منوعات

ملحمة حقيقية من نصر أكتوبر.. سبع ساعات على خط النار

جرت العادة على كتابة تنويه فى مقدمة بعض الروايات لنفي أي علاقة بين العمل الدرامي وبين الواقع «أى تشابه بين شخصيات وأحداث هذا العمل وأية شخصيات وأحداث على أرض الواقع هو مجرد صدفة»، إلا في كتاب «الناس والحرب» الذي نوه صاحبه العقيد أسامة الصادق إلى أن «كل الأسماء والأحداث والأماكن التي وردت في هذا العمل حقيقية وتنتمي لواقع سمعه ورآه وعاشه وتألم منه، ولم يتدخل خياله فى أى من تفصيلاته».

العقيد أسامة على الصادق أحد الضباط المقاتلين الذين تجرعوا هزيمة 5 يونيه، وشارك فى معارك حرب الاستنزاف وأصيب خلالها بطلق ناري، كان فى مقدمة القوات التي عبرت قناة السويس في ملحمة الكرامة يوم 6 أكتوبر عام 1973، سجل يومياته وذكرياته عن المعارك التي شارك فيها، وحكى عن بطولات جنوده.. «رغبتهم في الثأر واسترداد الكرامة، وإصرارهم على النصر أو الشهادة».

 الناس والحرب

وثق الصادق الحاصل على نوط جرحى الحرب، ونوط الجمهورية في كتاب «الناس والحرب» الصادر عام 2007، تجربة حقيقية لمجموعة من الأبطال انتظروا 6 سنوات ليستردوا كرامتهم وكرامة الشعب المصري بعد نكسة 1967، ولما حانت ساعة الثأر واجه هؤلاء الرجال أنفسهم قبل أن يواجهوا عدوهم، تخلصوا من مشاعر الخوف تركوه خلفهم على الضفة الغربية، وعبروا نحو سيناء ليحققوا المعجزة ويقهروا «الجيش الذي لا يقهر».

في هذه السطور سنقفز إلى ما سرده الصادق عن ساعات ما قبل المعركة وتفاصيل ما جرى على الجبهة الشرقية، «كيف تسلم تكليف العبور؟.. وكيف كانت مشاعر الجنود قبل ساعة الصفر بلحظات؟، وما جرى للقائد ورجاله في أول مواجهة مع قوات العدو؟».

يتوقف الصادق عند ذكريات ليلة العبور التي أُبلغ فيها بـ«ساعة الصفر» ويقول: فى الثانية عشرة منتصف ليلة 6 أكتوبر أيقظنى جندى الخدمة ليخبرنى بأن قائد ثان الكتيبة المقدم خليل زايد وصل مستقلًا «لورى» وينتظرك، دهشت واتجهت له يتبعنى النقيب حسن، كانت الدهشة بأن يأتى لورى إلى جزيرة البلاح، اتجهت إليه حيث قابلنى قائد ثانى الكتيبة باش الوجه على غير عادته، وأخبرني: أسامة قوارب وحدتك موجودة باللوري، أرجو إحضار الجنود لإنزالها على أنها بطاطين حتى لا تخرج الأصوات ويتلقفها العدو ويعلمون بما ننوى أن نفعله.. اضطربت قليلًا فقد صدق حدسى وتنبؤى «قوارب يعنى حرب».

ويصف الصادق تفاصيل الحمولة التي ينقلها جنوده «فى العادة تحصل كل سرية مشاة على عشرة قوارب للعبور على موجة واحدة، أما بالنسبة لى فكان العدد ٢٢ قاربًا للعبور على ثلاث موجات، كل موجة ٢٢ قاربا أى أن عدد القوارب التى ستعبر فى منطقتى ٦٦ قاربًا، وقد انضم إلينا منذ عدة أيام مائة جندى احتياط مهمتهم حمل الذخيرة لموقعنا المتقدم إلى مسافة الموقع المختار الذى سوف احتله مع جنودى شرق القناة وعلى مسافة ستة كيلومترات».

ويشير الصادق إلى أن المهندسين العسكريين أعدوا منذ عدة أشهر قبل هذا التاريخ أماكن إيواء مغطاة تحت الأرض لـ٢٢ قاربًا فى هذا الموقع، «توجه الجنود بالقوارب إلى تلك الأماكن، وسلمنى قائد ثان الكتيبة تعليمات قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون.. قرأتها وشعرت بأن خلفنا رجالًا ساهرين يعملون ويفكرون فى كل شيء».

ويتذكر الصادق مشاعر المقاتل الذي انتظر تلك اللحظة، «لم يغمض لي جفن فغدا سنعبر، غدا اليوم الموعود، لقد كنت أفكر منذ انتقلنا إلى جبهة القتال وأنا أنظر إلى الجهة الأخرى من صحراء سيناء متمنياً من الله أن يعطينى العمر والقوة وأن يأتي يوم كى أعبر إلى الشرق وألقى الشهادة هناك».

فتوى إفطار رمضان

في صباح العاشر من رمضان تلقى الصادق ورفاقه فتوى شيخ الأزهر بحتمية «إفطار جميع الجنود وإن من يخالف ذلك يكون آثمًا»، كان ذلك فى حدود السادسة صباحًا، «طفت على الجنود لإقناعهم بالإفطار، شربت الماء أمامهم موضحًا أن الانتصار أهم من الصوم».

وفى تمام الثانية عشرة والنصف حضر سائق قائد الكتيبة ليخبر الصادق بأن القائد يريده فى مركز الملاحظة فرافقه، «قطعنا أكثر من كيلو لأجد قائد الكتيبة فى وضع الاستعداد فى مركز الملاحظة مبتسمًا ومرتفع الروح المعنوية وأسعدنى هذا، صافحنى سعيدًا، قائلًا: هذا يومك يا بطل أنت ورجالك الشجعان، ناولنى مظروفًا صغيرًا، وطلب منى قراءته بعد أن أصل إلى موقعى».

تكليف العبور

عاد الصادق إلى جنوده بالتكليف، عاد بالحلم الذى كان ينتظره جنوده، «وقفت وسط جنودى وضباطى بعد عودتى من لقاء القائد وهم يترقبون منى شيئًا جديدًا، قرأت كلمات قائدى والتى لا تخرج عن سطرين بأننا جاهزون ومستعدون لمعركتنا المقبلة وموعد عبورنا الساعة (1405) أى الثانية وخمس دقائق بعد الظهر، وهذا التوقيت سيكون لحظة عبور القاذفات المصرية من سلاحنا الجوى».

ويصف الصادق مشاعر رجاله قبل العبور قائلا: نعلم أننا مفرزة نطاق أمن الفرقة، والتى يعرفها من المتخصصين يعلمون أنها المدفوعة للاشتباك مع العدو، وبالتالى يكون العدو فى أشد قوته ويستطيع بإمكانياته الكبيرة أن يقوم بكل ما يستطيع لسحقهم، إذًا فهم سوف يحصلون على «حموة الموس» والصدمة الأولى لقوات العدو.

«ساد الموقع سكون تام فلا حركة وكلٌ خلف سلاحه وإذا كان أى إنسان يريد معرفة ما يحدث لهؤلاء المرابضين فعيون يقظة وعقول تائهة وقلوب تنبض بقوة كأنها أصوات مدفعية ميدان».

وعن تلك اللحظات الثقيلة التى سبقت ساعة الصفر، يضيف الصادق: تعدت الساعة الواحدة والنصف وأنا فى حالة من اليقظة والانتباه وجنودى صامتون والحركة على جبهة القتال خاصة فى موقعى تدفع إلى الرعب، إنه الانتظار القاتل.. كان وقتا طويلًا علينا.. كل ينظر إلى الآخر ولسان حاله يتساءل: هل سيشاهد زميله مرة أخرى سواء نال هو الشهادة أو زميله؟ كنا قد وصلنا إلى حالة من الروحانية العالية وقد أدى هذا إلى أن سرح البعض منا مع عائلته أو أحبائه وقد كنت منهم، فلقد طار بى الفكر والخيال بعيدا ولم أفكر فيه راغبا.. لقد كان الموت قريبًا منا بشكل ما ورائحته أقبلت من الشرق جهة الأعداء.

على الضفة الشرقية

كسر لحظات الصمت والسكون الرهيبة صوت طائرات هادر مفاجئ، تعبر سماء القناة متوجهة إلى الشرق، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يرى فيها أسامة وجنوده طائرات مصرية تعبر من فوقهم لتقصف العدو، «إنها الميج 21 هاجمت أعماق سيناء ونحن نشاهد الانفجارات تتوالى وأعمدة الدخان تتصاعد دليلًا على إصابة الأهداف بدقة».

وقف أسامة صائحًا «احملوا القوارب».. حملت الفصيلة المحددة القوارب وقائدهم يصرخ فيهم، «تحركوا إلى الثغرات لعبور القناة، شاهدتهم متحجرين.. أطلقت عدة دفعات من سلاحى قريبا منهم وقد أفاقهم هذا الصوت».

بصوت آمر حاد أبلغ القائد معاونه النقيب حسن أنه سيعبر مع جنوده وطلب منه أن يلحقه مع باقي القوة بعد وصولهم إلى الشرق واحتلالهم الساتر الترابي، «تسلمت منه علم الجمهورية.. الآن القوارب الثلاثة فى المياه ويدفع كل قارب جندى ثم يقفز بداخله، وأنا أقف فى وسط أحد تلك القوارب ملوحا بعلم مصر أمام الجميع.. أشير إلى جنودى هاتفا (الله أكبر.. الله أكبر) وابتعدت عن الضفة الغربية لقناة السويس وأنا الذى شاهدتها منذ أكثر من ست سنوات فى آخر مرة، شتان ما بين التاريخين.. وتبتعد الصورة أكثر فأكثر كلما اقتربت قواربنا من الضفة الشرقية».

رغم عدم وجود سلالم لصعود الحاجز الترابى صعد أسامة ومن معه الساتر الترابي لخط بارليف حاملين مضادات الدبابات وذخائرهم هاتفين «الله أكبر»، ولوح الضابط لباقى قواته فى المياه بعلم مصر، فزادهم ذلك اشتعالا وحماسا، ووصل باقى الجنود وحملوا مدافعهم ومعداتهم وصعدوا متحدين الطبيعة والوزن الزائد، ووزعهم فصائل ووحدات.

رغم هول الموقف إلا أن الفرح والشوق جعل بعض جنود الفرقة ينسون خطر الحرب ويسجدون ليقبلوا رمال سيناء.. واصل أسامة وجنوده التقدم فى اتجاه تبة «الكنتور»، وبدأ العدو يقصف الساتر بالمدفعية، وحدد القائد لأفراد قوته مواقعهم واختار لنفسه موقع القيادة.

حقوق التصوير: جيش الدفاع

معركة كسر العظام

أصدر الصادق تعليماته لقواته بعدم فتح النيران على قوات العدو إلا بعد أن يشاهد المراقبون فى كل فصيلة تدمير الدبابة التى فى أول (القول- الطابور)، «أبلغنى قائد الفرقة بأن الاحتياطى المدرع الإسرائيلى تحرك فى اتجاهنا.. عبرت الدبابات الإسرائيلية من أمامى وعامل اللاسلكى يبلغ القيادات المختلفة عن كل صغيرة وكبيرة ويأتى إلى صوت قائد الفرقة صارخا، لماذا لم تشتبك حتى الآن؟ سيفلتون منك.. لحظتها انفجرت أول دبابة للعدو لتتوقف الدبابات خلفها وأغلق عليهم الطريق.. الدبابة التالية حاولت فتح طريق بإزاحة الدبابة المشتعلة التى دمرتها النيران، في تلك الأثناء انفجرت الدبابة الأخيرة في (الطابور)».

ويسترسل القائد في سرد مشاهد المعركة التي استمرت 7 ساعات: هكذا تم حجز الدبابات والعربات المدرعة داخل مصيدة قواتى ونجحت خطتى ونفذها جنودى ببراعة وانهالت القذائف عليهم، حاولوا الإفلات منها بأى طريقة مما دفع بإحدى الدبابات الإسرائيلية للسير جانبا فغرزت فى الملاحات، حاولت الخروج وكل مرة تحاول الخروج يزداد غرسها فتركها جنودها هربا للحاق بأى دبابة أخرى، لكن رشاشاتنا لاحقتهم فأردتهم قتلى فى الحال.

واصل رجال الصادق الاشتباك مع العدو وكل من يجد هدفا في مرمى سلاحه يقذفه، وعندما اقتربت الساعة من الرابعة بدأت طائرات العدو المنخفضة في الإغارة فتعاملوا معاها «أغارت علينا بعض الطائرات المنخفضة، لكن صواريخ الكتف سام 7 أصابت إحداها وسقطت قريبة منا، ابتعد الإسرائيليون».

مضى من الوقت ساعتان وتمكن الأبطال من تدمير أكبر عدد من النقاط القوية للعدو في تلك الأثناء التقطت القوات مكالمات الإسرائيليين اللاسلكية وأذاعها قائد الفرقة في إرسال شبكته ليرفع من روح جنوده المعنوية، فالمكالمات تكشفت ما كان يمر به الصهاينة من رعب.

رائحة الموت

أربعون دقيقة مرت على الصادق ورجاله لاحظ فيها دانات المدفعية تنفجر تباعا، حتى وصلت المسافات بين كل دانة وأخرى خمسة أمتار تقريبا وهذا سيؤدى إلى هلاكهم «بعض الدانات تسقط على الجندى مباشرة فتقذف به خارج حفرته صارخا وقد تمزق جسده إلى أشلاء.. عمت الموقع رائحة الموت ورائحة شواء الأجساد المحترقة والمتفحمة».

ويكمل الصادق وصف تلك اللحظات «كان هناك شيء ما قلل من تأثير مدفعيتنا على مدفعية العدو وزادت وحدات الدفاع الجوى من صواريخها وقد أدى هذا إلى انفراج للمدفعية وقذفت مدفعية العدو التى هدأت من قذفها علينا كما قذفت طوابير دباباتهم، خاصة بعد أن وصلت بعض المعلومات بسقوط نقطتين من نقاط العدو فى أيدى قواتنا فحدث لهم هلع من جراء ذلك».

أعادت قوات العدو الهجوم على الصادق ومجموعته وطلب منه الاستعداد لهم ووُعد بأنه قد يُدعم بكتيبة دبابات، »فى الهجوم التالى لم يتخذوا طريق المحور الشمالى المرصوف ولكنهم اتبعوا تكتيكا آخر وهو التسلل إلينا من بين الرمال التى نحتلها.. أصبحت فريسة سهلة لهم فلا عون ولا جوار قريبًا منى يساعدنى فى تلك الهجمات المتتالية، غيرنا وأبدلنا اتجاه أسلحتنا فى اتجاههم وكان هجومهم على هيئة قوس مع نيران كثيفة تسبقهم وحدث ما حُذرنا منه معركة «اللحم مع الحديد» خاصة لقرب نفاد الذخيرة والصواريخ».

محاولة أسر الصادق

ويروي الصادق عن محاولة أسره وما جرى فيها قائلا: دمرت دبابتين للعدو وأسرعت بعض الدبابات فى اتجاه القناة مع ترك فصيلة مشاة ميكانيكية، شاهدتهم قادمين فى اتجاهى من جهة القناة وترجل عشرة منهم ومع أحدهم ميكروفون صغير متحدثًا «قائد مصرى سلم نفسك فورا»، وسمعت قائد الفرقة يصرخ فى «إذا أمكنك سحب قواتك فافعل».. حدثته وجنود العدو قادمون تجاهى لأسرى، لا يمكن هذا، مجرد ترك الجنود لحفرهم سيهلك أكثر من نصفهم كما لن أستطيع السيطرة عليهم ونعود لكارثة ٦٧.

أصدر أسامة أمرا إلى أقرب فصيلة بأخذ وثبة للخلف، لكن العدو كان يتنصت على الشبكة، واندفعت الرشاشات النصف بوصة تحصد جنوده فانكفأ الجميع أرضا البعض منهم هربا من النيران والآخرون للشهادة، «ألغيت أمر قائد الفرقة الذى ما زال صارخا بى لعدم تنفيذ الأمر وأنا أحدثه بأنه من الصعوبة تنفيذ هذا وسوف يؤدى إلى هلاك الجنود وأخبره باستشهاد سبعة جنود من اثنين وعشرين كانوا يستعدون لذلك، فطلب منى التمسك بموقعى وأخبر هيئة قيادته بأننى أدرى منهم بالموقف».

لم يلحظ أسامة من أطلق قذيفة «الـ آر بى جى» على إحدى مدرعات العدو التى جاءت لأسره، انفجرت المدرعة ولم يخرج منها سوى فرد واحد اشتعلت به النيران، لحظتها انكفأ الجنود الإسرائيليون المترجلون أرضا واحتموا بها والمسافة بينهم وبين قوات أسامة لا تتعدى ثلاثمائة متر.

بدأ أسامة فى إطلاق النار تجاه جنود العدو الذين اقتربوا لمسافة ١٠٠ متر، وطلب من كل الجنود بما فيهم جنود الإشارة إطلاق النار، «شاهدت مدفع ماكينة يجره طاقمه المكون من ثلاثة أفراد قادما فى اتجاهى مسرعا ونيران العربة المدرعة الأخرى توجه لهم مدفعها الرشاش بدفعات فيتساقطون تباعا، ولكن تبقى أحدهم وأنا أصرخ فيه، احتم بالأرض، بلاش تجرى، ولكنه كان يرى ويشاهد نفسه فى الجنة، لم ولن أرى مشهدا مثل هذا فى حياتي، الشاب أحمد همام ابن العشرين عاما والذى التحق بالقوات المسلحة منذ ستة أشهر يجرى بمفرده ومعه المدفع خلفه وأشاهده وهو ينفض عن جسده الطلقات، ثم انكفأ خلف مدفعه موجهه جهة الجنود الإسرائيليين الذين نهضوا متقدمين فى اتجاهي، لقد كانوا مصممين على أسرى بأي وسيلة، ضغط على عتلة الضرب ليفرغ مائة طلقة بهم فيقضى على ثمانية منهم وهم يصرخون بهستيرية، وتتكالب قوات العدو على الموقع وأنا متأكد أنها دقائق أو ثوان ونصبح هالكين».

اشتدت المعركة وفشل العدو فى أسر الصادق بسبب شجاعة أحد رجاله وهو الشهيد أحمد همام، في تلك الأثناء سمع الضابط كبسولة خروج مقذوف من دبابة، فقال لجنوده: ارقدوا إنها لنا، لم يكمل الرجل كلمته حتى سمع انفجار شديد وطقطقة فى خوذته ودماء غزيرة مندفعة منها، «أيقنت أننى أصبت وأننى الآن سوف أصبح شهيدًا، تذكرت وأنا أسمع أنات وآهات حولى أشياء ثلاثة، تلاوة الشهادة وتلوتها فى سرى، الثانية ماذا سيحدث لأبى وأمى عندما يبلغهم نبأ استشهادي؟ والثالثة أنه يوم ميلادى ٦/١٠/١٩٤٤ لقد أتممت تسعة وعشرين عاما».

تحقيق الهدف

غاب أسامة عن الوعي، وشاهد فى غيبوبته وجوه جنوده الشهداء ناصعة بيضاء ترفرف من حوله، بعد أن اختفت أصوات الانفجارات والطلقات، وظهر له مقاتلون نالوا من العدو، حتى أفاق فجأة فإذ بنيران شديدة تمسك فى ملابسه فسقط من أعلى التبة ليرقد على جانبه.

يصف الصادق الذي شعر بدنو الأجل لحظات ما بين الحياة والموت ويقول: «لا أعلم أين أنا وماذا حدث، وبدافع من الحياة جلست أتحسس جسدى وأطمئن على أعضائي»، في هذه اللحظة سقط أمامه ميجور إسرائيلى تلتهم النيران جسده بعد أن قفز من دبابة محترقة وطلب منه إنقاذه: «تقابل القائدان المصرى والإسرائيلى وجها لوجه فى نهاية المعركة، أنا مصاب برأسى بينما هو فارق الحياة».

عثر الجندي مسعد على قائده مسجيا في دمائه وطلب منه الأخير أن يساعده على التوجه إلى مركز الملاحظة، «وصلت وحاولت أن أتبين الأشخاص، أقلب فيهم وأنا لا أستطيع فحصهم مما ألم بيدى وظهري، اكتشف الواحد تلو الآخر، إنهم جنودى الذين رافقونى فى العبور.. بعضهم تعرفت عليه وآخرون لم أتعرف عليهم فهواية الإسرائيليين دهس الأحياء والأموات بدباباتهم، لقد تهتك بعضهم حسب حظه ونصيبه من جنزير الدبابة فمن داست الدبابة فوق ظهره أو مؤخرته استطعت أن أتبين وجهه، أما من داست على رأسه فلم أعرفه».

تمكن الصادق من السير لنحو ستة كيلومترات، وكانت الساعة قد اقتربت من التاسعة تقريبا، وصل القائد مع من تبقى من رجاله إلى الساتر الترابي للقناة، ومازالت المعارك مستمرة على خط النار، تمكنت المجموعة رغم ما تكبدته من خسائر في الأرواح والعتاد من تحقيق هدف معركة السبع ساعات، وهو «قطع الطريق على قوات العدو حتى لا تتمكن من دعم النقاط القوية، وعرقلة وصول أي إمداد إليها»، وقد كتب الله لهم النصر بعد أن قضى منهم من قضى وأصيب من أصيب.

المجد للأبطال الشهداء، والعزة لكل من شارك فى تلك الملحمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock