ذلك التهجير القسري، قصف المدنيين، والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وهي أمور تعتبرها المحكمة الجنائية الدولية خروقات للقانون الدولي. وفي حال مغادرتهما إلى دول تعترف بالمحكمة، قد يعتقلا بناءً على مذكرة توقيف دولية.

أضف إلى ذلك، أن قرار المحكمة الجنائية ضد شخصيات إسرائيلية، بوزن رئيس وزراء ووزير دفاع سابق، قد يفتح الباب أمام تحقيقات جديدة، تشمل ضباطا وجنودا إسرائيليين آخرين، شاركوا في العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين. بل إن المحكمة يمكن أن تستهدف أيضا القادة السياسيين والعسكريين السابقين، الذين أصدروا أوامر بالعمليات، التي أسفرت عن ضحايا مدنيين.

هذا التصعيد القانوني قد يزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، للتعامل مع عواقب تلك القرارات.

(2) التأثير على العلاقات الدولية: قد تواجه إسرائيل ضغوطًا قانونية متزايدة من المجتمع الدولي، حيث تتعرض دول أخرى لضغوط لتفعيل مذكرات التوقيف الدولية، في حال تواجد نتانياهو أو غالانت على أراضيها. وبالطبع، سيشكل هذا الأمر تحديا كبيرا للعلاقات الإسرائيلية مع الدول الأوروبية، التي تلتزم بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أن بعض هذه الدول، ستجد نفسها في موقف “محرج” إذا اضطرت إلى توقيف شخصيات إسرائيلية بارزة، ما قد يؤدي إلى تعقيدات دبلوماسية.

(3) رد الفعل الإسرائيلي ضد القرار: من المتوقع أن تلجأ إسرائيل إلى الطعن على قرار المحكمة الجنائية، عبر القنوات الدبلوماسية أو القانونية؛ وقد تقدم الحجج القانونية بأن المحكمة تجاوزت صلاحياتها، أو أن الإجراءات التي اتبعت لم تكن عادلة. أيضا قد تلجأ إسرائيل إلى شن حملة دبلوماسية ضد المحكمة، لإضعاف مصداقيتها أو تقليل التأييد الدولي لها، خصوصا في الولايات المتحدة التي تعتبر من أبرز حلفاء إسرائيل وترفض الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.

تبدو أهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية، بخصوص نتانياهو وغالانت، وأنه واجب التنفيذ، عبر حالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تراجع عن زيارة جنوب أفريقيا، في أغسطس 2023، وقت انعقاد قمة مجموعة بريكس في البلاد، بعد أن أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، في مارس 2023، حول ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

حينذاك، أصدرت الرئاسة في جنوب أفريقيا، وهي عضو في المحكمة، بيانًا أعلنت فيه أن الرئيس الروسي “لن يحضر قمة بريكس”، بناءً على “أمر متفق عليه بين الطرفين”.

(1) تأثير على الوضع السياسي لنتانياهو: فعلى المستوى الشخصي، قد يكون القرار بمثابة ضربة قاسية لنتانياهو الذي يحاول الحفاظ على بقائه في السلطة، وسط سلسلة من الفضائح الداخلية والاتهامات بالفساد. وبالتالي، إذا استمرت هذه الضغوط الدولية، فقد يجد نتانياهو نفسه في موقف حرج يدفعه إلى الاستقالة، أو إلى تغيير مواقفه السياسية، لتخفيف الضغوط الدولية؛ أما بالنسبة لغالانت فالقرار قد يعرضه لعزلة دولية ويحد من طموحاته السياسية المستقبلية.

أيضا من الناحية السياسية الداخلية، سوف يواجه نتانياهو وغالانت ضغوطا كبيرة نتيجة لهذا القرار؛ فالأحزاب المعارضة قد تستخدم القرار للتشكيك في أهلية نتانياهو للبقاء في السلطة، ما قد يؤدي إلى تجدد الأزمات السياسية، وقد يساهم القرار في تفاقم الانقسامات السياسية داخل إسرائيل، بين الأحزاب اليمينية التي تدعم سياسات نتنياهو المتشددة، والأحزاب اليسارية التي ترى في القرار فرصة لتحسين مواقعها في الداخل الإسرائيلي.

(2) تأثير على العلاقات الأمريكية والأوروبية: الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي لإسرائيل وتدعمها في المنتديات الدولية؛ وبالتالي فالقرار يضع واشنطن في موقف حساس، حيث قد تضطر إلى تعزيز دفاعها عن إسرائيل في الساحة الدولية، وفي الوقت نفسه مواجهة انتقادات داخلية ودولية، بشأن تأييدها لشخصيات متهمة بجرائم حرب. إدارة بايدن ومن بعدها إدارة ترامب، تواجهان معضلة بشأن تأكيد الدعم المُطلق، والمستمر، لإسرائيل.

أما بالنسبة إلى أوروبا، فقد يتسبب القرار في توتر العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي؛ فالاتحاد الأوروبي يلتزم بقيم حقوق الإنسان، ودعم المحكمة الجنائية الدولية.. ومن ثم قد يزيد هذا القرار من الضغوط على الدول الأعضاء في الاتحاد، لتقييد التعامل مع المسئولين الإسرائيليين المتورطين في قضايا المحكمة. هذه الضغوط قد تؤدي إلى تقليل التعاون الدبلوماسي والاقتصادي بين إسرائيل وبعض الدول الأوروبية.

(3) تأثير على الدول العربية والإسلامية: فهذه الدول، وخاصة تلك التي تدعم القضية الفلسطينية، قد ترى في قرار المحكمة الجنائية فرصة لزيادة الضغوط على إسرائيل. فالقرار قد يؤدي إلى تصعيد المطالبات بتفعيل مذكرات التوقيف بحق نتانياهو وغالانت، ما يزيد من عزلة إسرائيل في المنتديات الإقليمية والدولية؛ وعلى الصعيد الدبلوماسي، قد تعزز “بعض” الدول العربية والإسلامية حملاتها لدعم المحكمة الجنائية ومتابعة تنفيذ القرار.

هذا، فضلا عن أن القرار قد يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية داخل الأراضي الفلسطينية، وفي “بعض” الدول العربية المجاورة؛ فالجماهير الفلسطينية قد ترى في القرار انتصارًا لقضيتها، ما قد يدفعها إلى تكثيف الضغط على السلطات الإسرائيلية من خلال الاحتجاجات أو حتى تصعيد المقاومة.

وهكذا…

فإن قرار المحكمة الجنائية الدولية، بتاريخ 21 نوفمبر 2024، بحق بنيامين نتانياهو ويوآف غالانت، له آثار قانونية وسياسية واسعة. من الجانب القانوني، يثير التساؤلات حول إمكانية تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، ويفتح الباب لملاحقات قانونية محتملة ضد المسئولين الإسرائيليين. أما من الجانب السياسي، فيؤدي إلى تصاعد التوترات الداخلية في إسرائيل، وتزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية من المجتمع الدولي؛ كما يؤثر القرار على العلاقات بين إسرائيل والدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويشكل تحديًا لعلاقات إسرائيل الدبلوماسية مع كثير من دول العالم.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock