في عملية وصفت بالبطولية، استطاع فدائي فلسطيني اليوم الثلاثاء اقتحام موقع عسكري لجيش الاحتلال، في بلدة تياسير شرقي جنين بالضفة الغربية المحتلة، وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن منفذ العملية – لم يكشف عن هويته بعد- تمكَّن من التسلل إلى الموقع العسكري ليلا، سيرا على الأقدام، قبل أن يفاجئ جنود جيش الاحتلال، بإطلاق النار عليهم في ساعات الصباح الأولى.
كانت إذاعة جيش العدو قد نقلت، أن اشتباكا اندلع عند مدخل الموقع بين منفذ العملية، وأحد عشر جنديا صهيونيا كانوا بداخله، وأضافت الإذاعة أن القتال استمر لعدة دقائق، بعد تمكّن الفدائي من احتلال برج المراقبة، وإمطار الجنود بوابل من الرصاص من بندقيته من طراز (إم 16) ما أدى لمقتل جنديين وإصابة ثمانية آخرين قبل أن يرتقي البطل شهيدا.
وذكرت مصادر اطلعت على التحقيقات التي أجراها جيش الاحتلال بشأن الواقعة، أن الفدائي امتلك معلومات استخبارية بالغة الدفة عن تحركات الجنود داخل الموقع وأماكن تواجدهم.
وتشير بعض الأنباء أن منفذ العملية لم يستشهد إلا بعد تدخّل طائرة عمودية في الاشتباك، استهدفت البرج الذي احتله الفدائي.
تأتي العملية البطولية بعد نحو أسبوعين من الاجتياح الصهيوني لمدينة ومخيم جنين، ما أسفر عن نزوح أكثر من عشرين ألف نسمة من جنين، وستة آلاف من طولكرم، بالإضافة إلى هدم أكثر من مئة وثمانين منزلا، بين هدم تام وجزئي.. كما تسبب الاجتياح في ارتقاء نحوٍ من خمسة وعشرين شهيدا فلسطينيا.. وإصابة واعتقال العشرات.
أحد التقارير الأممية، أشار إلى أن جنين قدمت ما يربو على المئتين وخمسين شهيدا، منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وحتى ما قبل بدء العملية الحالية، والتي أسماها العدو بـ “السور الحديدي” في حين أشار التقرير إلى تدمير نحو 283 منشأة خلال الفترة نفسها، منها 144 في مخيم جنين و57 في مدينة جنين، ومن بين المجموع الكلي 176 منزلا مأهولا.
وفي تصريح لها أوضحت جولييت توما، المتحدثة باسم الأونروا، أن أجزاء كبيرة من المخيم “دمرت بالكامل جراء سلسلة من التفجيرات التي نفذتها القوات الإسرائيلية… وأن مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة يسير نحو “اتجاه كارثي” جراء العملية العسكرية الإسرائيلية”.
يحاول جيش الاحتلال في هذا الاجتياح ذر الرماد في العيون، وإبعاد الأنظار عما تمخض عنه اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة في القطاع، والرسائل التي ترسلها المقاومة للعالم أجمع في مشاهد تسليم الأسرى الصهاينة؛ تلك المشاهد التي أحدثت ردود فعل قوية في وسائل الإعلام العبرية، ووصفها البعض بالصادمة، والتي لا تُصدّق.. وهي مشاهد كشفت للعالم صلابة المقاومة، واحتفاظها بقوتها، وعدم تأثرها -بشكل كبير- من العدوان الإجرامي الذي شنّته دولة الاحتلال على القطاع على مدى خمسة عشر شهرا، أسفرت عن ما يربو على الـستة وأربعين ألف شهيد، وأكثر من مئة ألف جريح، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المفقودين.. تلك الحرب التي تتكشف أسرارها تباعا، ومنها ما أعلن اليوم عن أن الخسائر البشرية في صفوف جيش الاحتلال قد جاوزت الستة آلاف قتيل، إلى جانب عشرات الآلاف من المصابين والجرحى، منهم أعداد كبيرة فقدت أحد الأطراف.
الاجتياح الصهيوني لجنين يأتي بمثابة خطوة على طريق إعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل، للتوسع في بناء المستوطنات، كما يأتي في إطار خطة إنهاء وجود المقاومة في الضفة، متمثلة في جنين التي صارت رمزا للصمود البطولي والكفاح الفلسطيني منذ عام 2002، حين اجتاح جيش العدو المخيم وقتل ما يزيد عن 50 فلسطينيا، لكنه اندحر بعد مقاومة باسلة أسفرت عن مقتل 23 جندي صهيوني حسب تقرير للأمم المتحدة.
والحقيقة أن ناتنياهو يحاول أن ينجح في الضفة فيما فشل فيه في القطاع، وجعل عملية الاجتياح في جنين ورقة توت تواري سوءة الهزيمة المذلة والاتفاق المُرْغِم، وهو أمر مستبعد في ظل حالة الاهتراء الواضحة التي تعاني منها الدولة العبرية، والتي يصفها البعض بأنها الأسوأ منذ قيام الكيان الغاصب.